Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 29-31)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالَىٰ : { وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } هذا على تأويل الجمهور ابتداء كَلاَمٍ ، وإخبار عنهم بهذه المَقَالَةِ ، و « إن » نافية ، ومعنى الآية عنهم التكذيب بالحَشْرِ والعَوْدَة إلى اللَّه . وقوله سبحانه : { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } الإشَارَةُ بهذا إلى البَعْثِ الذي كذبوا به في الدنيا ، وقولهم : { بَلَىٰ وَرَبَّنَا } إيْمَانٌ ، ولكنه حِينَ لا يَنْفَعُ . وقوله : { فَذُوقُواْ } استعارة بليغة ، والمعنى بَاشِرُوهُ مُبَاشَرَةِ الذائق ، و { بَغْتَةً } معناه : فجأة ، تقول : بَغَتَنِي الأمر ؛ أي : فجأني ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ وَلَكِنَّهُمْ بَانُوا وَلَمْ أَخْشَ بَغْتَةً وَأَفْظَعُ شَيْءٍ حِينَ يَفْجَأُكَ البَغْتُ @@ ونصبها على المَصْدَرِ في موضع الحال . وقولهم : { قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } نداء الحَسَرَةِ على تَعْظِيمِ الأمر ، وتشنيعه . و { فَرَّطْنَا } معناه : قَصَّرْنَا ، والضمير في قوله : { فِيهَا } عائد على السَّاعَةِ ؛ أي : في التَّقْدِمَةِ لها . قاله الحسن . ويحتمل أن يَعُودَ الضمير على الدنيا ، إذ المعنى يَقْتَضِيهَا ، ومجيء الظرفية أمكن . قلت : قال عَبد الحق في « العَاقِبَةِ » : لا يَعْرِفُ مِقْدَارَ الحياة إلا الموتى ؛ لأنهم قد ظَهَرَتْ لهم الأمور ، وانكشفت لهم الحَقَائِقُ ، وتَبَدَّتْ لهم المَنَازِلُ ، وعلموا مِقْدَارَ الأعمال الصَّالِحَةِ ، ولما اسْتَبَانَ لهم ذلك ، وعلموا مِقْدَارَ ما ضيعوا ، وقيمة ما فيه فَرَّطُوا ، نَدِمُوا وَأَسِفُوا ، وودُّوا أنهم إلى الدنيا رَجَعُوا ، فالذي عمل صالحًا ودَّ أن لو رَجَعَ إلى الدنيا لِيَزْدَادَ من عَمَلِهِ الصالح ، ويكثر من تَجْرِهِ الرابح ، والمُقَصِّرُ يَوَدُّ أنه لو رُدَّ ليستدرك ما فيه فَرَّطَ ، وقد قال عليه السَّلاَمُ : " " ما مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إلاَّ نَدِمَ " قَالُوا : وَمَا نَدَامَتُهُ يا رسول اللَّه ؟ قال : " إنْ كَانَ مُحْسِناً نَدِمَ ألاَّ يكون ازْدَادَ ، وإن كَانَ مُسِيئاً نَدِمَ ألا يَكُونَ نَزَعَ " خرجه الترمذي . انتهى . وقوله تعالى : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ } الواو واو الحَالِ ، والأَوْزَارُ جمع وِزْر بكسر الواو ، وهو الثّقْلُ من الذنوب ، والوِزْرُ هنا تَجَوُّز وتَشْبِيهٌ بثقل الأَحْمَالِ . ومن قال : إنه من الوَزَرِ ، وهو الجَبَلُ الذي يُلْجَأُ إلَيْهِ ، فهو قول غير بَيِّنِ . وقال الطبري وغيره : هذا على جهة الحَقِيقَةِ ، وَرَوَوْا في ذلك خَبَراً : أنَّ المُؤْمِنَ يَلْقَاهُ عمله في أَحْسَنِ صُورَةً وأَفْوَحِهَا فَيُسَلِّمُ عليه وَيَقُولُ طَالَ مَا رَكِبْتُكَ في الدُّنْيَا وَأَجْهَدْتُكَ ، فَارْكَبْنِي اليَوْمَ . قال : فَيَحْمِلُهُ تِمْثَالُ العَمَلِ . وإن الكَافِرَ يَلْقَاهُ عَمَلَهُ في أَقْبَحِ صُورَةً وأَنْتَنِهَا فَيَشْتِمُهُ ، ويقول : أنا عَمَلُكَ الخَبِيثُ طَالَ مَا رَكِبْتَنِي فِي الدُّنْيَا بِشَهَوَاتِكَ فَأَنا أرْكَبُك اليَوْمَ ، قال : فيحمل تِمْثَالَ عَمَلِهِ الخَبِيثَ وَأَوْزَارَهُ على ظَهْرِهِ . قلت : والأحاديث الصحيحة في معنى ما ذَكَرَهُ الطبري كثيرةٌ كأحاديث مَانِعِي الزكاة ، وغيرها . قال مكي : وروى المَقْبُرِيُّ عن أبي هريرة في حديث يرفعه ، قال : " إذا كان يَوْمُ القِيَامَةِ بَعَثَ اللَّه مع كل امْرِىءٍ مُؤْمِنٍ عَمَلَهُ ، وبَعَثَ مع الكافر عَمَلَهُ فلا يرى المُؤْمِنُ شَيْئاً يروعه ، ولا شَيْئاً يُفْزِعُهُ ويخافه إلاَّ قَالَ له عَمَلُهُ : أَبْشِرْ بالَّذِي يَسُرُّكَ فَإنَّكَ لَسْتَ بِالَّذِي يُرَادُ بهذا . ولا يرى الكَافِر شَيْئاً يُفْزِعُهُ ويروعه ويَخَافُهُ إلا قال له عَمَلُهُ : أبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ بالذي يَسُوءُكَ ، فَوَاللَّهِ إنك لأنْتَ الذي تُرَادُ بهَذَا " انتهى .