Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 54-57)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَإِذَا جَاءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ … } الآية : قال جمهور المفسِّرين : هؤلاءِ هم الذينَ نَهَى اللَّهُ عَنْ طردهم ، وشَفَعَ ذلك بِأنْ أَمَرَ سبحانه أنْ يسلِّم النبيُّ ـــ عليه السلام ـــ عليهم ، ويُؤْنِسَهُمْ ، قال خَبَّابُ بْنُ الأَرَتَّ : لما نزلَتْ : { وَإِذَا جَاءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا … } الآية ، فكُنَّا نأتي النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فيقولُ لنا : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، ونقعُدُ معه ، فإذا أراد أنْ يقوم ، قَامَ ، وتركَنا ، فأنزل اللَّه تعالَىٰ : { وٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم … } [ الكهف : 28 ] ، فكان يَقْعُدُ معنا ، فإذا بَلَغَ الوقْتَ الذي يقومُ فيه ، قُمْنا وتركْنَاه ، حتَّىٰ يقوم ، و { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم } : ابتداءٌ ، والتقديرُ : سَلاَمٌ ثابتٌ أو واجبٌ عليكم ، والمعنَى : أمَنَةً لكُمْ مِنْ عذاب اللَّه في الدنيا والآخرة ، ولفظه لفظُ الخَبَر ، وهو في معنى الدُّعَاء ، قال الفَخْر قوله تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } : النَّفْسُ ههنا : بمعنى الذَّات ، والحقيقةِ ، لا بمعنى الجِسْمِ ، واللَّهُ تعالَىٰ مقدَّس عنه . انتهى . قلتُ : قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في كتاب « تفسير الأَفْعَال الواقعة في القُرآن » : قوله تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } ، قال علماؤنا : كَتَبَ : معناه أَوْجَبَ ، وعندي أنه كَتَبَ حقيقةً ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللَّهَ خَلَقَ القَلَمَ ، فَقَالَ لَهُ : ٱكْتُبْ ، فَكَتَبَ مَا يَكُونُ إلَىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ " انتهى . وقرأ عاصمٌ ، وابنُ عَامِرٍ أنَّهُ ـــ بفَتْحِ الهَمْزةِ في الأولَىٰ ـــ والثانيةِ « فأنَّهُ » : الأولَىٰ بدلٌ من { ٱلرَّحْمَةِ } ، و « أنَّهُ » الثانيةُ : خبرُ ابتداءٍ مضمرة ، تقديرُهُ : فأمره أنَّه غفورٌ رحيمٌ ، هذا مذْهَبُ سيبَوَيْه ، وقرأ ابنُ كَثِيرٍ ، وأبو عَمْرٍو ، وحمزة ، والكسائي « إنَّهُ » ـــ بكسر الهمزة في الأولَىٰ والثانية ـــ ، وقرأ نافعٌ بفَتْح الأولَىٰ وكَسْر الثانية ، والجهالةُ في هذا الموضِعِ : تعمُّ التي تُضَادُّ العِلْمَ ، والتي تُشَبَّه بها ؛ وذلك أنَّ المتعمِّد لفعْلِ الشيء الذي قَدْ نُهِيَ عنه تُسَمَّىٰ معصيته تِلْكَ جِهَالَةً ، قال مجاهدٌ : مِنَ الجهالةِ ألاَّ يعلم حَلاَلاً مِنْ حرامٍ ، ومن جهالته أنْ يركِّب الأمر . قُلْتُ : أيْ : يتعمَّده ، ومن الجهالة الَّتي لا تُضَادُّ العلم قولُهُ صلى الله عليه وسلم في ٱستعاذَتِهِ : " أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ " ؛ ومنها قولُ الشَّاعر : [ الوافر ] @ أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ علَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا @@ قال الفخْر : قال الحَسَنُ : كُلُّ مَنْ عَمِلَ معصيةً ، فهو جاهلٌ ، فقيل : المعنَىٰ أنه جاهلٌ بمقدارِ ما فاتَهُ منَ الثَّواب ، وما ٱستحقَّه من العقابِ ، قلْتُ : وأيضاً فهو جاهلٌ بقَدْر مَنْ عصاه . انتهى . والإشارةُ بقوله تعالَىٰ : { وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلأَيَـٰتِ } ، إلى ما تقدَّم من النهْيِ عن طَرْدِ المؤمنين ، وبَيَانِ فَسَادِ مَنْزَعِ العارضين لذلك ، وتفصيلُ الآياتِ : تبيينُها وشَرْحُها وإظهارُها ، قلْتُ : ومما يناسِبُ هذا المَحَلَّ ذِكْرُ شيء ممَّا ورد في فَضْلِ المُصَافَحَة ، وقد أسند أبُو عُمَر في « التمهيد » ، عن عبد الرحْمَنِ بْنِ الأسود ، عن أَبِيهِ وعلقمة ؛ أنهما قَالاَ : « مَنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ المُصَافَحَةُ » ، وروى مالكٌ في « الموطإ » ، عن عطاءٍ الخُرَاسَانِيِّ ، قالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " تَصَافَحُوا ؛ يَذْهَبُ الغِلُّ ، وَتَهَادَوْا ؛ تَحَابُّوا ، وَتَذْهَب الشَّحْنَاءُ " ، قال أبو عُمَر في « التمهيد » : هذا الحديثُ يتَّصلُ مِنْ وجوه شتَّىٰ حِسَانٍ كلُّها ، ثم أسند أبو عُمَر من طريقِ أبي دَاوُد وغَيْره ، عن البَرَاءِ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ، فَيَتَصَافَحَانِ إلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّفَا " ، ثم أسند أبو عُمَرَ عن البَرَاء بنِ عَازِبٍ ، قال : " لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَخَذَ بِيَدِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنْ كُنْتُ لأحْسِبُ أَنَّ المُصَافَحَةَ لِلْعَجَمِ فَقَالَ : نَحْنُ أَحَقُّ بِالمُصَافَحَةِ مِنْهُمْ ؛ مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ، فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مَوَدَّةً بَيْنَهُمَا ، ونَصِيحَةً ، إلاَّ أُلْقِيَتْ ذُنُوبُهُمَا بَيْنَهُمَا " ، وأسند أبو عُمَرَ عن عمر بْنِ الخَطَّابِ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إذَا ٱلْتَقَى المُسْلِمَانِ ، فَتَصَافَحَا ، أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيهِمَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ؛ تِسْعُونَ مِنْهَا لِلَّذِي بَدَأَ بِالمُصَافَحَةِ ، وَعَشَرَةٌ لِلَّذِي صُوفِحَ ، وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمَا بِشْراً بِصَاحِبِهِ " انتهى . وقد ذكرنا طَرَفاً مِنْ آدَابِ المُصَافحة فِي غَيْرِ هذا الموضعِ ، فَقِفْ عليه ، وٱعْمَلْ به ، تَرْشَدْ ، فإنَّ العلْم إنما يرادُ للعَمَل ، وباللَّه التوفيق . وخُصَّ سبيلُ المُجْرمينَ بالذِّكْر ؛ لأنهم الذين آثَرُوا ما تقدَّم من الأقوال ، وهو أهَمُّ في هذا الموضِعِ ؛ لأنها آياتُ رَدٍّ علَيْهم . وأيضاً : فتَبْيِينُ سَبِيلِهِمْ يتضمَّن بيانَ سَبِيلِ المُؤْمنين ، وتَأوَّلَ ابنُ زَيْد ؛ أنَّ قوله : { ٱلْمُجْرِمِينَ } مَعْنِيٌّ به الآمِرُونَ بطَرْد الضَّعَفَةِ . وقوله سبحانه : { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ … } الآية : أَمَرَ اللَّهُ سبحانه نَبيَّه ـــ عليه السلام ـــ ؛ أنْ يجاهرهم بالتبرِّي ممَّا هم فيه ، و { تَدْعُونَ } : معناه تعبدون ، ويْحْتَمَلُ أنْ يريدَ : تَدْعُونَ في أموركُمْ ، وذلك مِنْ معنى العبَادةِ ، وٱعتقادِهِمُ الأصنامَ آلهة . وقوله تعالى : { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } : المعنَىٰ : قل إني علَىٰ أمْر بيِّن ، { وَكَذَّبْتُم بِهِ } ، الضمير في « بِهِ » عائدٌ على « بَيِّن » ، أو علَى الرَّبِّ ، وقيل : على القُرآن ، وهو جليٌّ ، وقال بعضُ المفسِّرين : الضميرُ في « به » الثانِي عائدٌ علَىٰ « مَا » ، والمُرَادُ بها الآياتُ المقْتَرَحَةُ ؛ علَىٰ ما قال بعض المفسِّرين ، وقيل : المرادُ به العذابُ ، وهو يترجَّح من وجْهَيْن : أحدهما : مِنْ جهة المَعْنَىٰ ؛ وذلك أنَّ قوله : { وَكَذَّبْتُم بِهِ } يتضمَّن أنَّكم واقعتم مَا تَسْتَوْجِبُون به العَذَابَ إلاَّ أنه ليس عنْدِي . والآخَرُ : مِنْ جهة لَفْظِ الاستعجالِ الذي لَمْ يأت في القُرآن إلاَّ للعذابِ . وأما ٱقتراحُهُمْ للآيَاتِ ، فَلمْ يكُنْ بٱستعجالٍ . وقوله : { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } ، أي : القضاءُ والإنفاذُ ، و { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ } ، أيْ : يخبر به ، والمعنَىٰ : يقُصُّ القَصَص الحَقَّ ، وقرأ حمزةُ والكِسَائيُّ وغيرهما : « يَقْضِي الحَقَّ » ، أي : يُنْفِذُهُ .