Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 4-6)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } هذا توبيخٌ لهم ؛ إذ كَانَ مَنْظَرُهم يَرُوقُ جَمَالاً وقولُهُم يَخْلِبُ بَيَاناً ؛ لكنَّهم كالخشبِ المُسَنَّدَة ؛ إذْ لاَ أفْهَامَ لهم نافعةً ، وكانَ عبدُ اللَّه بْنُ أُبَي ٱبْنِ سَلُولَ مِنْ أبْهَى المنافقينَ ، وأطولِهِم ، ويدلّ على ذلك أنه لَمْ يوجَدْ قميصٌ يكْسُو العباسَ غيرُ قَميصِه ، قال الثعلبيُّ : { تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ } لاسْتِوَاءِ خَلْقِهَا وطُول قَامَتِهَا وحُسْنِ صُورَتِها ، قَال ابن عباس : وَكَانَ عَبْدُ اللَّه بن أُبَيٍّ جَسِيماً صَبِيحاً فَصِيحاً ذَلِقَ اللِّسَانِ ، فَإذَا قَالَ سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قوله ووصفهم اللَّه تعالى بتمام الصورةِ وحُسْنِ الإبَانَةِ ، ثم شبَّهَهُم بالخُشُبِ المسنَّدَةِ إلى الحائِط ، لا يَسْمَعُونَ وَلاَ يَعْقِلُونَ أشْبَاحٌ بِلاَ أَرْوَاحٍ ، وأجْسَامٌ بِلاَ أحْلاَم ، انتهى . وقوله تعالى : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } هَذَا أيضاً فَضْحٌ لِمَا كَانُوا يُسِرُّونَه مِنَ الخَوْفِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّعَونَ أنْ يأمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللَّهِ بِقَتْلِهِمْ ، قال مقاتل : فكانوا متَى سَمِعُوا نُشْدَانَ ضالةٍ ، أو صِيَاحاً بأيِّ وَجْهِ ، أو أُخْبِرُوا بِنُزُولِ وَحْيٍ طَارَتْ عقُولُهم حتَى يسْكُنَ ذِلَك ويكونَ في غَيْرِ شأنهم ، ثم أخبرَ تعالى بأنهم همُ العدوُّ وحَذَّرَ منهم . وقوله تعالى : { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } دُعَاء يَتَضَمَّنُ الإقْصَاءَ والمُنَابَذَةَ لهم ، و { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } معناهُ كَيْفَ يُصْرَفُونَ . وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ … } الآية ، " سَبَبُ نُزُولِها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَزَا بني المُصْطَلِق ، فَازْدَحَمَ أَجيرٌ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ يُقَالُ لَهُ « جَهْجَاهٌ » مَعَ سِنَانِ بْنِ وَبَرَةَ الجُهَنِيِّ ، حَلِيفٌ لِلأَنْصَارِ ، عَلَى الْمَاءِ فَكَسَعَ جَهْجَاهٌ سِنَاناً فَتَشاوَرَا ، ودَعَا جَهْجَاهُ : يَا للْمُهَاجِرِينَ ، وَدَعَا سِنَانٌ : يَا لِلأَنْصَارِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَال : مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ ؟ فَلَمَا أُخْبِرَ بالقصةِ ، قال : دَعُوهَا ؛ فَإنَّهَا مُنْتِنَةٌ ، فقال عبد اللَّه بن أُبَيٍّ : أَوَقَدْ فَعَلُوهَا ؟ واللَّهِ ، مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ جَلاَبِيبِ قُرَيْشٍ إلاَّ كَما قَال الأوَّلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ، وقال : لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ ، ثُمَّ قَال ؛ لِمَنْ معه مِنَ المنافقينَ : إنَّما يُقيمُ هؤلاءِ المهاجرونَ مَعَ محمدٍ بِسَبَبِ مَعُونَتِكمْ لَهم ، ولَوْ قَطَعْتُمْ ذَلِكَ عنهم ؛ لَفَرُّوا ، فَسَمِعَهَا منه زيدُ بن أرقم ، فأخْبَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك ، فَعَاتَبَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عبدَ اللَّه بن أُبَيٍّ عِنْدَ رجالٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فبلغَه ذلك ، فَجَاءَ وَحَلَفَ مَا قَالَ ذلك ، وحَلَفَ معَهُ قَوْمٌ مِنَ المُنَافِقِينَ ، وكَذَّبُوا زيداً ، فَصَدَّقَهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَقِيَ زَيْدٌ في منزلهِ لاَ ينصرفُ حَيَاءً مِنَ الناسِ فَنَزَلَتْ هذهِ السورةُ عِنْد ذَلِكَ ، فبعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى زَيْدٍ وقال لهُ : لَقَدْ صَدَقَكَ اللَّهُ يَا زَيْدُ " ، فَخَزِيَ عِنْدَ ذَلِكَ عبدُ اللَّه بن أُبَيٍّ ومَقَتَه الناسُ ولاَمه المؤْمِنونَ من قومِه ، وقال له بعضهم : امْضِ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واعْتَرِفْ بذنبكَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ ، فَلَوَىٰ رَأْسَهُ إنْكَاراً لهذا الرَّأْيِ ، وقال لهم : لقد أشَرْتُمْ علي بالإيمان فآمنتُ ، وأَشَرْتُمْ علي بأنْ أعطِيَ زَكَاةَ مالِي فَفَعَلتُ ، وَلَمْ يَبْقَ لكم إلا أن تأمروني بالسجود لِمحمَّدٍ ، فهذا قَصَصُ هذه السورة مُوجَزاً ، وقَرأَ نافعٌ والمفضَّل عن عاصم : « لَوَوْا » ـــ بتخفيف الواوِ ـــ وقرأ الباقون بتشديدِها . وقوله تعالى : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ … } الآية ، رويَ أنه لما نزلتْ { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : لأَزِيدَنَّ على السبعينَ ، وفي حديثٍ آخَرَ : لَوْ عَلِمْتُ أنِّي لَوْ زِدْتُ على السبعينَ لَغَفَرَ لَهُمْ لَزِدْتُ ، وفي هذا الحديثِ دليلٌ عَلَى رَفْضِ دليلِ الخطابِ ، فَلَمَّا فعل ابْنُ أُبَيٍّ وأصحابهُ مَا فَعَلُوا شَدَّدَ اللَّه عليهم في هذه الآيةِ ، وأَعْلَم أَنَّه لَنْ يَغْفِرَ لهم دونَ حَدٍّ في الاسْتِغْفَارِ .