Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 101-108)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } « تلك » ابتداءٌ ، و « القُرَىٰ » قال قوم : هو نعْتٌ ، والخبر « نَقْصُّ » ، وعندي : أن « أهل القرَى » هِي خَبَر الابتداءِ ، وفي ذلك معنى التعظيمِ لها ، ولِمُهْلِكِها ؛ وهذا كما قيل في قوله تعالى : { ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ } [ البقرة : 2 ] وكما قال عليه السلام : " أُولَئِكَ الملأ " وكقول ابن أبي الصلت : [ البسيط ] @ تِلْكَ المَكَارِمُ … … @@ وهذا كثير . ثم ابتدأ سبحانهُ الخبر عن جميعهم بقوله : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ، هذا الكلامُ يحتملُ وجوهاً من التأويل : أحدها : أنْ يريد أنَّ الرسول جاء لكلِّ فريقٍ منهم ، فكذَّبوه لأول أمره ، ثم ٱستبانَتْ حجته ، وظهَرتِ الآياتُ الدالَّة علىٰ صدقه ، مع استمرار دعوته . ، فلَجُّوا هم في كفرهم ، ولم يؤمنوا بما سَبَقَ به تكذيبُهم . والثاني : من الوجوه : أنْ يريد : فما كان آخرهم في الزّمنِ لِيُؤْمِنَ بما كَذَّب به أوَّلهم في الزمَنِ ، بل مَشَىٰ بعضهم على سَنَن بعضٍ في الكُفْرِ ؛ أشار إِلى هذا التأويلِ النَّقَّاش . والثالث : أنَّ هؤلاء لَوْ رُدَّوا من الآخرة إلى الدنيا ، لم يكُنْ منهم إِيمانٌ ؛ قاله مجاهد ، وقرنه بقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . والرابع : أنه يحتمل : فما كانوا ليُؤْمنوا بما سَبَق في عِلم اللَّه سبحانه ؛ أنهم مُكَذِّبون به ؛ وذكَرَ هذا التأويلَ المفسِّرون . وقوله سبحانَه : { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ … } الآية : أخبر سبحانه أنه لم يجدْ لأكثرهم ثبوتاً على العَهْد الذي أخذه سبحانه علىٰ ذريِّة آدم وقْتَ ٱستخراجهم من ظهره ؛ قاله أبو العالية عن أبيِّ بنْ كَعْب ، ويحتمل أن يكون المعنى : وما وجدنا لأكثرهم التزامَ عَهْدٍ ، وقبولَ وصاةٍ ممَّا جاءتهم به الرسُلُ عن اللَّه ، ولا شَكَروا نعم اللَّه عزَّ وجلَّ . قال * ص * : { لأَكْثَرِهِم } : يحتمل أن يعود علىٰ « النَّاس » أو على { أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } أو « الأُمم الماضية » . انتهى . وقوله سبحانه : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِـآيَـٰتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا … } الآيات ؛ في هذه الآية : عامٌّ في التسْع وغيرِهَا ، والضميرُ في « مِنْ بعدهم » عائدٌ على الأنبياءِ المتقدِّم ذكْرُهم ، وعلى أممِهِمْ . وقوله سبحانه : { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } : فيه وعيدٌ ، وتحذيرٌ للكَفَرة المعاصرين لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله سبحانه : { وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } ، قرأ نافعٌ وحده : « عَلَيَّ » بإِضافة « عَلَىٰ » إِليه ، وقرأ الباقون : « عَلَىٰ » بسكون الياء . قال الفارسيُّ : معنى هذه القراءة أنَّ « عَلَى » وضعتْ موضع الباء ؛ كأنه قال : حقيقٌ بأن لا أقولَ على اللَّه إِلاَّ الحَقَّ ، وقال قوم : « حقيقٌ » صفةٌ لـــ « رَسُولٌ » ، تم عندها الكلامُ ، و « عَليَّ » : خبرٌ مقدّمٌ و « أَلاَّ أقول » : ابتداءٌ ، وإِعراب « أَنْ » ، على قراءة مَنْ سكَّن الياء خفْضٌ ، وعلىٰ قراءة من فتحها مشدَّدةً : رَفْعٌ ، وفي قراءة عبد اللَّه : « حَقيقٌ أَنْ لا أَقُول » ، وهذه المخاطَبَةُ ـــ إِذا تأَمَّلْتَ ـــ غايةٌ في التلطُّف ، ونهايةٌ في القول الليِّن الذي أُمِرَ به عليه السلام ، وقوله : { قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } « البينة » ؛ هنا إشارةٌ إلى جميع آياته ، وهي على المُعْجزة منْها أدلُّ ، وهذا من موسى عليه السلام عَرْضُ نبوَّته ، ومنْ فرعون استدعاءُ خَرْق العادة الدالِّ على الصدْقِ ، وظاهرُ هذه الآية وغيرها أنَّ موسى عليه السلام لم تَنْبَنِ شريعته إِلا علىٰ بني إسرائيل فقَطْ ، ولَمْ يَدْعُ فرعونَ وقومه إِلا إِلى إِرسال بني إِسرائيل ، وذكره : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] . وقوله : { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } ، روي أن موسى قَلِقَ به ، وبمجاورته فرعون ، فقال لأعوانِهِ : خذوه ، فألقى موسَى العصا ، فصارَتْ ثعباناً ، وهمَّت بفرعون ، فَهَرَبَ منْها . وقَالَ السّديُّ : إِنه أَحَدَث ، وقال : يا موسَىٰ كُفَّهُ عني ، فَكفَّه ، وقال نحوه سعيدُ بنُ جبير ، ويقال : إن الثعبان وضع أسفل لَحْيَيْهِ في الأرض وأعلاهما في أعلى شرفات القصر . والثعبان : الحَيَّة الذَّكَر وهو أهولُ وأجَرأُ ؛ قاله الضحاك ، وقال قتادة : صارَتْ حَيَّةً أشْعَرَ ذَكَراً ، وقال ابن عباس : غرزَتْ ذَنَبها في الأرض ، ورفَعَتْ صدْرَها إِلى فرعون ، وقوله : { مُّبِينٌ } معناه : لا تَخْييلَ فيه ، بل هو بَيِّن ؛ إنه ثعبانٌ حقيقة ، { وَنَزَعَ يَدَهُ } : معناه : مِنْ جيبه ، أو من كُمِّه ؛ حسب الخلافِ في ذلك . وقوله : { فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّـٰظِرِينَ } ، قال مجاهد : كاللبن أَو أَشَدَّ بياضاً ، وروي أنها كانت تظهر منيرةً شفَّافةً كالشَّمْس تأْتَلِقُ ، وكان موسى عليه السلام آدَمَ أَحْمَرَ إِلى السوادِ ، ثم كان يَرُدُّ يده ، فترجع إِلى لون بَدَنِهِ . قال * ع * : فهاتان الآيتان عرضهما عليه السلام للمعارَضَة ، ودعا إلى اللَّه بهما ، وخَرَق العادة بهما . * ت * : وظاهر الآية كما قال ، وليس في الآية ما يَدُلُّ على أنه أراد بإلقاء العصا الانتصار والتخويفَ ؛ كما يعطيه ما تقدَّم ذكْرُهُ من القصص .