Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 199-200)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ … } الآية : وصيَّةٌ من اللَّه سبحانه لنبيِّه عليه السلام تعمُّ جميع أمته ، وأَخْذٌ بجميع مكَارِم الأخلاقِ . قال الجمهور : معنى : { خُذِ ٱلْعَفْوَ } ٱقْبَلْ من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عَفْواً ، دون تكلُّف ، فالعَفْوُ هنا : الفَضْل والصفو ، قال مكِّيٌّ ؛ قوله تعالى : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ … } الآية . قال بعض أهْل المعاني ، في هذه الآية بيانُ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : « أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلَمِ » ؛ فهذه الآية قد جَمَعَتْ مَعَانِ كثيرةً ، وفوائدَ عظيمةً ، وجمعتْ كلَّ خُلُقٍ حَسَن ؛ لأَنَّ في أخذ العَفْوِ صلَةُ القاطعينِ ، والصفْحَ عن الظالِمينَ ، وإِعطاءَ المانعين ، وفي الأَمر بالمعروف تَقْوَى اللَّه وطاعته ، وصِلة الرحِمِ ، وصَوْن الجوارحِ عن المحرِّمات ، وسمَّي هذا ونحوه عُرْفاً ؛ لأن كلَّ نَفْس تعرفه ، وتركَنُ إِليه ، وفي الإِعراض عن الجاهلين : الصبرُ ، والحِلْم ، وتنزيهُ النفْس عن مخاطبةِ السفيه ، ومنازعةِ اللَّجوج ، وغيرُ ذلك من الأفعال المرضية . انتهى من « الهداية » . وقوله : { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } : معناه : بكلِّ ما عرفَتْه النفوسُ ممَّا لا تردُّه الشريعة ؛ ومِنْ ذلك : « أَنْ تُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ ، وتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ ، وتَعْفُوَ عَمَّنَ ظَلَمَكَ … » الحديث ، فالعُرْفُ بمعنى المعروف . وقوله عز وجل : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، هذه الآية وصِيَّة من اللَّه سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم تعمُّ أمته رجُلاً رجلاً ، والنَّزْغ : حركةٌ فيها فسادٌ قلَّما تستعملُ إِلا في فَعْلِ الشيطان ؛ لأن حركته مسرِعَةٌ مفسدة ؛ ومنه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يُشِرْ أَحَدُكُمْ عَلَى أخِيهِ بالسِّلاَح ؛ لاَ يَنْزَغِ الشَّيْطَانُ في يَدِهِ " ، فالمعنى في هذه الآية : فإِمَّا تَلُمَّنَّ بك لَمَّةٌ من الشيطان ، فٱستعذْ باللَّه ، وعبارة البخاريِّ : يَنْزَغَنَّكَ : يستَخِفَنَّكَ . انتهى . وَنَزْغُ الشيطان عامٌّ في الغَضَبِ ، وتحسينِ المعاصِي ، واكتساب الغوائل ، وغير ذلك وفي « جامع الترمذيِّ » عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ : " إِن لِلْمَلَكِ لَمَّةً ، وللشَّيْطَانِ لَمَّةً … " الحديث . قال * ع * : عن هاتين اللَّمّتَيْنِ : هي الخواطِرُ من الخير والشر ، فالآخِذُ بالواجبِ يلقى لَمَّةَ المَلَك بِٱلامتثالِ وٱلاستدامةِ ، وَلَمَّةَ الشيطانِ بالرفْضِ وٱلاستعاذةِ ، وٱستعاذ : معناه : طَلَب أَنْ يُعَاذَ ، وعَاذَ : معناه : لاذ ، وٱنضَوَى ، وٱسْتَجَارَ . قال الفَخْر : قال ابنُ زيد : " لما نَزَل قوله تعالى : { وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : « كَيْفَ يَا رَبِّ ، والغَضَبُ ؟ فَنَزَل قولُه : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ } » " ، وقوله : { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يدلُّ علَى أن ٱلاستعاذَة لا تفيدُ إِلاَّ إِذا حضر في القَلْبِ العِلْمُ بمعنى ٱلاستعاذة ، فكأنه تعالَى قال : ٱذكُرْ لَفْظَ ٱلاستعاذةِ بلسانك ؛ فإن سميعٌ ، وٱسْتَحْضِرْ معاني ٱلاستعاذة بِعَقْلِكَ وقَلْبِك ؛ فإِني عَليمٌ بما في ضَمِيركَ ، وفي الحقيقة : القوْلُ اللسانيُّ دون المعارفِ العقليَّة ، عديمُ الفائدة والأثر . انتهى .