Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 143-145)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } ، وٱختلف في نَصْبِها فقيل : على البدل من « مَا » في قوله : { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } ، وقيل : على الحال ، وقيل : على البدل من قوله : { حَمُولَةً وَفَرْشاً } ، وهذا أصوب الأقوال ، وأجراها على معنى الآيةِ ، والزَّوْج : الذكر ، والزَّوْج الأنثَىٰ ، فكل واحدٍ منهما زَوْجُ صاحبِهِ ، وهي أربعة أنواعٍ ؛ فتجيء ثمانية أزواجٍ ، والضَّأْن : جمع ضَائِنَة وضَائِن . وقوله سبحانه : { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } ، هذا تقسيمٌ على الكفَّار ؛ حتَّىٰ يتبيَّن كذبهم على اللَّه ، أي : لا بد أن يكون حَرَّم الذكَرَيْن ؛ فيلزمكم تحريمُ جميعِ الذُّكور ، أو الأنثيين ؛ فيلزمكم تحريمُ جميع الإناث ، { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } ، فيلزمكم تحريمُ الجميعِ ، وأنتم لم تلتزموا شيئاً يوجبه هذا التقسيمُ ، وفي هذه السؤالاتِ تقريعٌ وتوبيخٌ ، ثم أتْبَعَ تقريعَهُم بقوله : { نَبِّئُونِي } ، أي : أخبروني { بِعِلْمٍ } ، أي : من جهة نبوَّة أو كتابٍ من كتب اللَّهِ { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، و { إن } شرطٌ ، وجوابه في { نَبِّئُونِي } . وقوله سبحانه : { وَمِنَ ٱلإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ … } الآية : القولُ في هذه الآية في المعنَىٰ وترتيبِ التقسيمِ ؛ كما تقدَّم ، فكأنه قال : أنتم الذين تدَّعون أن اللَّه حرم خصائصَ مِنْ هذه الأنعام لا يَخْلُو تحريمه مِنْ أن يكون في الذَّكَرَيْن أو في الأُنْثَيَيْن ، أو فيما ٱشتملَتْ عليه أرحامُ الأنثيين ، لكنه لم يُحَرِّم لا هذا ولا هذا ولا هذا ؛ فلم يَبْقَ إلا أنه لم يَقَعْ تحريمٌ ، قال الفَخْر : والصحيحُ عندي أن هذه الآية لم ترد علَىٰ سبيل الاستدلالِ علَىٰ بطلان قولهم ، بل هي ٱستفهامٌ على سبيل الإنكار ، وحاصلُ الكلام : أنكم لا تعترفُون بنبوَّة أحد من الأنبياء ، فكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة . انتهى . وقوله سبحانه : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّـٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } : استفهامٌ ؛ علَىٰ سبيل التوبيخِ ، و { شُهَدَاء } : جمعُ شهيدٍ ، وباقي الآية بيِّن . وقوله تعالى : { قُل لآ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً … } الآية : هذه الآيةُ نزلَتْ بمكَّة ، ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقْتِ شيء محرَّم غير هذه الأشياء ، ثم نزلَت ، سورة المائدة بالمدينة ، وزيدَ في المحرَّمات ؛ كالخمر ، وكأكل كل ذي نابٍ من السباعِ ممَّا وردَتْ به السُّنَّة . قال * ع * : ولفظة التحريمِ ، إذا وردَتْ على لسان رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فإنَّها صالحةٌ أن تنتهي بالشيء المذكور غَايَةَ المنْعِ والحظرِ ، وصالحةٌ بحسب اللغة أنْ تقف دون الغاية في حَيِّز الكراهية ونحوها ، فما ٱقترنَتْ به قرينةُ التسليمِ من الصحابة المتأوِّلينِ ، وأجمع عليه الكلُّ منهم ، ولم تَضْطَرِبْ فيه ألفاظ الأحاديث ، وأمضاه الناسُ ـــ وجب بالشَّرْعِ أنْ يكون تحريمه قَدْ وصَل الغايةَ من الحَظْر والمَنْع ، ولحق بالخنزير والميتة ، وهذه صفة تحريم الخمر ، وما ٱقترنت به قرينةُ ٱضطراب ألفاظ الحديثِ ، واختلف الأمة فيه ، مع علمهم بالأحاديث ؛ كقوله ـــ عليه السلام ـــ : " كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ " ، وقد روي عنه « نَهَىٰ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ » ، ثم اختلفتِ الصحابة ومَنْ بعدهم في تحريمِ ذلك ، فجاز لهذه الوجوه لِمَنْ ينظر أَنْ يحمل لفظ التحريم على المَنْع الذي هو على الكراهية ونحوها ، وما ٱقترنَتْ به قرينةُ التأويلِ ؛ كتحريمه ـــ عليه السلام ـــ لُحُومَ الحُمُرِ الأنْسِيَّةِ ، فتأول بعض الصحابة الحاضِرِينَ ذلك ؛ لأنها لم تخمَّس ، وتأوَّل بعضهم أن ذلك لئَلاَّ تفنَىٰ حمولةُ النَّاس ، وتأول بعضهم التحريمَ المَحْضَ ، وثبت في الأمة الاختلافُ في لَحْمها ، فجائز لِمَنْ ينظر من العلماءِ أنْ يحمل لفظ التحريمِ بحسب ٱجتهاده وقياسه علَىٰ كراهية أو نحوها ، وباقي الآية بيِّن .