Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 11-18)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ … } الآية : هذه الآية مَعْنَاهَا التَّنْبِيهُ على مواضع العِبْرَةِ ، والتعجيب من غريب الصنعة ، وإسداء النعمة . واختلف العلماء في تَرْتِيبِ هذه الآية ؛ لأن ظاهرها / يَقْتَضِي أن الخَلْقَ والتصوير لبني آدم قَبْلَ القَوْلِ للملائكة أَن يَسْجُدُوا ، وقد صححت الشريعة أن الأَمْرَ لم يَكُنْ كذلك ، فقالت فرقة : المُرَادُ بقوله سبحانه : { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } آدم ، وإن كان الخِطَابُ لبنيه . وقال مجاهد : المعنى : ولقد خَلَقْنَاكم ، ثم صورناكم في صُلْبِ آدم ، وفي وقت استخراج ذريّة آدم من ظَهْرِهِ أمثال الذّر في صورة البَشَرِ ، ويترتب في هَذَيْنِ القولين أن تكون « ثم » على بابها في الترتيب ، والمُهْلَةِ . وقال ابن عباس ، والربيع بن أنس : أما « خلقناكم » فآدم ، وأما « صورناكم » فذرّيته في بُطُونِ الأمهات . وقال قتادة ، وغيره : بل ذلك كله في بُطُونِ الأمهات من خَلْقٍ ، وتصوير ، { وثُمَّ } لترتيب الأخبار بهذه الجمل لا لترتيب الجُمَلِ في أنفسها . وقوله سبحانه : { فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } تقدم الكلام على قَصَصِ الآية في « سورة البقرة » . « وما » في قوله : { مَا مَنَعَكَ } استفهام على جِهَةِ التوبيخ والتقريع ، و « لا » في قوله : { أَلاَّ تَسْجُدَ } قيل : هي زائدة ، والمعنى : ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ ، وكذلك قال أبو حَيَّان : إنها زائدة ، كهي في قوله تعالى : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [ الحديد : 29 ] . قال : ويدلُّ على زيادتها سُقُوطها في قوله تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } [ ص : 75 ] في « صۤ » انتهى . وجواب إبليس اللعين ليس بمُطابق لما سئل عنه ، لكن [ لما ] جاء بِكَلاَمٍ يتضمن الجَوَابَ والحجة ، فكأنه قال : منعني فَضْلِي عليه ، إذ أنا خير منه ، وظن إبليس أن النار أَفْضَلُ من الطين ، وليس كذلك بل هما في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ من حيث إنهما جَمَادٌ مخلوق ، ولما ظن إبليس أن صُعُودَ النار ، وَخِفَّتَهَا يقتضي فَضْلاً على سُكُونِ الطين وبلادته ، قَاسَ أن ما خُلِقَ منها أَفْضَلُ مما خُلِقَ من الطين ، فأخطأ قياسه ، وذهب عليه أن الروح الذي نُفِخَ في آدم ليس من الطِّين . وقال الطبري : ذهب عليه ما في النَّارِ من الطَّيْشِ ، والخِفَّةِ ، والاضطراب ، وفي الطين من الوَقَارِ ، والأَنَاةِ والحِلْمِ ، والتثبت وروي عن الحسن ، وابن سيرين أنهما قالا : أول مَنْ قَاسَ إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالقِيَاس ، وهذا القَوْلُ منهما ليس هو بإنكار للقياس . وإنما خُرِّجَ كلامهما نَهْياً عما كان في زمانهما من مَقَايِيسِ الخَوَارِجِ وغيرهم ، فأراد حمل الناس على الجَادَّةِ . وقوله سبحانه : { فَٱهْبِطْ مِنْهَا } الآية : يظهر منه أنه أهبط أولاً ، وأخرج من الجَنَّةِ ، وصار في السماء ، لأن الأخبار تَظَاَهَرَتْ أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجَنَّة ، ثم أُمِرَ آخراً بالهُبُوطِ من السماء مع آدم ، وحواء ، والحية . وقوله : { إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } حكم عليه بضدِّ معصيته التي عصى بها ، وهي الكبرياء ، فعوقب بالحمل عليه ، بخلاف شهوته ، وأمله والصَّغَارُ : الذل قاله السدي . ومعنى : { أَنظِرْنِي } أخِّرْنِي فَأَعْطَاهُ اللَّه النَّظِرَةَ إلى النفخة الأولى . قاله أكثر الناس وهو الأصح والأشهر في الشَّرْع . وقوله : { فَبِمَا } يريد به القَسَمَ ، كقوله في الآية