Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 50-53)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالَىٰ : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ ٱللَّهِ وَلا أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ … } الآية : هذا مِنَ الرَّدِّ على القائلين : { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ } [ الأنعام : 37 ] والطَّالِبِينَ أنْ ينزَّل ملَكٌ ، أو تكونَ له جَنَّةٌ أو كَنْزٌ ، ونَحْوُ هَذَا ، والمعنَىٰ : إنما أنا بشر ، وإنما أَتَّبِعُ ما يُوحَىٰ إليَّ ، وهو القرآنُ وسَائِرُ ما يأتيه مِنَ اللَّه سبحانه ، أي : وفي ذلك عِبَرٌ وآياتٌ لمن تأمَّل . وقوله سبحانه : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } ، أي : هل يستوي المؤمِنُ المُفَكِّرُ في الآياتِ ، معِ الكافِرِ المُعْرِضِ عَنِ النَّظَر ؛ أفلا تتفكَّرون ، وجاء الأمر بالفِكْرة في عبارة العَرْض والتَّحْضيض . وقوله تعالى : { وَأَنذِرْ بِهِ } ، أي : وأنذر بالقرآن الذين هُمْ مَظِنَّةُ الإيمان ، وأهْلٌ للاِنتفاعِ ، والضميرُ في { بِهِ } عائدٌ على ما يُوحَىٰ . وقوله سبحانه : { لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } : إخبارٌ من اللَّه سبحانه عَنْ صفة الحالِ يَوْمَ الحَشْرِ ، قال الفَخْر : قوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } : قال ابن عَبَّاس : معناه : وأنذرهم لكَيْ يخافوا في الدنيا ، وينتهوا عن الكُفْر والمعاصِي . انتهى . وقوله سبحانه : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } : المرادُ بـ { ٱلَّذِينَ } ضَعَفَةَ المُؤْمنين في ذلك الوَقْت في أمور الدُّنْيا ؛ كَبَلاَلٍ ، وصُهَيْبٍ ، وعَمَّارٍ ، وَخَبَّابٍ ، وصُبَيْحٍ ، وذي الشِّمَالَيْنِ والمِقْدَادِ ، ونحوِهِمْ ، وسببُ الآية أنَّ بعض أشراف الكُفَّار قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : نَحْنُ لِشَرَفِنَا وأقْدَارِنَا لاَ يُمْكِنُنَا أنْ نختلطَ بهؤلاءِ ، فلو طَرَدْتَّهم ، لأتَّبَعْنَاكَ ، وَرَدَ في ذلك حديثٌ عن ابْنِ مسعود ، وظاهر الأمر أنهم أرادوا بذلك الخَدِيعَةَ ، فنزلَتِ الآية ، و { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } : قال الحَسَنُ بنُ أبي الحَسَن : المراد به صلاةُ مكَّة الَّتي كانَتْ مرَّتين في اليومِ بُكْرةً وعَشِيًّا ، وقيل : قوله : { بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } : عبارةٌ عن ٱستمرار الفعْلِ ، وأنَّ الزمان معمورٌ به ، والمرادُ علَىٰ هذا التأويل ، قيل : الصلواتُ الخَمْس ؛ قاله ابنُ عَبَّاس وغيره ، وقيل : الدُّعاء ، وذِكْرُ اللَّه ، واللفظةُ علَىٰ وجهها ، وقيل : القُرآنُ وتعلُّمه ؛ قاله أبو جعفر ، وقيل : العبادةُ ؛ قاله الضَّحَّاك . وقوله تعالى : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } قلتُ : قال الغَزَّالِيُّ في « الجَوَاهر » : النيةُ والعَمَلُ ؛ بهما تمامُ العبادةِ ، فالنِّيَّة أحد جُزْأيِ العبَادةِ ، لكنها خير الجزأَيْن ، ومعنى النيَّة إرادةُ وَجْه اللَّه سبحانه بالعَمَلِ ، قال اللَّه تعالى : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ، ومعنى إخلاصها تصفيةُ الباعِثِ عن الشوائِبِ ، ثم قال الغَزَّالِيُّ : وإذا عرفْتَ فَضْل النية ، وأنَّها تحلُّ حَدَقَةَ المقْصود ، فٱجتهدْ أنْ تستكثر مِنَ النِّيَّة في جميع أعمالِكَ ؛ حتى تنوي بعملٍ واحدٍ نيَّاتٍ كثيرةً ، فٱجتهد ولو صَدَقَتْ رغبتُكَ ، لَهُدِيتَ لطريقِ رشدك . انتهى . وقوله سبحانه : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ } ، قال الحَسَنُ والجمهورُ : أيْ : مِنْ حسابِ عملهم ، والمعنَىٰ : أنك لم تُكَلَّفْ شيئاً غيْرَ دعائهم ، وقوله : { فَتَطْرُدَهُمْ } : هو جوابُ النفْيِ في قوله : { مَا عَلَيْكَ } ، وقوله : { فَتَكُونُ } : جوابُ النهْيِ في قوله : { وَلاَ تَطْرُدِ } . و { فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } ، أي : ٱبتلينا ، و { لِّيَقُولواْ } : معناه : ليصيرَ بحُكْم القَدَرِ أمرُهُمْ إلى أن يقولُوا ؛ علَىٰ جهة الاِستخْفَافِ والهُزْء : { أَهَـؤُلاء مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا } ، فاللامُ في { لِّيَقُولواْ } : لامُ الصَّيْرورة . وقوله سبحانه : { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } ، أيْ : يأيُّها المستخفُّون ، ليس الأمر أمر ٱستخفاف ، فاللَّه أعلَمُ بمَنْ يشكر نعمه .