Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 42-45)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ } في الكلام حَذْفٌ ، تقديره : فكذبوا فأخذناهم ؟ أي : تابعناهم بالبَأْسَاءِ الآية ، والبأساء المَصَائِبُ في الأموال ، والضراء في الأَبْدَانِ . هذا قول الأكثر . وقيل : قد يُوضَعُ كل واحد بَدَلَ الآخر ، والتضرُّعُ التذلل ، والاستكانة ، ومعنى الآية توعد الكفار ، وضرب المَثَلِ لهم ، و { لَوْلاَ } تحضيض ، وهي التي تلي الفِعْلَ بمعنى : « هلا » وهذا على جِهَةِ المعاتبة لِمُذْنِبٍ غائب ، وإظهار سوء فعله مع تَحَسُّرِ ما عليه . قلت : أي : مع تَحَسُّرٍ ما ، باعتبار حالة البَشَرِ . وقوله سبحانه : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ … } الآية عبر عن الترك بالنِّسْيَانِ ، و { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ } أي : من النِّعَمِ الدنيوية بعد الذي أَصَابَهُمْ من البَأْسَاءِ والضراء ، و { فَرِحُواْ } معناه : بطروا ، وأعجِبوا ، وظنوا أن ذَلِكَ لا يَبيدُ ، وأنه دَالٌّ على رضا اللَّه عنهم ، وهو اسْتِدْرَاجٌ من اللَّه تعالى . وقد رُوِيَ عن بعض العلماء : رحم اللَّه عبداً تَدَبَّر هذه الآية { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } . وروى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيت اللَّه ـــ تعالى ـــ يعطي العِبَادَ ما يشاءون على مَعَاصيهم ، فذلك اسْتِدْرَاجٌ ثم تلا : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ … } " الآية كلها ، و { أَخَذْنَـٰهُمْ } في هذا المَوْضِعِ معناه : استأصلناهم بَغْتَةً أي : فجأة ، والمبلس الحَزِينُ الباهت اليَائِسُ من الخَيْرِ الذي لا يَحِيرُ جَوَاباً لشدة ما نَزَلَ به من سوء الحال . وقوله تعالى : { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ … } الآية . الدَّابر : آخر القوم الذي يَأتي من خَلْفِهِم ، وهذه كناية عن استئصال شأفتهم ، ومَحْوِ آثارهم ، كأنهم وَرَدُوا العَذَابَ حتى ورد آخرهم الذي دَبَرَهُمْ ، وحَسُنَ الحمد عَقِبَ هذه الآية لِجَمَالِ الأفعال المتقدمة في أن أرسل ـــ سبحانه ـــ الرسل ، ولطف في الأَخْذِ بالبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ ؛ ليتضرع إليه ، فيرحم ، وينعم ، وقطع في آخر الأمر دابر الظَّلَمَة ، وذلك حَسَنٌ في نفسه ، ونعمة على المؤمنين ، فحسن الحَمْدُ عقب هذه الأفعال ، وبحمده سبحانه ينبغي أن يُخْتَمَ كل فعل ، وكل مَقَالٍ ، إذ هو المحمود على كُلِّ حال لا رَبَّ غيره ، ولا خير إلاَّ خَيْرُهُ .