الأخرى : { فَبِعِزَّتِكَ } [ ص : 82 ] و { أَغْوَيْتَنِي } قال الجمهور : معناه : أضللتني من الغيِّ ، وعلى هذا المعنى قال محمد بن كَعْبٍ القرظي : قاتل اللَّه القدرية لإِبْلِيسُ أعلم باللَّه منهم ، يُرِيدُ في أنه علم أن اللَّه يَهْدِي وَيضل . وقوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ } المعنى : لاعترضنَّ لهم في طَريق شرعك ، وعبادتك ، ومنهج النجاة ، فَلأَصُدَّنهم عنه . ومنه قوله عليه السلام : " إن الشيطان قَعَدَ لابن آدَمَ بأطرُقِهِ نَهَاهُ عن الإِسْلاَمِ ، وقال : تَتْرُكُ دِينَ آبائك ، فَعَصَاهُ فأسلم ، فنهاه عن الهِجْرَةِ فقال : تَدَعُ أَهْلَكَ وَبَلَدَك ، فعصاه فهاجر ، فنهاه عن الجِهَاد ، فقال : تُقْتَلُ وتترك وَلَدَكَ ، فَعَصَاهُ فجاهد فله الجَنَّة … " الحديث . وقوله سبحانه : { ثُمَّ لأَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ * قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أجْمَعِينَ } مقصد الآية أن إبليس أَخْبَرَ عن نفسه أنه يأتي إِضْلاَلَ بني آدم من كُلِّ جهة ، فعبر عن ذلك بأَلْفَاظٍ تقتضي الإِحَاطَةَ بهم ، وفي اللفظ تَجَوُّزٌ ، وهذا قَوْلُ جَمَاعَةٍ من المفسرين . قال الفخر : وقوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } أي : على صِرَاطِكَ . أجمع النحاة على تقدير « على » في هذا الموضع . انتهى . وقوله : { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } أخبر اللعين أن سَعَايَتَهُ تفعل ذلك ظَنًّا منه ، وتوسُّماً في خِلْقَةِ آدم حين رأى خِلْقَتَهُ من أشياء مختلفة ، فعلم أنه سَتَكُونُ لهم شِيَمٌ تقتضي طَاعَتَهُ ، كالغِلِّ ، والحَسَدِ ، والشهوات ، ونحو ذلك . قال ابن عباس ، وقتادة : إلا أن إبليس لم يَقُلْ : إنه يأتي بني آدم من فَوْقِهِمْ ، ولا جعل اللَّه له سبيلاً إلى أن يَحُولَ بينهم وبين رحمة اللَّه وعفوه ومَنِّهِ ، وما ظنه إبليس صدقه اللَّه عز وجل . ومنه قوله سبحانه : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ سبأ : 20 ] فجعل أكثر العَالَم كَفَرَةً ، ويُبَيِّنُهُ قوله صلى الله عليه وسلم في الصَّحيح : " يَقُولُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : يا آدَمُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ ، فيقول : يا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ ، فيقول : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعمَائةً وتِسْعَةً وتَسْعِينَ إلى النَّارِ ، وواحداً إلى الجَنَّةَ " ونحوه مما يخصُّ أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " ما أنتم في الأمم إلا كالشَّعرة البَيْضَاءِ في الثور الأَسْوَدِ " و { شَٰكِرِينَ } معناه : مُؤْمنين ؛ لأن ابن آدم لا يَشْكُرُ نعمة اللَّه إلا بأن يُؤمن . قاله ابن عباس وغيره . وقوله سبحانه : { ٱخْرَجَ مِنْهَا } أي : من الجنة { مَذْءُوماً } أي مَعِيباً { مَّدْحُوراً } ؛ أي مقصيًّا مبعداً . { لَّمَن تَبِعَكَ } بفتح اللام هي لام قَسَم . وقال أبو حيان : الظاهر أنها المُوَطِّئة لِلْقَسَمِ ، و « من » شرطية في موضع رَفَعٍ بالابتداء ، وحذف جواب الشرط لدلالة جَوَابِ القَسَم عليه ، ويجوز أن تكون لام ابتداء ، و « من » موصولة في مَوْضَعِ رَفْعٍ بالابتداء ، والقَسَمُ المحذوف ، وجوابه ، وهو « لأملأن » في موضع خبرها . انتهى . وقال الفَخْر : وقيل : { مَذْءُوماً } ، أي : محقوراً ؛ فالمَذْؤومُ المحتقر . قاله الليث . وقال ابن الأنباري : المَذْؤُومُ المذموم . وقال الفَرّاءُ : أَذْأَمْتُهُ إِذا عَيَّبْتُهُ . انتهى . وباقي الآية بَيِّنٌ . اللهم إنا نَعُوذُ بك من جَهْدِ البَلاَءِ ، وسوء القَضَاءِ ، ودَرك الشَّقَاء ، وشَمَاتَة الأعداء .