Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 34-36)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ } الآية . قال ابن جُرَيْجٍ ، والضحاك : عَزَّىٰ اللَّه بهذه الآية نَبِيَّهُ ـــ عليه السلام ـــ ثم قَوَّى سبحانه رَجَاء نَبِيِّهِ فيما وَعَدَهُ من النصر ، بقوله : { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِ } ، أي : لاَ رَادَّ لأَمْرِهِ ، وكلماته السابقة بما يكون ، فكأن المعنى : فاصبر كما صَبَرُوا ، وانتظر ما يأتي ، وَثِقْ بهذا الإخبار ، فإنه لا مُبَدِّلَ له . وقوله تعالى : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ … } الآية فيها إلزام الحجة للنبي صلى الله عليه وسلم وتقسيم الأحوال عليه حتى يبين أنْ لاَ وَجْهَ إلا الصَّبر ، والمعنى : إن كنت تعظم تكذيبهم ، وكفرهم على نَفْسِكَ ، وتلتزم الحُزْنَ ، فإن كنت تقدر على دُخُولِ سَرَبٍ في أعماق الأرض ، أو على ارْتِقَاءِ سُلَّمٍ في السماء ، فافعل ، أي : ولست بِقَادِرٍ على شيء من هذا ، ولا بُدَّ لك من التزام الصَّبْرِ ، واحتمال المشقة ، { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } في أن تَأْسَفَ وتحزن على أَمْرٍ أراده اللَّه ، وأمضاه . وروى الدَّارَقُطْنِيُّ في « سننه » عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال : " إذا أَصَابَ أَحَدَكُمْ هَمٌّ أوْ حُزْنٌ فليقل سَبْعَ مَرَّاتٍ : اللَّه اللَّه رَبِّي لاَ أُشْرِكُ به شَيْئاً " انتهى من « الكوكب الدُّري » . و { فَتَأْتِيَهُم بِـئَايَةٍ } أي : بعلامة . وقال مَكّي ، والمَهْدوي : الخِطَابُ بقوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } للنبي صلى الله عليه وسلم والمُرَادُ أمته ، وهذا ضَعِيفٌ لا يقتضيه اللفظ . قلت وما قاله * ع * : فيه عندي نَظَرٌ ؛ لأن هذا شَأْنُ التأويل إخراج اللَّفْظِ عن ظاهره لموجب ، عَلَى أن أَبَا محمد مَكِّيًّا ـــ رحمه اللَّه ـــ نَقَلَ هذا القول عن غيره نَقْلاً ، ولفظه : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } أي : ممن لا يعلم أن اللَّه لو شَاءَ لَجَمَعَ على الهُدَى جميع خَلْقِهِ . وقيل : معنى الخطاب لأُمَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى : فلا تكونوا من الجاهلين ، ومثله في القرآن كثير . انتهى من « الهِدَايَةِ » . وقوله سبحانه : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } هذا من النَّمَطِ المُتَقَدِّمِ في التسلية ، أي : لا تحفل بمن أعرض ، فإنما يَسْتَجِيبُ لداعي الإيمان الذين يَفْهَمُونَ الآيات ، ويتلقون البَرَاهِينَ بالقَبُولِ ، فعبر عن ذلك كله بـــ { يَسْمَعُونَ } إذ هو طريق العلم ، وهذه لفظة تستعملها الصُّوفِيَّةُ ـــ رضي اللَّه عنهم ــــ إذا بلغت المَوْعِظَةُ من أحد مبلغاً شافياً ، قالوا : سمع . ثم قال تعالى : { وَٱلْمَوْتَىٰ } يُرِيدُ الكفار أي : هم بمَثَابَةِ الموتى ، فعبر عنهم بِضِدِّ ما عبر عن المؤمنين ، وبالصفة التي تُشْبِهُ حالهم في العَمَىٰ عن نور اللَّه ، والصَّمَمِ عن وَعْيِ كلماته . قاله مجاهد ، والحسن ، وقتادة . و { يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } يحتمل معنيين : قال الحسن : معناه يبعثهم بأن يُؤْمنوا حين يوفقهم ، وقراءة الحسن « ثم إليه تُرْجَعُون » بالتاء من فوق ، فَتَنَاسَبَت الآية . وقال مجاهد ، وقتادة : { وَٱلْمَوْتَىٰ } يريد الكفار { يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } ، أي : يَحْشرهم يوم القيامة ، { ثُمَّ إِلَيْهِ } ، أي : إلى سَطْوته ، وعقابه يرجعون .