Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-13)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } . القَصْدُ تعديد نِعَمِهِ سبحانه على المؤمنين في يوم بَدْرٍ ، والتقدير : اذكروا إذ فعلنا بكم كذا ، وإذ فعلنا كذا ، والعامل في « إذا » « اذكروا » وقرأ نافع : « يُغْشِيكُم » - بضم الياء ، وسكون الغين - وقرأ حمزة وغيره : { يُغَشِّيكم } - بفتح الغين وَشَدِّ الشين المكسورة ، وقرأ ابن كثير وغيره : « يَغْشَاكم » - بفتح الياء وألف بعد الشين - « النُّعَاسُ » بالرفع ، ومعنى { يُغَشِّيكُمُ } : يغطيكم ، والنُّعَاسُ أَخَفُّ النوم ، وهو الذي يصيب الإِنْسَانَ ، وهو واقف أو مَاشٍ ، وينص على ذلك قَصَصُ هذه الآية ؛ أنهم إنما كان بهم خَفْقٌ بالرُّؤُوس ، وقوله : { أَمَنَةً } مصدر من أَمِنَ يَأْمَنُ أَمْنَاً وأَمَنَةً وأَمَاناً ، والهاء فيه لتأنيث المصدر ، كما هي في المَسَاءَةِ والحَمَاقَةِ والمَشَقَّةِ . وروي عن ابن مَسْعُودٍ أنه قال : النُّعَاسُ عند حضور القِتَالِ عَلاَمَةُ أمن ، وهو من اللَّه ، وهو في الصَّلاَةِ من الشيطان . قال * ع * : وهذا إنما طريقه الوَحْيُ ، فهو لا مَحَالَةَ يسنده وقوله سبحانه : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } . وذلك أن قَوْماً من المؤمنين لحقتهم جَنَابَاتٌ في سفرهم ، وعدموا المَاءَ قَرِيبَ بَدْرٍ ، فصلوا كذلك ، فَوَسْوَسَ الشيطان في نفوس بعضهم مع تخويفه لهم من كثرة العَدُوِّ وقلتهم ، وأيضاً فكانت بينهم وبين مَاءِ بَدْرٍ مَسَافَةٌ ، من رمل دَهْسٍ تَسُوخُ فيها الأَرْجُلُ ، فكانوا يتوقعون أن يسبقهم الكُفَّارُ إلى ماء بدر ، فأنزل اللَّه تلك المَطَرَةَ فَسَالَتِ الأودية ، فاغتسلوا ، وطهرهم اللَّه تعالى فذهب رِجْزُ الشيطان ، وَتَدَمَّثَ الطريق ، وتَلَبَّدَتْ تلك الرِّمَالُ ، فسهل اللَّه عليهم السير ، وأمكنهم الإسراع حتى سبقوا إلى ماءَ بَدْرٍ ، وأصاب المشركين من ذلك المَطَرَ ما صَعَّبَ عليهم طريقهم ، فسر المؤمنون ، وتبينوا من فِعْلِ اللَّه بهم ذلك قَصْدَ المعونة لهم ، فطابت نفوسهم ، واجتمعت ، وتَشَجَّعَتْ ، فذلك الرَّبْطُ على قلوبهم ، وتثبيت أقدامهم على الرملة اللَّيِّنَةِ . والضمير في « به » على هذا الاحتمال عَائِدٌ على الماء ، ويحتمل عَوْدُهُ على رَبْطِ القلوب ، ويكون تثبيت الأقدام عِبَارَةً عن النصر والمعونة في مَوْطِنِ الحَرْبِ ، ونزول الماء كان في الزمن قبل تَغْشِيَةِ النعاس ، ولم يترتب كذلك في الآية ، إذ القَصْدُ فيها تَعْدِيدُ النعم فقط . وقوله سبحانه : { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وتثبيتهم يكون بقتالهم ، وبحضورهم ، وبأقوالهم المُؤْنِسَةِ ، ويحتمل أن يكون التَّثْبِيتُ بما يلقيه المَلَكُ في القلب بِلَمَّتِهِ من تَوَهُّمِ الظَّفَرِ ، واحتقار الكفار ، وبخواطر تشجعه . قال * ع * : ويقوي هذا التأويل مطابقة قوله تعالى : { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } وعلى هذا التأويل يجيء قوله : { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } مخاطبة للملائكة ، ويحتمل أن يكون مخاطبة للمؤمنين . وقوله سبحانه : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَـٰقِ } قال عكرمة : هي على بابها ، وأراد الرؤوس ، وهذا أنبل الأقوال . قال * ع * : ويحتمل عندي أن يريد وَصْفَ أبْلَغِ ضربات العنق وأحكمها ، وهي الضربة التي تكون فَوْقَ عَظْمِ العنق دون عَظْمِ الرأس في المفصل ، كما وصف دريد بن الصِّمَّة ، فيجيء على هذا فوق الأَعْنَاقِ متمكناً . والبَنَان : قالت فرقة : هي المَفَاصِلُ ؛ حيث كانت من الأعضاء . وقال فرقة : البنان الأصابع ، وهذا هو الصحيح ؛ لأنه إذا قطع البنان لم ينتفع صَاحِبُهُ بشيء من أعضائه واستأسر . و { شَاقُّواْ } : معناه خالفوا ونَابَذُوا ، وقطعوا ، وهو مأخوذ من الشَّقِّ ، وهو القَطْعُ والفَصْلُ بين شيئين ، وعبر المفسرون عن قوله : { شَاقُّواْ } أي : صاروا في شق غير شقه . قال * ع * : وهذا وإن كان معناه صَحِيحاً ، فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذَكَرْنَاهُ ، وقوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } جَوَابٌ ، للشرط تضمن وَعِيداً وَتَهْدِيداً .