Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 32-33)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } الآية . هذا ابتداء خَبَرٍ عن حَالِ الدنيا ، والمعنى : أنها إذ كانت فَانِيَةٌ لا طائل لها أشبهت اللَّعِبَ ، واللهو الذي لا طَائِلَ له إذا تَقَضَّىٰ . وهذه الآية تتضمن الرَّدَّ على قولهم : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } [ الأنعام : 29 ] وهو المقصود بها . قال عبد الحق في « العاقبة » : اعلم ـــ رحمك اللَّه ـــ أن حُبَّ الدُّنْيَا هو سَبَبُ طُولِ الأَمَلِ ، والإكْبَابُ عليها يَمْنَعُ من الفِكْرَةِ في الخروج عنها ، والجهل بغَوَائِلِهَا يحمل على الإرادة لها ، والازدياد منها ؛ لأن من أَحَبَّ شَيْئاً أحَبَّ الكَوْنَ معه ، والازدياد منه ، ومن كان مَشْغُوفاً بالدنيا مُحِبًّا لها قد خَدَعَتْهُ بزُخْرُفِهَا وَأَمَالَتْهُ برَوْنَقِهَا كيف يحبُّ مفارقتها ، أو يحب مُزَايَلَتَهَا ، هذا أمر لم تَجْرِ العادة به ، ولا حُدِّثْنَا عنه ، بَلْ نجد مَنْ كَانَ على هذه الصفة أَعْمَى عَنْ طريق الخَيْرِ ، أصم عن دَاعِي الرشد ، أَفِنَ الرأي ، سَيِّـــىءَ النظر ، ضَعِيفَ الإيمان ، لم تترك له الدُّنْيَا ما يَسْمَعُ به ، ولا ما يرى ، إنما دِينُهُ وشغله وحديثه دُنْيَاهُ ، لها ينظر ، ولها يَسْمَعُ ، قد ملأت عينه وقلبه ، ثم قال : واعلم أن أَهْلَ القُبُورِ إنما يَنْدَمُونَ على ما يتركون ، ويفرحون بما يُقَدِّمُونَ ، فما عليه أهل القُبُورِ يندمون ، أَهْلُ الدنيا عليه يَقْتَتِلُون . انتهى . وقوله سبحانه : { قَدْ نَعْلَمُ … } الآية : { نَعْلَم } إذا كانت من اللَّه ـــ تعالى ـــ تَتَضَمَّنُ استمرار العَلْمِ وقِدَمَهُ ، فهي تعمُّ الماضي ، والحال ، والاستقبال . قلت : ونحو هذا لأبي حَيَّانَ قال : وعبر هنا بالمُضَارِعِ ؛ لأنَّ المُرَادَ الاتصاف بالعلم ، واستمراره ، ولم يلحظ فيه الزمان ، كقولهم : فلان يعطي ويمنع . انتهى . وقرأ نافع وحده « لَيُحْزِنُكَ » من أَحْزَنَ . وقرأ الباقون : « لَيَحْزُنْكَ » من حَزَنْتُ الرجلَ . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة « لاَ يُكَذِّبُونَكَ » ـــ بتشديد الذال ، وفتح الكاف ـــ وقرأها ابن عباس ، ورَدَّهَا على قارىءٍ قرأ عليه « يُكذبونك » بضم الياء ، وقال : إنهم كانوا يسمونه الأَمِينَ . وقرأ نافع والكسائي بسكون الكاف ، وتخفيف الذال ، وهما قراءتان مشهورتان صحيحتان ، وهما بمعنى واحد ، فمعنى : لا يكذبونك ، أي : لا يعتقدون كذبك ، وإنهم يعلمون صِدْقَكَ ، ولكنهم يَجْحَدُونَ عنَاداً وظُلْماً ، وهذا تأويل قتادة والسُّدي وغيرهما . وحكي عن طائفة من الكُفَّارِ أنها كانت تَقُولُ : إنا لنعلم أن محمداً صادق ، ولكن إذا آمنَّا به فضلنا بنو هاشم بالنبوءة ، فنحن لا نُؤْمِنُ به أَبَداً . رويت هذه المَقَالَةِ عن أَبِي جَهْلٍ ، ومن جرى مجراه . وأسْنَدَ الطَّبَريُّ : " أن جِبْريلَ وجد النبي صلى الله عليه وسلم حَزِيناً فسأله ، فقال : كذبني هؤلاء ، فقَال : إنهم لا يكذبونك بل يعلمون أَنَّكَ صَادِقٌ ولكن الظالمين بآيات اللَّه يَجْحَدُونَ " وجَحْدُ العِنَادِ جائز الوُقُوعِ بمقتضى النظر ، وظواهر القرآن تعطيه ، و { يَجْحَدُونَ } : حِقِيقِتُهُ في كلام العرب الإنْكارُ بعد معرفة ، وهو ضد الإقرار .