Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 29-35)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } قال ابن عباس وجمهور الناس : معناه مُغَيِّرَةٌ للبَشَرَاتِ ومُحَرِّقَةٌ للجُلودِ مُسَوِّدَة لها ، فالبَشَرُ جَمْع بَشَرَةٍ ، وقال الحسن وابن كَيْسَانَ : { لَوَّاحَةٌ } بِنَاء مبالغَةٍ من لاَحَ يَلُوحُ إذا ظَهَرَ ، فالمعنى أنها تظهرُ للناسِ وهم البَشَرُ من مسيرةِ خَمْسِمِائَةِ عامٍ ، وذلك لعظمِها وهَوْلِهَا وزفيرها . وقولُه تعالى : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } لاَ خِلاَفَ بينَ العلماءِ أنهم خَزَنَةُ جهنمَ المحيطونَ بأمْرِها الذين إليهم جِمَاع أمْرِ زبانِيَتِها ، ورُوِي أن قريشاً لما سَمِعَتْ هذا كَثُرَ لَغَطُهم فيه ، وقالوا : ولَوْ كَانَ هذا حقاً ، فإن هَذَا العَدَدَ قليلٌ ، وقالَ أبو جهل : هؤلاء تسعةَ عشَرَ ، وأنْتُمْ الدُّهْمُ أي : الشُّجْعَانُ : أفَيَعْجَزُ عشرةٌ منا عن رجلٍ منهم إلى غير هذا من أقوالهم السخيفةِ . وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَـئِكَةً } تَبْيينٌ لفسادِ أقوالِ قريشٍ ، أي : إنا جَعَلْنَاهم خَلْقاً لا قِبَلَ لاًّحَدٍ من الناس بهم وجعلنا عِدَّتَهم هذا القدرَ فتنةً للكفارِ لِيَقَع منهم من التعاطِي والطَّمَعِ في المغالَبَةِ ما وقع ، ولِيَسْتَيْقِنَ أهلُ الكتابِ التوراةِ والإنجيلِ أنَّ هذا القرآنَ مِنْ عندَ اللَّهِ ، إذْ هُمْ يَجِدُونَ هذهِ العدةَ في كُتُبِهم المنزَّلةِ ، قال هذا المعنى ابنُ عباسٍ وغيرُه ، وبوُرُودِ الحقائقِ من عندِ اللَّه ـــ عز وجل ـــ يَزْدَادُ كلُّ ذِي إيمانٍ إيمَاناً ، ويَزُولُ الرَّيْبُ عَنِ المُصَدِّقِينَ مِنْ أهْلِ الكتابِ ومِنَ المؤمنين . وقوله سبحانه : { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ … } الآية ، نوعٌ من الفتنةِ لهذا الصِّنفِ المنافِق أو الكافرِ ، أي حَارُوا وَلَمْ يَهْتَدُوا لِمَقْصِدِ الحقِ ، فجعلَ بَعْضُهم يَسْتَفْهِمُ بَعْضاً عن مرادِ اللَّه بهذا المثل ، استبعاداً أنْ يكونَ هذا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، قال الحسين بن الفضل : السورة مكيَّةٌ وَلَمْ يكن بمكةَ نِفَاقٌ وإنَّما المرض في هذه الآيةِ الاضْطِرَابُ وضَعْفُ الإيمانِ ، ثم قَالَ تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } إعْلاماً بأن الأمْرَ فَوْقَ ما يُتَوَهَّمُ ، وأنَّ الخبرَ إنما هُو عَنْ بَعْضِ القدرةِ لاَ عَنْ كُلِّها ، * ت * : صوابُه أنْ يقولَ عَنْ بَعْضِ المقدوراتِ لاَ عَنْ كُلِّها ؛ وهذا هو مُرَادُه ، ألاَ تَرَاهُ قال في قوله تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ } [ البقرة : 255 ] قال : يعني بشيءٍ مِنْ مَعْلُومَاتِه ؛ لأنّ علمَه تعالى لاَ يَتَجَزَّأُ ، فافْهم رَاشِداً ، والسمٰواتُ كُلُّها عامرةٌ بأَنواعٍ من الملائِكَةِ ؛ كلُّهم في عبادَةٍ مُتَّصِلَةٍ وخُشُوعٍ دائمٍ ، لا فَتْرَةَ في شيءٍ من ذلك ، ولا دَقِيقَةً واحدة ، قال مجاهد : والضميرُ في قوله : { وَمَا هِىَ } للنارِ المذكورةِ ، أي : يُذَكَّرُ بهَا البشرُ فَيَخَافُونَها ، فيطيعونَ اللَّه ، وقال بعضهم : قوله : { وَمَا هِىَ } يرادُ بها الحالُ والمخَاطبةُ والنِّذَارَةُ ، وأقْسَمَ تعالى بالقَمَرِ وما بَعدَه تَنْبيهاً عَلَى النَّظَرِ في ذلكَ والفكرِ المؤدِّي إلى تعظيمهِ تعالَى وتحصيلِ معرفتِه تعالى مَالكِ الكلِّ وقوامِ الوُجُودِ ، ونورِ السماواتِ والأرضِ ، لاَ إلٰهَ إلاَّ هو العزيزُ القهارُ ، وأدْبَرَ الليلُ معناه ولّى ، وأسْفَرَ الصبح أضَاءَ وانتشرَ ضوؤه ، قال ابن زيد وغيره : الضميرُ في قوله : { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } لجهنمَ ، ويحتملُ أنْ يكُونَ الضميرُ للنِّذَارَةِ وأمْرِ الآخرة ؛ فهو للحالِ والقِصَّة ، * ص * : والكُبَرُ جَمْعُ كُبْرى ، وفي * ع * : جَمْعُ كبيرةٍ ولَعَلَّه وَهْمٌ من الناسِخ ، انتهى .