Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 133-137)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ … } الآية : الطُّوفانُ : مصْدَر مِنْ قولك : طَافَ يَطُوفُ ، فهو عامٌ في كلِّ شيء يطُوفُ إِلاَّ أن ٱستعمال العَرَب له كثيرٌ في الماءِ والمَطَر الشديد ، قال ابن عبَّاس وغيره : الطُّوفَان في هذه الآية : هو المطر الشديدُ ، أصابهم وتوالَىٰ عليهم حتَّى هدَّم بيوتَهُمْ وضيَّق عليهم ، وقيل : طَمَّ فَيْضُ النِّيلِ عليهم ، ورُوي في كيفيَّته قصصٌ كثيرةٌ ، وقالتْ عائشة رضي اللَّه عنها ، عن النَبيِّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الطُّوفان المراد في هذه الآية هو المَوْتُ " . قُلْتُ : ولو صحَّ هذا النقلُ ، لم يبق مُجْمَلاً وروي أن اللَّه عز وجل لما والَىٰ عليهم المطر ، غَرِقَتْ أرضهم ، وامتنعوا من الزراعة قالوا : يا موسىٰ ٱدع لنا ربك في كَشْف هذا الغَرَقِ ، ونحن نؤمنُ ، فدعا ، فكَشَفَه اللَّه عنْهم ، فأنبتتِ الأرضُ إنباتاً حسناً ، فنكَثُوا ، وقالوا : ما نودُّ أنَّا لم تمْطَرْ ، وما هذا إِلا إِحسانٌ مِنَ اللَّه إِلينا ، فبعث اللَّه علَيْهم حينئذٍ الجَرَادَ ، فأكل جميعَ ما أنبتَتِ الأرض ، فروى ابنُ وَهْبٍ ، عن مالكٍ ؛ أنه أكل حتى أبوابَهم ، وأكل الحديدَ والمساميرَ ، وضيَّق عليهم غايةَ التضْييق ، وترك اللَّهُ مِنْ نباتهم ما يَقُومُ به الرَّمق ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربَّك في كشف الجراد ، ونحن نؤمن ، فدعا اللَّه فكَشَفه ، ورجعوا إِلى كفرهم ، فبعث اللَّه عليه القُمَّل ، وهي الدُّبَّىٰ صغارُ الجَرَادِ ، الذي يثب ولا يطير ؛ قاله ابن عباس وغيره ، وقرأ الحسن : « القَمْل » ـــ بفتح القاف ، وسكون الميم ـــ فهي على هذا القَمْلُ المعروفُ ، وروي أن موسى مشَىٰ بعصاه إِلى كثيب أَهِيلٍ ، فضربَهُ ، فٱنتشر كُلُّه قُمَّلاً في مِصْر ، ثم إِنهم قالوا : ادع في كَشْفِ هذا ، فدعا فرَجَعُوا إِلىٰ طُغْيَانهم ، وكُفرهم ، فبعَثَ اللَّه عَلَيْهم الضَّفَادَع ، فكانَتْ تدخلُ في فَرُشِهِمْ ، وبَيْن ثيابهم ، وإِذا هَمَّ الرجُلُ أن يتكلَّم ، وَثَبَ ضفْدَعٌ في فَمِهِ . قال ابن جُبَيْر : كان الرجُلُ يجلسُ إلى ذقنه في الضفادع . وقال ابنُ عبَّاس : لما أُرْسِلَتِ الضفادِعُ عليهم ، وكانَتْ بَرِّيَّةً ، سمعتْ وأطاعت ، فَجعلتْ تقذفُ أنفسها في القُدُور ، وهي تغلي ، فأثابها اللَّه بحُسْن طاعتها بَرْدَ الماء ، فقالوا : يا موسَىٰ ، ٱدع في كَشْف هذا فدعا ، فكشفَ ، فرجَعُوا إِلى كُفْرهم ، فبعث اللَّه عليهم الدَّم ، فرجع ماؤهم الذي يستقونه ، ويَحْصُلُ عندهم دماً ، فرويَ أنه كان يَسْتَقِي القبْطِيُّ والإسرائيليُّ بإِناء واحدٍ ، فإِذا خرج الماء ، كان الذي يلي القِبْطِيَّ دماً ، والذي يلي الإِسرائيليَّ ماءً إِلى نحو هذا ، وشبهه ، من العذاب بالدَّمِ المنقلبِ عن الماء ، هذا قول جماعة من المتأوِّلين . وقال زيدُ بن أسْلَمَ : إِنما سلط عليهم الرُّعَاف ، فهذا معنى قوله : { وَٱلدَّمَ } ، وقوله : { آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } التفصيل : أصله في الأجرام : إِزالة ٱلاتصالِ ، فهو تفريقُ شيئَيْن ، فإِذا استعمل في المعاني ، فيراد به أنه فُرِقَ بينها ، وأُزِيلَ ٱشتباكها وإِشكالها ، فيجيء من ذلك بيانها . وقالتْ فرقةٌ : { مُّفَصَّلاَتٍ } يراد بها : مفرَّقات في الزمَن . قال الفخر : قال المفسِّرون : كان العذابُ يَبْقَىٰ عليهم من السَّبْت إِلى السَّبْت ، وبَيْنَ العذابِ والعذابِ شَهْرٌ ، وهذا معنَىٰ قوله : { آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } ، على هذا التأويل ، أي : فصلَ بين بعضها وبَعْضٍ بزمانٍ تمتحنُ فيه أحوالهم ، ويُنْظَرُ ؛ أيقبلون الحُجَّة والدليلَ ، أم يستمرُّون على الخلاف والتقليد . انتهى . وقوله عز وجل : { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَى ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ … } الآية : « الرّجز » : العذابُ ، والظاهر من الآية أنَّ المراد بالرجْزِ هنا العذابُ المتقدِّم الذكْر من الطُّوفان والجراد وغيره . وقال قوم : [ إن ] الرجْزَ هنا طاعونٌ أنزل اللَّه بهم ، واللَّه أعلم ، وهذا يحتاجُ إِلَىٰ سندٍ ، وقولهم : { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } لفظ يعمُّ جميع الوسائل بَيْنَ اللَّه وبَيْنَ موسَىٰ من طاعةٍ من موسَىٰ ونعمةٍ من اللَّه تبارك وتعالَىٰ ، ويحتمل أنْ يكون ذلك منهم علىٰ جهَةِ القَسَمِ عَلَىٰ موسَى ، وقولُهم : { لَئِن كَشَفْتَ } أي : بدعائك ، { لَنُؤْمِنَنَّ } { وَلَنُرْسِلَنَّ } قسمٌ وجوابُه ، وهذا عهدٌ من فرعونَ وَمَلَئِهِ ، وروي أنه لما انكشف العذابُ ، قال فرعون لموسى : اذهب ببني إسرائيل حيْثُ شِئْتَ ، فخالفه بعْضُ مَلَئِهِ ، فرجع ونكث ، و « إذا » هنا للمفاجأة ، والأَجَلُ : يراد به غايةُ كُلِّ واحد منهم بما يخصُّه من الهلاكِ والموتِ ؛ كما تقول : أخَّرْتُ كذا إِلى وقْتٍ ، وأنْتَ لا تريد وقْتاً بعينه ، فاللفظ متضمِّن توعُّداً مَّا ، { وَكَانُواْ عَنْهَا غَـٰفِلِينَ } أي : غافلين عما تضمَّنته الآيات من النجاة والهدىٰ . وقوله تعالى : { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا … } الآية : { ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } كنايةٌ عن بني إسرائيل ، و { مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا } . قال الحسنُ وغيره : هي الشامُ . وقالتْ فرقة : يريد الأرضَ كلَّها ؛ وهذا يتَّجه إِمَّا على المَجازِ ؛ لأنه ملَّكهم بلاداً كثيرة ، وإِما على الحقيقة في أَنَّه ملك ذرِّيَّتهم ، وهمْ سليمانُ بنُ دَاوُدٌ ، ويترجَّح التأويل الأَول بوَصْف الأرض بأنها التي بَارَكَ فيها سبحانه . وقوله سبحانه : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ } ، أي : ما سبق لهم في علمه وكلامِهِ في الأزلِ من النَّجَاة من عدوِّهم ، والظهور عليه ؛ قاله مجاهد ، و { يَعْرِشُونَ } قال ابن عباس ومجاهد : معناه : يبنون . قال * ع * : رأيتُ للحسنِ البصريِّ رحمه اللَّه ؛ أنَّه احتجَّ بقوله سبحانه : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ … } إلى آخر الآية ؛ على أنه ينبغي أَلاَّ يخرج عن ملوك السُّوء ، وإِنما ينبغي أنْ يُصْبَر عليهم ؛ فإِن اللَّه سبحانه يدمِّرهم ، ورأَيْتُ لغيره ؛ أنه إِذا قابل الناسُ البلأَ بمثله ، وَكَّلَهُمُ اللَّهُ إلَيْه ، وإِذا قابلوه بالصبر ، وانتظارِ الفَرَجِ ، أتى اللَّه بالفَرَج ، ورُوِي هذا أيضاً عن الحسن .