Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 16-32)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } معناه : على الأَنْفِ . قَالَ ابنُ عَبّاسٍ : هُو الضَّرْب بالسَّيْفِ في وَجْهِهِ وعَلَى أنْفِه ، وَقَدْ حَلَّ ذَلِكَ به يومَ بَدْرٍ ، وقيل : ذلك الوَسْمُ هو في الآخرةِ ، وقال قتادة وغيره : معناه سَنَفْعَلُ به في الدنيا مِنَ الذَّمِّ لهُ والمَقْتِ والاشْتِهَارِ بالشر ، ما يَبْقَى فِيه وَلاَ يَخْفَى به ، فيكونُ ذلكَ كالْوَسِمِ عَلَى الأنف . وقوله سبحانه : { إِنَّا بَلَوْنَـٰهُمْ } يريد : قريشاً ، أي : امْتَحَنَّاهُم ، و { أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } فيما ذُكِرَ كانوا إخوةً ، وكانَ لأَبِيهم جَنَّةٌ وحَرْثٌ يَغْتَلُّه ، فَكَان يُمْسِكُ منه قُوتَه ، وَيَتَصَدَّقُ على المساكين بِبَاقِيهِ ، وقيل : بلْ كَانَ يَحْمِلُ المساكِينَ مَعَه في وَقْتِ حَصَادِهِ وجَذِّه فَيُجْدِيهم منه ، فماتَ الشيخُ ، فقال ولدُه : نَحْنُ جَماعَةٌ وفِعْلُ أبينَا كَانَ خطأً فَلْنَذْهَبْ إلى جنَّتِنَا ، ولا يَدْخُلَنَّها عَلَيْنَا مِسْكِينٌ ، ولا نُعْطِي منها شيئاً ، قَال : فَبَيَّتُوا أمْرَهُمْ وَعَزْمَهُمْ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا طائفاً من نارِ أو غيرِ ذلكَ ، فاحْتَرَقَتْ ، فقيلَ : فأصْبَحَتْ سَودَاء ، وقيل : بَيْضَاء كالزَّرْعِ اليَابِسِ المَحْصُودِ ، فلما أصْبَحوا إلى جنتهم ؛ لم يَرَوْهَا فَحسبوا أنهم قَد أَخْطَؤُوا الطريقَ ، ثم تَبَيَّنُوها فعلموا أنَّ اللَّهَ أَصَابَهُم فِيها ، فتَابوا حينئذٍ فَكَانُوا مُؤمنِينَ أهْلَ كِتَابٍ ، فَشَبَّه اللَّهُ قُرَيْشاً بهم في أنّه ٱمْتَحَنَهُمْ بالمصَائِبِ ، في دُنْيَاهُمْ لِعَدَمِ اتّبَاعِهِمْ للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ التوبةُ مُعَرَّضَةٌ لِمَنْ بَقِيَ منهم . وقوله تعالى : { لَيَصْرِمُنَّهَا } أي : ليَجُذُّنَّهَا ، و { مُصْبِحِينَ } معناه : دَاخِلينَ في الصباح . وقوله تعالى : { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } [ أي : لا يَنْثَنُونَ ] عن رأْيِ مَنْعِ المساكين ، وقَالَ مجاهد : معناه ولاَ يَقُولُونَ إنْ شَاءَ اللَّه . والصَّرِيمُ ، قال جماعة : أرادَ بهِ اللَّيْلَ مِنْ حيثُ اسْوَدَّتْ جَنَّتُهم ، وقَالَ ابن عباس : الصَّرِيمُ : الرَّمَادُ الأسْوَدُ بِلُغَةِ خُزَيْمَةَ ، وقولهم : { إِن كُنتُمْ صَـٰرِمِينَ } يَحْتَمِلُ أنْ يكُونَ مِنْ صرام النخلِ ، ويحتملُ أنْ يريدَ إنْ كُنْتُمْ أهْلَ عزم وإقْدَامٍ على رأيكم ، من قولك سَيْفٌ صارم ، و { يَتَخَـٰفَتُونَ } : معناه يَتَكَلَّمُونَ كَلاَماً خَفِيًّا ، وكان هذا التخافتُ خَوْفاً مِنْ أنْ يَشْعُرَ بهمُ المساكينُ ، وكان لفظُهم الذي يتخافتون به : { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } . وقوله : { عَلَىٰ حَرْدٍ } يَحْتَمِلُ أنْ يريدَ عَلى مَنْعٍ ، من قولهم : حَارَدَتِ الإبِلُ إذا قَلَّتْ ألبانُها فمنَعتْهَا ، وحَارَدَتِ السنةُ إذا كَانَتْ شَهْبَاء لاَ غَلَّةَ لها ، ويحتملُ أن يريدَ بالحَرْدِ الغَضَبَ ، يقال حَرَدَ الرجلُ حَرْداً إذَا غَضِبَ ، قال البخاريّ قَالَ قتادة : { عَلَىٰ حَرْدٍ } [ أي : على جدٍّ ] في أنفسهم ، انتهى . وقوله تعالى : { قَـٰدِرِينَ } يحتملُ أن يكون من القُدْرَةِ ، أي : قادرون في زعمهِم ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مِن التَّقْدِيرِ الذي هو تَضْيِيقٌ ، كأنّهم قَدْ قَدَرُوا عَلَى المسَاكِينِ ، أي ضَيَّقُوا عليهم ، { فَلَمَّا رَأَوْهَا } أي : مُحْتَرِقَةً { قَالُواْ إِنَّا لَضَالُّونَ } طريقَ جَنَّتِنَا فَلَما تَحقَّقُوها عَلِمُوا أَنها قَدْ أصيبتْ فقالوا : { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي : قَدْ حُرِمْنَا غَلَّتَها وبَرَكَتها ، فقال لهم أعدلهُم قَوْلاً وعَقْلاً وخُلُقاً وهو الأوسَط ؛ { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } قِيلَ هي عبارةٌ عَنْ تعظيمِ اللَّهِ والعَمَلِ بطاعتهِ سبحانَه ، فَبادَرَ القَوْمُ عَنْدَ ذَلِكَ وَتَابُوا وسبَّحُوا ، واعترفُوا بظلمِهم في اعتقادهم مَنْعَ الفقراءِ ، ولاَمَ بعضُهم بَعْضاً واعترفوا بأنهم طَغَوا ، أي : تَعَدَّوْا مَا يَلْزَم مِنْ مُوَاسَاةِ المساكينِ ، ثم انصرفوا إلى رَجَاءِ اللَّه سبحانَه وانتظارِ الفَضْلِ من لَدُنْهُ في أن يُبْدِلَهُمْ ، بِسَبَبِ تَوْبَتِهم ، وإنابتِهم خَيْراً من تلك الجنة ، قال الثعلبي : قال ابن مسعود : بلغني أن القومَ لما أخْلَصُوا وَعَلِمَ اللَّهُ صدقَهم أبْدَلَهُمْ اللَّهُ ـــ عز وجل ـــ بها جنةً يقال لها الحَيَوَانُ ، فيها عِنَبٌ يَحْمِلُ البغلُ العنقُودَ منها ، وعن أبي خالد اليماني أَنه رأَى تلكَ الجنةَ ورَأَى كُلَّ عُنْقُودٍ منها كالرَّجُلِ الأسْوَدِ القائِم ، انتهى ، ، وقدرةُ اللَّه أعْظَمُ فلا يُسْتَغْرَبُ هذا إنْ صَحّ سنده .