Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 37-38)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ } « لَوْلاَ » تحضيض بمعنى « هلاَ » ، ومعنى الآية : هلا نزل على محمد بَيَانٌ واضح كَمَلَكٍ يَشْهَدُ له ، أو كَنْزٍ ، أو غير ذلك من تَشَطُّطهِم المَحْفُوظِ في هذا ، ثم أُمِرَ ـــ عليه السلام ـــ بالرَّدِّ عليهم بأن اللَّه ـــ عز وجل ـــ قَادِرٌ على ذلك ، ولكن أكثرهم لا يَعْلَمُونَ أنها لو نَزَلَتْ ، ولم يؤمنوا لَعُوجِلُوا بالعَذَابِ ، ويحتمل { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أنه ـــ سبحانه ـــ إنما جعل الإِنْذَارَ في آيات معرضة للنظر ، والتأمُّلِ ليهتدي قَوْمٌ ويضلُّ آخرون . وقوله سبحانه : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } المعنى : في هذه الآية التَّنْبِيهُ على آيات اللَّه المَوْجُودَةِ في أنواع مَخْلُوقَاتِهِ المَنْصُوبَةِ لمن فَكَّرَ واعتبر ؛ كالدواب والطير ، ويدخل في هَذَيْنِ جَمِيعُ الحَيَوَانِ ، وهي أمم أي : جَمَاعَاتٌ مماثلة للناس في الخَلْقِ ، والرزق ، والحَيَاةِ ، والمَوْتِ ، والحَشْرِ . ويحتمل أن يريد بالمُمَاثَلَةِ في كونها أمماً لا غير ، إلا أن الفَائِدَةَ في هذه الآية بأن تكون المُمَاثَلَةُ في أَوْصَافٍ غير كونها أمماً . قال الطبري ، وغيره : والمُمَاثَلَةُ في أنها يُهْتَبَلُ بأعمالها ، وتحاسب ، ويقتصّ لبعضها من بَعْضٍ ، على ما روي في الأحَادِيثِ ؛ أي : فإذا كان هذا يُفْعَلْ بالبهائم ، فأنتم أَحْرَى إذ أنتم مُكَلَّفُونَ عُقَلاَء . وروى أبو ذَرٍّ : أنه انْتَطَحَتْ عنزان بِحَضْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أَتَعْلَمُونَ فِيمَا انْتَطَحَتَا ؟ قِلْنَا : لا ، قال : فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا " . وقال مَكّي : المُمَاثَلَةُ في أنها تَعْرِفُ اللَّه ، وتعبده . وقوله : { بِجَنَاحَيْهِ } تأكيد ، وبيان ، وإزالة للاستعارة المُتَعَاهَدَةِ في هذه اللفظة ؛ إذ يقال : طائر السَّعْدِ ، والنَّحْسِ . وقال تعالى : { أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } [ الإسراء : 13 ] ، ويقال : طار لفلان طائر كذا ، أي : سهمه في المقتسمات ، فقوله تعالى : { بِجَنَاحَيْهِ } إخراج للطائر عن هذا كله . وقوله سبحانه : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَـٰبِ مِن شَيْءٍ } التفريط : التقصير في الشَّيْءِ مع القُدْرَةِ على تَرْكِ التقصير . قال أبو حيان : أصل فَرَّطْنَا يَتَعَدَّى بـــ « في » ثم يضمن معنى أغفلنا ، فيتعدى إلى مَفْعُولٍ به ، وهو هنا كذلك ، فيكون { مِن شَيْءٍ } في مَوْضِعِ المفعول به . انتهى . و { ٱلْكِتَـٰبِ } : القرآن وهو الذي يقتضيه نَظَامُ المعنى في هَذِهِ الآيَاتِ . وقيل : اللوح المحفوظ ، { وَمِنْ شَىْء } على هذا القول عَامٌّ في جَمِيعِ الأشياء ، وعلى القول بأنه القُرْآن خَاصٌّ . و { يُحْشَرُونَ } ؛ قالت فرقة من العلماء : حَشْرُ البهائم بَعْثُهَا ، واحتجوا بالأَحَادِيثِ المضمنة أن اللَّه ـــ تعالى ـــ يَقْتَصُّ لِلْجَمَّاءِ من القَرْنَاءِ ، ومن قال : إنما هي كِنَايَةٌ عن العَدْلِ ، وليست بحقيقة ، فهو قول مَرْدُودٌ ينحو إلى القَوْلِ بالرُّمُوزِ ونحوها .