Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 128-132)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُواْ … } الآية : لما قال فرعونُ { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ } ، وتوعدهم ، قال موسَىٰ لبني إسرائيل ، يثبتهم ، ويعدهم عن اللَّه تعالىٰ : { ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ } ، والأرض هنا : أرضُ الدنيا ، وهو الأظهرُ . وقيل : المراد هنا أرضُ الجَنَّة ، وأما في الثانية ، فأرض الدنيا لا غير ، والصَّبْرُ في هذه الآية : يعمُّ الانتظارَ الذي هو عبادةٌ ، والصَّبْرَ في المناجزاتِ ، والبأْسَ ، وقولهم : { أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا } ، يعنون به الذَّبْحَ الذي كان في المُدَّة التي كانَ فِرْعَون يتخوَّف فيها أنْ يولَدَ المولودُ الذي يُخَرِّبُ ملكه ، { وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } ، يعنون به وعيدَ فِرْعَونَ ، وسائِرَ ما كان خلالَ تلك المدَّة ، من الإخافة لهم . وقال ابنُ عباس والسدّيُّ : إنما قالت بنو إسرائيل هذه المقالَة ، حين ٱتَّبَعَهُمْ فرعون ، واضْطَرَّهم إِلى البحر . قال * ع * : وبالجملة فهو كلامٌ يجري مع المعهودِ مِنْ بني إِسرائيل ؛ مِن ٱضطرابهم علىٰ أنبيائهم ، وقلَّةِ يقينهم ، وٱستعطافُ موسَىٰ لهم بقوله : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } ، ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض ، يدُلَّ على أنه يستدعي نفوساً نافرةً ؛ ويقوِّي هذا الظنَّ في جهة بني إِسرائيل سلوكُهم هذا السبيلَ في غَيْر مَا قصَّةٍ ، وقوله : { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } تنبيهٌ وحضٌّ على الاستقامة ، ولقد ٱسْتُخْلِفُوا في مِصْرَ في زمن دَاوُدَ وسليمانَ ، وقد فتحوا بَيْتَ المَقْدِسِ مع يُوشَعَ . وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِٱلسِّنِينَ } ، أي : بالجُدُوب والقُحُوطِ ، وهذه سِيرَةُ اللَّه في الأممِ ، وقوله : { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ } ، أي : حتى رُوِيَ أن النخلة مِنْ نخلهم لا تَحْمَلُ إِلا ثمرةً واحدةً ، وقال نحوه رجاءُ بْنُ حَيْوَة وفعل اللَّه تعالىٰ بهم هذا ؛ لينيبوا ويَزْدَجِرُوا عَمَّا هم عليه من الكُفْرِ ؛ إِذ أحوالُ الشدَّة ترقُّ معها القلوبُ ، وترغبُ فيما عند اللَّه سبحانه . وقوله عزَّ وجلَّ : { فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ … } الآية : كان القَصْدُ في إِصابتهم بِالقَحْط والنقْصِ في الثمراتِ أن ينيبوا ويرجعوا ، فإذا هم قد ضَلُّوا ، وجعلوها تشاؤماً بموسَىٰ ، فكانوا إِذَا ٱتَّفَقَ لهم ٱتفاقٌ حسنٌ في غَلاَّت ونحوها ، قالوا : هذه لنا ، وبسببنا ، وإذا نالهم ضُرٌّ ، قالوا : هذا بسبب موسَىٰ وشُؤْمِهِ ؛ قاله مجاهد وغيره ، وقرأ الجمهور « يَطَّيَّرُوا » ـــ بالياء وشدِّ الطاء والياءِ الأخيرة ـــ ، وقرأ طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ وغيره : « تَطِيرُوا » ـــ بالتاء وتخفيف الطاء ـــ ، وقرأ مجاهدٌ : « « تَشَاءَمُوا بمُوسَى » ـــ بالتاء من فوق ـــ وبلفظ الشؤم . وقوله سبحانه : { أَلآ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } معناه : حظُّهم ونصيبهم ؛ قاله ابن عباس ، وهو مأخوذ من زَجْر الطَّيْرِ فسُمِّيَ ما عند اللَّه من القدر للإِنسان طائراً ؛ لما كان الإِنسان يعتقدُ أنَّ كل ما يصيبه إِنما هو بحَسَب ما يراه في الطَّائِرِ ، فهي لفظةٌ مستعارةٌ ، ومهما أصلها عنْدَ الخليل ؛ مَامَا ، فأبدلت الألف الأولى هاء ، وقال سيبوَيْهِ : هي « مَهْ مَا » ؛ خُلِطَتَا ، وهي حَرْفٌ واحدٌ لمعنًى واحدٍ . وقال غيره : معناها : « مَهُ » ، أي : كُفَّ ، و « ما » : جزاءٌ ، ذكره الزَّجَّاجُ ، وهذه الآيةُ تتضمَّن طغيانهم ، وعتوهم ، وقَطْعَهم على أنفسهم بالكُفْر البَحْتِ .