Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 91-92)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ … } الآية : قال ابنُ عبَّاس : هذه الآيةُ نزلَتْ في بني إسرائيل ، قال النَّقَّاش : وهي آية مدنية ، وقيل : المراد رجُلٌ مخصوص منهم ، يقال له مالكُ بْنُ الضيْفِ ؛ قاله ابن جُبَيْر ، وقيل : فنْحَاص ؛ قاله السُّدِّيُّ ، و { قَدَرُواْ } : هو من توفيَةِ القَدْرِ والمنزلةِ ، وتعليلُه بقولهم : { مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } : يقضي بأنهم جَهِلُوا ، ولم يعرفوا اللَّه حقَّ معرفتِهِ ؛ إذ أحالوا عليه بعثةَ الرُّسُل ، قال الفَخْر : قال ابن عباس : { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ، أيْ : ما عظَّموا اللَّه حقَّ تعظيمه ، وقال الأخفشُ : ما عَرَفُوه حقَّ معرفته ، وقال أبو العالية : ما وصفوه حقَّ قُدْرته وعَظَمته ، وهذه المعانِي كلُّها صحيحةٌ . انتهى ، وروي أنَّ مالك بن الصَّيْفِ كان سَمِيناً ، فجاء يخاصم النبيَّ صلى الله عليه وسلم بزعمه ، فقال له رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " أَنْشُدُكَ اللَّه ، أَلَسْتَ تَقْرَأُ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ مُوسَىٰ : إنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الْحِبْرَ السَّمِينَ " ، فَغَضِبَ ، وقال : « واللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ » ، قال الفَخْر : وهذه الآية تدلُّ علَىٰ أن النكرة في سياقِ النفْي تعمُّ ، ولو لم تفد العمومَ ، لما كان قوله تعالى : { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِي جَاء بِهِ مُوسَىٰ نُوراً } ـــ إبطالاً لقولهم ونقْضاً عليهم . انتهى . وقوله تعالى : { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني : التوراةَ ، و { قَرٰطِيسَ } : جمع قِرْطَاس ، أي : بطائق وأوراقاً ، وتوبيخهم بالإبداء والإِخفاء هو علَىٰ إخفائهم أمر محمَّد صلى الله عليه وسلم وجَميعَ ما عليهم فيه حُجَّة . وقوله سبحانه : { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَاؤُكُمْ } ، يحتمل وجهين : أحدهما : أنْ يقصد به الامتنانَ عليهم ، وعلَىٰ آبائهم . والوجه الثاني : أنْ يكون المقصود ذمَّهم ، أي : وعلِّمتم أنتم وآباؤكم ما لم تعلموه ، فما ٱنتفعتُمْ به ؛ لإعراضكم وضلالكم . ثم أمره سبحانه بالمبادرة إلَىٰ موضع الحُجَّة ، أي : قل اللَّه هو الذي أنْزَلَ الكتابَ علَىٰ موسَىٰ ، ثم أمره سبحانَهُ بتَرْك مَنْ كَفَر ، وأعرض ، وهذه آية منسوخةٌ بآية القتالِ ؛ إن تُؤُوِّلَتْ موادعةً ، ويحتمل ألاَّ يدخلها نسْخٌ إذا جُعِلَتْ تتضمَّن تهديداً ووعيداً مجرَّداً من موادعة . وقوله سبحانه : { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } : « هذا » : إشارة إلى القرآن ، وقوله : { مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } ، يعني : التوراةَ والإنجيل ؛ لأن ما تقدَّم ، فهو بيْنَ يدَيْ ما تأَخَّر ، و { أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } : مكَّة ، ثم ابتدأ تباركَ وتعالَىٰ بمَدْحِ قومٍ وصفهم ، وأخبر عنهم ؛ أنهم يؤمنون بالآخرةِ والبَعْثِ والنشورِ ، ويؤمنون بالقُرآن ، ويصدِّقون بحقيقتِهِ ، ثم قَوَّىٰ عزَّ وجلَّ مدحهم بأنهم يحافظون على صَلاَتهم التي هي قاعدةُ العباداتِ ، وأمُّ الطاعاتِ ، وإذا ٱنضافَتِ الصلاةُ إلَىٰ ضميرٍ ، لم تكتب إلا بالألِفِ ، ولا تكتبُ في المُصْحَف بواوٍ إلا إذا لم تُضَفْ إلى ضمير . وقد جاءت آثار صحيحةٌ في ثواب مَنْ حافظ على صلاته ، وفي فَضْل المشْيِ إليها ؛ ففي « سنن أبي داود » ، عن بُرَيْدة ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بِشِّرِ المَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إلَى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ " ، وروى أبو داود أيضاً بسنده ، عن سعيدِ بْنِ المُسَيَّبِ ، قال : حضر رجلاً من الأنصار المَوْتُ ، فقال : إني محدِّثكم حديثاً ما أحدثكموه إلا ٱحتساباً ، سمعتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاَةِ ، لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ اليُمْنَىٰ إلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً ، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ اليُسْرَىٰ إلاَّ حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ سَيِّئَةً ، فَلْيَقْرُبْ أَوْ لِيُبْعِدْ ، فَإنْ أَتَى المَسْجِدِ ، فَصَلَّىٰ فِي جَمَاعَةٍ ، غُفِرَ لَهُ ، فَإنْ أَتَى المَسْجِدَ ، وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضاً ، وَبَقِيَ بَعْضٌ ، صَلَّىٰ مَا أَدْرَكَ وَأَتَمَّ مَا بَقِيَ ـــ كَانَ كَذَلِكَ فَإنْ أَتَى المَسْجِدَ ، وَقَدْ صَلَّوْا ، فَأَتَمَّ الصَّلاَةَ ، كَانَ كَذَلِكَ " ، وأخرج أبو داود ، عن أبي هريرة ، قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ، أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاَّهَا أَوْ حَضَرَهَا ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ " انتهى .