Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 12-20)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } يحتملُ معنيين : أحدُهما بالغَيْبِ الذي أُخْبِروا بهِ مِن النَّشْرِ والحشر والجنة والنار ، فآمنوا بذلك وخَشُوا ربَّهم فيه ؛ ونحا إلى هذا قتادة ، والمعنى الثاني : أنهم يَخْشَوْنَ ربهم إذا غَابُوا عن أعْيُنِ الناس ، أي : في خلَواتِهم في صلاتهم وعباداتهم . وقوله تعالى : { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ … } الآية ، خطابٌ لجميعِ الخَلْقِ ، و { ذَلُولاً } بمعنى مَذْلُولَةٍ ، و { مَنَاكِبِهَا } قال مجاهد : هي الطُّرُقُ والفجاجُ ، وقال البخارِي : { مَنَاكِبِهَا } : جَوَانِبُها ، قال الغزالي ـــ رحمه اللَّه ـــ : جَعَلَ اللَّهُ سبحانَه الأَرْضَ ذَلُولاً لِعِبَادِه لاَ لِيَسْتَقِرُّوا في مناكِبها ، بلْ لِيَتَّخِذُوهَا مَنْزِلاً فَيَتزَوَّدُونَ منها مُحْتَرِزِينَ من مصائدِها ومَعَاطبِها ، ويتحقَّقُون أنّ العُمْرَ يَسِيرُ بهم سَيْرَ السفينةِ بِرَاكِبِها ، فالناسُ في هَذَا العَالَمِ سُفْرُ وأوَّلُ منازلِهم المَهْدُ ، وآخرُها اللحدُ ، والوَطَنُ هو الجنَّةُ أو النَّارُ ، والعُمْرُ مسَاقَةُ السَّفَرِ ، فَسِنُوه مَرَاحِلهُ ، وشُهورُه فَرَاسِخُه ، وأيامُه أمْيَالُه ، وأنْفَاسُه خُطُواتُه ، وطَاعَتُه بضاعتُه ، وأوقَاتُه رؤوس أموالِه ، وشَهَواتُه وأغْرَاضُه قطاع طريقِه ، وربحُه الفوزُ بلقاءِ اللَّه ـــ عز وجل ـــ في دار السلام مع المُلْكِ الكبيرِ والنَّعِيمِ المُقِيمِ ، وخسرانُه البُعْد من اللَّه ـــ عز وجل ـــ مع الأنْكَالِ والأَغْلاَلِ والعذاب الأليمِ في دَرَكَاتِ الجحيم ، فالغافلُ عن نَفسِ واحدٍ من أنْفَاسِهِ ، حتى يَنْقَضِيَ في غَيْرِ طاعةٍ تُقُرِّبُه إلى اللَّهِ تعالى زُلْفَى مُتَعَرِّضٌ في يوم التَّغابُن لغَبِينَةٍ وحَسْرَةٍ مَا لها مُنْتَهَى ، وَلِهٰذَا الخطرِ العظيمِ والخَطْبِ الهائلِ شَمَّر المُوفَّقُونَ عن ساقِ الجِدِّ ، وَوَدَّعُوا بالكليةِ ملاذَّ النَّفْسِ ، واغْتَنَمُوا بَقايَا العُمْرِ ، فَعَمَّرُوها بالطاعاتِ ، بِحَسَبِ تَكَرُّرِ الأوقَاتِ ، انتهى ، قال الشيخُ أبو مدين ـــ رحمه اللَّه ـــ : عُمْرُكَ نَفَسٌ وَاحِدٌ فَاحْرِصْ [ أنْ يَكُونَ ] لَكَ لاَ عليك ، انتهى ، واللَّه الموفِّقُ بفضلِه ، و { ٱلنُّشُورُ } : الحياةُ بعدَ الموتِ ، و { تَمُورُ } معناه : تَذْهَبُ وتَجِيءُ ، كما يَذْهَبُ التراب المَوَارُ في الرِّيحِ ، والحَاصِبُ البَرْدُ ومَا جَرى مَجْرَاه ، والنَّكِيرُ مَصْدَرٌ بمعنى الإنْكَارِ ، والنَّذِيرُ كذَلِكَ ومنه قول حسان بن ثابت : [ الوافر ] @ فَأُنْذِرُ مِثْلَهَا نُصْحاً قُرَيْشاً مِنَ الرَّحْمٰنِ إنْ قَبِلَتْ نَذِيرِي @@ ثم أحال ـــ سبحانه ـــ على العِبْرَةِ في أمْرِ الطير وما أحكمَ من خِلْقَتِها ، وذلك بيَّنَ عَجْزَ الأصنامِ والأوثانِ عنه ، و { صَافَّـٰتٍ } جَمْع صَافَّة ، وهي التي تَبْسُطَ جَنَاحَها وتَصُفُّه ، وقَبْضُ الجَنَاحِ ضَمُّه إلى الجنبِ ، وهاتان حالتَان للطائر يَسْتَرِيحُ مِنْ إحْدَاهما إلى الأخرى .