Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 87-90)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ } : المعنى : وهدَيْنا من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم جماعاتٍ ، فـ « مِنْ » للتبعيض ، والمراد : مَنْ آمن منهم ، نبيًّا كان أو غير نبيٍّ ، و { ٱجتبيناهم } ، أي : تخيَّرناهم وهَدَيْنَاهم ، أيْ : أرشدْناهم إلى الإيمان ، والفوز برضا اللَّه عزَّ وجلَّ ، والذرية : الأبناءُ ، ويطلَقُ علَىٰ جميعِ البَشَر ذرِّيَّة ؛ لأنهم أبناء . وقوله تعالى : { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ … } الآية : { ذٰلِكَ } : إشارة إلى النعمة في قوله : { وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ } و { أُوْلَـٰئِكَ } : إشارة إلى مَنْ تقدَّم ذكره ، والكتابُ يراد به الصُّحُفُ والتوراةُ والإنجيل والزَّبُور . وقوله سبحانه : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلآءِ } : إشارة إلى كُفَّار قريشٍ ، وإلى كلِّ كافر في ذلك العَصْر ؛ قاله ابن عباس وغيره ، وقوله : { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } : هم مؤمنو أهْل المدينة ؛ قاله ابن عباس وغيره ، والآية على هذا التأويلِ ، وإن كان القصْدُ بنزولها هذَيْن الصِّنْفَيْن ، فهي تعم الكَفَرة والمؤمنين إلى يوم القيامة ، وقال الحسن وغيره : المراد بـــ « القَوْم » : مَنْ تَقَدَّم ذكْره من الأنبياء والمؤمنين ، وقال أبو رجاء : المرادُ : الملائكةُ . قلتُ : ويحتمل أنْ يكون المراد الجميعَ . وقوله سبحانه : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } ، والظاهر في الإشارة بـ { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المذكورين قبلُ من الأنبياء ومَنْ معهم من المؤمنين المهدِّيين ، ومعنى الاقتداء : ٱتباع الأثر في القول والفعل والسِّيرة ، وإنما يصحُّ ٱقتداؤه صلى الله عليه وسلم بجميعهم في العقودِ ، والإيمان ، والتوحيدِ الذي ليْسَ بينهم فيه ٱختلافٌ ، وأما أعمالُ الشرائع فمختلفةٌ ، وقد قال عزَّ وجلَّ : { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } [ المائدة : 48 ] ، وٱعْلَمْ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو وغيره مخاطَبٌ بشَرْع مَنْ قبله في العقود والإيمانِ والتوحيدِ ؛ لأنا نجد شرعنا ينبىء أنَّ الكفار الذين كانوا قبل النبيِّ صلى الله عليه وسلم كَأَبَوَيْهِ وغيرهما في النَّار ، ولا يُدْخِلُ اللَّهُ تعالَىٰ أحداً النار إلا بتَرْك ما كُلِّفَ ، وذلك في قوله سبحانه : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] ، وغير ذلك ، وقاعدةُ المتكلِّمين : أن العقل لا يوجِبُ ولا يكلِّف ، وإنما يوجب الشرْعُ ، فالوجه في هذا أنْ يقال : إنَّ آدم ـــ عليه السلام ـــ فَمَنْ بعده ، دعا إلى توحيد اللَّه ( عزَّ وجلَّ ) دعاءً عامًّا ، وٱستمرَّ ذلك على العالَمِ ، فواجبٌ على الآدميِّ أنْ يبحث عن الشرْعِ الآمِرِ بتوحيدِ اللَّهِ تعالَىٰ ، وينظر في الأَدلَّة المنصوبة علَىٰ ذلك ؛ بحسب إيجاب الشرعِ النَّظَرَ فيها ، ويؤمنَ ، ولا يَعْبُدَ غير اللَّه ، فمَنْ فَرَضْناه لم يجدْ سبيلاً إلى العلْمِ بشرعٍ آمِرٍ بتوحيد اللَّهِ ، وهو مع ذلك لم يَكْفُرْ ، ولا عَبَدَ صنماً ، بل تخلَّىٰ ، فأولئك أَهْلُ الفَتراتِ الذين أَطْلَقَ عليهم أهل العلْمِ أنهم في الجَنَّة ، وهم بمنزلةِ الأطفالِ والمجانينِ ، ومَنْ قَصَّرَ في النظر والبَحْث ، فعبد صنماً أو غيره ، وكَفَرَ ، فهو تاركٌ للواجب عليه ، مستوجِبٌ للعقاب بالنَّار ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مبعثِهِ ومَنْ كان معه مِنَ النَّاس وقَبْلَه ـــ مخاطَبُونَ على أَلْسِنَةِ الأنبياء قَبْلُ بالتوحيد ، وغيرُ مخاطبين بفُرُوعِ شرائعهم ؛ إذ هي مختلفةٌ ، وإذ لم يدعهم إليها نبيٌّ ؛ قال الفَخْر : واحتجَّ العلماءُ بهذه الآية علَىٰ أن محمداً صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ من جميع الأنبياءِ ـــ عليهم السلام ـــ ؛ وتقريره : أنا بيَّنَّا أنَّ خصال الكمالِ وصفاتِ الشَّرَفِ كانَتْ مفرَّقة فيهم ، ثم إنه تعالَىٰ ، لمَّا ذكر الكل ، أمر محمداً صلى الله عليه وسلم أنْ يجمع من خصال الطاعة والعبوديَّة والأخلاقِ الحميدة كُلَّ الصفاتِ التي كانَتْ مفرَّقة فيهم بأجمعهم ، ولمَّا أمره اللَّه تعالى بذلك ، ٱمْتَنَعَ أنْ يقال : إنه قصَّر في تحصيلها ؛ فثبت أنه حَصَّلها ، ومتَىٰ كان الأمر كذلك ، ثبت أنه ٱجتمَعَ فيه مِنْ خصال الخَيْر ما كان فيهم مفرَّقاً بأسرهم ، ومتى كان الأمر كذلك ، وجب أنْ يقال : إنه أفضلهم بكلِّيَّتهم ؛ واللَّه أعلم . انتهى . وقرأ حمزة والكسائيُّ : « فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِ » ـــ بحذف الهاءِ في الوَصْل ، وإثباتها في الوَقْف ـــ ، وهذا هو القياسُ شبيهة بألفِ الوَصْل في أنها تُقْطَعُ في الابتداء ، وتَسْقُط في الوَصْل . وقوله سبحانه : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } ، أي : قل لهؤلاء الكفرة المعاندين : لا أسألكم على دعائي إياكم بالقُرآن إلى عبادة اللَّه تعالَىٰ ـــ أُجْرَةً ؛ إن هو إلا موعظةٌ وذكْرَىٰ ودعاءٌ لجميع العالمين .