Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 146-150)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ … } الآية : هذا خبر مِنَ اللَّهِ سبحانه يتضمَّن تكذيبَ اليَهُودِ في قولهم : « إن اللَّه لم يحرِّم علينا شيئاً ، وإنما حرمنا علَىٰ أنفسنا ما حَرَّمه إسرائيل على نفسه » ، و { كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } : يراد به الإبلُ ، والنَّعَام ، والإوَزُّ ونحوه من الحيوانِ الذي هو غير مُنْفَرِجِ الأصابع ، وله ظُفُر ، وأخبرنا سبحانه في هذه الآية بتحريمِ الشحومِ عليهم ، وهي الثُّرُوب وشَحْمُ الكُلَىٰ ، ومَا كان شحماً خالصاً خارجاً عن الاستثناء الذي في الآية ، واختلف في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائحهم ، فعن مالكٍ : كراهيةُ شحومهم من غير تحريمٍ . وقوله تعالى : { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } ، يريد : ما ٱختلط باللحْمِ في الظَّهْرِ والأجنابِ ونحوه ، قال السُّدِّيُّ وأبو صالح : الأَلْيَاتُ ممَّا حملَتْ ظهورهما ، والحَوَايَا : ما تَحوَّىٰ في البَطْن ، وٱستدارَ ، وهي المَصَارِينُ والحُشْوة ونحوها ، وقال ابن عباس وغيره : هي المَبَاعِر ، وقوله : { أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } ، يريد : في سائر الشخْصِ . وقوله سبحانه : { ذٰلِكَ جَزَيْنَـٰهُم بِبَغْيِهِمْ } يقتضي أنَّ هذا التحريم إنما كان عقوبةً لهم علَىٰ بغيهم ، وٱستعصائهم علَىٰ أنبيائهم . وقوله سبحانه : { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } : إخبار يتضمَّن التعريضَ بكَذِبهم في قولهم : ما حرَّم اللَّهُ علينا شيئاً . وقوله سبحانه : { فَإِن كَذَّبُوكَ } : أي : فيما أخبرْتَ به ؛ أنَّ اللَّه حرَّمه عليهم ، { فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وٰسِعَةٍ } أي في إمهاله ؛ إذ لم يعاجلْكم بالعقوبةِ ، مع شدَّة جُرْمِكم ، ولكنْ لا تغترُّوا بسعة رحمته ؛ فإن له بَأْساً لا يُرَدُّ عن القوم المجْرِمِين ، إما في الدنيا وإما في الآخرة ، وهذه الآية وما جانَسَها من آياتِ مكَّة مرتفعٌ حكْمُها بآية القتالِ ، ثم أخبر سبحانه نبيَّه ـــ عليه السلام ـــ ؛ بأن المشركين سيحتجُّون ؛ لتصويبِ ما هُمْ عليه من شركهم وتديُّنهم : بتحريمِ تلك الأشياءِ بإمهال اللَّه تعالَىٰ لهم ، وتقريرِهِ حالهم ، وأنه لو شاء غَيْرَ ذلك ، لما تَرَكَهم على تلْك الحال ، ولا حُجَّة لهم فيما ذكَروه ؛ لأنه سبحانه شاء إشراكهم وأقدرهم على الاكتساب ، ويلزمهم على ٱحتجاجهم أنْ تكون كلُّ طريقةٍ وكلُّ نحلةٍ صواباً ، إذْ كلها لو شاء اللَّه لَمْ تكُنْ ، وفي الكلامِ حذفٌ يدلُّ عليه تناسُقُ الكلامِ ؛ كأنه قال : سيقول المشركون كذا وكذا ، وليس في ذلك حُجَّة لهم ، ولا شَيْء يقتضي تكذيبَكَ ، ولكن ، { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ؛ بنحو هذه الشبهة مِنْ ظَنِّهم أنَّ ترك اللَّه لهم دليلٌ علَىٰ رضاه بحالهم ، وفي قوله تعالى : { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } : وعيدٌ بيِّن . وقوله سبحانه : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ } . أي : مِنْ قِبَلِ اللَّه ، { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ } ، يريد البالغةَ غاية المَقْصِدِ في الأمر الذي يحتجُّ له ، ثم أعلم سبحانه أنَّه لو شاء ، لهدَى العالَم بأسْره ، و { هَلُمَّ } : معناها : هَاتِ ؛ وهي حينئذ متعدِّية ، وقد تكون بمعنى : « أَقْبِلْ » ؛ فلا تتعدَّىٰ ، وبعضُ العرب يجعلها ٱسْمَ فعْلٍ ؛ كـ « رُوَيْدَكَ » ، وبعضهم يجعلها فِعْلاً ، ومعنى الآية : قل هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن اللَّه حرَّم ما زعمتم تحريمَهُ ، { فَإِن شَهِدُواْ } ، أي : فإن ٱفترَىٰ لهم أحدٌ أو زَوَّرَ شهادةً أو خبراً عن نبوَّة ونَحوَ ذلك ، فجَنِّبْ أنْتَ ذلك ، ولا تَشْهد معهم ، قلْتُ : وهذه الآية والتي بعدها مِنْ نوعَ ما تقدَّم من أن الخطاب له صلى الله عليه وسلم ، والمراد غيره ممَّن يمكن ذلك منه ، { وَهُم بِرَبِهِمْ يَعْدِلُونَ } ، أي : يجعلون لَهُ أنداداً يسوُّونهم به ، تعالَى اللَّه عن قولهم .