Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 7-10)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ … } الآية : في هذه الآية قَصَصٌ حَسَنٌ ، محل استيعابه « كتاب سيرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم » لابن هِشَامٍ ، واختصاره : " أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما بلغه ، وقيل : أوحي إليه أن أبا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ ، قد أَقبل من « الشام » بالعِيرِ التي فيها تجارة قُرَيْشٍ وأموالها قال لأصحابه : إن عِيرَ قريش قد عَنّتْ لكم ، فٱخرجوا إليها ، لعل اللَّه أن يَنْفُلَكُمُوها . قال : فانبعث معه من خَفَّ ، وثَقُلَ قوم ، وكرهوا الخروح ، وأسرع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يَلْوِي على من تَعَذَّرَ ، ولا ينظر من غاب ظهره ، فسار في ثلاث مائة وثلاثة عشر ، أو نحو ذلك من أصحابه بين مُهَاجِرِيٍّ وأَنْصَارِيٍّ ، وقد ظَنَّ الناس بأجمعهم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يلقى حَرْباً ، فلم يكثر اسْتِعْدَادُهُمْ ، وكان أبو سُفْيَانَ في خلال ذلك يَسْتَقْصِي ، ويحذر ، فلما بلغه خُرُوجُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث ضَمْضَمَ بْنَ عَمْروٍ الغفاري إلى « مكة » يَسْتَنْفِرُ أهلها ، ففعل ضمضم ، فخرج أهل « مكة » في ألف رَجُل ، أو نحو ذلك ، فلما بلغ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خروجهم أَوْحَىٰ اللَّه إِليه وَحْياً غير مَتْلُو يَعِدُهُ إِحدى الطَّائِفَتَيْنِ ، فَعَرَّفَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك ، فَسرُّوا ، وَوَدُّوا أن تكون لهم العِيرُ التي لا قِتَالَ معها ، فلما علم أبو سفيان بِقُرْبِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منه أخذ طَرِيقَ الساحل ، وأبعد وفات ، ولم يبق إلا لقاء أهل « مكة » ، وأشار بعض الكُفَّارِ على بَعْضِ بالانصراف ، وقالوا : هذه عِيرُنَا قد نَجَتْ ، فلننصرف فحرش أبو جهل وَلَجَّ ، حتى كانَ أَمْرُ الواقعة . وقال بعضٍ المؤمنين : نحن لم نخرج لِقِتَالٍ ، ولم نَسْتَعِدَّ له ، فجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ ، وهو بِوَادٍ يسمى « دَقران » وقال : أشيروا علي أيها النَّاسُ ، فقام أبو بَكْرٍ ، فتكلم ، وأحسن ، وحَرَّضَ الناس على لقاء العدو ، فأعاد رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الاسْتِشَارَةَ ، فَقَامَ عمر بِمِثْلِ ذلك ، فأعاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الاسْتِشَارَةَ ، فتكلم المِقْدَادُ بْنُ الأسود الكندي ، فقال : لا نقول لك يَا رَسُولَ اللَّه كما قالت بَنُو إِسرائيل : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، ولكن نَقُولُ : إِنا معكما مقاتلون ، واللَّه لو أردت بنا برك الغماد يعني مدينة « الحبشة » لَقَاتَلْنَا معك من دُونِهَا ، فسر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكلامه ، ودعا له بخير ، ثم قال : أشيروا علي أيها النَّاسُ ، فكلمه سعد بنُ مُعَاذٍ ، وقيل : سعد بن عبادة ، ويحتمل هما معاً ؛ فقال : يا رسول اللَّه ، كأنك إيانا تُريدُ مَعْشَرَ الأنصار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجل ، فقال : إنا قد آمَنَّا بك ، واتبعناك ، وبَايَعْنَاكَ ، فامضِ لأَمْرِ اللَّه ، فواللَّه لو خُضْتَ بنا هذا البَحْرَ لَخُضْنَاهُ معك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « امضوا على بَرَكَةِ اللَّه ، فكأني أنظر إلى مَصَارِعِ القوم » فالتقوا وكانت وقعة بدر " . * ت * : وفي « صحيح البخاري » من حَدِيثِ عائشة ، في خروج أبي بكر من « مكة » فلقيه ابن الدّغنة عند برك الغمَادِ الحديث ، وليست بمدينة « الحبشة » من غير شَكٍّ . فاللَّه أعلم ، ولعلهما مَوْضِعَان . انتهى . و { ٱلشَّوْكَةِ } عبارة عن السِّلاَحِ والحِدَّةِ . وقوله سبحانه : { وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَـافِرِينَ } المعنى : ويريد اللَّه أن يُظْهِرَ الإِسلام ، ويعلي دعوة الشَّرْعِ بكلماته التي سَبَقَتْ في الأَزَلِ ، والدابر الذي يدبر القَوْمَ ، أي يأتي آخرهم ، وإِذا قطع فقد أتى على آخرهم بشَرْطِ أَن يبدأ الإهلاك من أولهم ، وهي عبارة في كل من أتى الهَلاَكُ عليه . وقوله سبحانه : { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ } أي : ليظهر الحق الذي هو دِينُ الإسلام ، و { وَيُبْطِلَ ٱلْبَـٰطِلُ } ، أي الكفر ، و { تَسْتَغِيثُونَ } معناه : تَطْلُبُونَ الغَوْثَ ، و { مُمِدُّكُم } أي : مكثركم ، ومقويكم من : أَمْدَدْتُ ، و { مُرْدِفِينَ } معناه : متبعين . وقرأ سائر السبعة غير نافع : « مردفين » - بكسر الدال - ، ونافع بفتحها ، وروي عن ابن عَبَّاسٍ : خَلْفَ كل مَلَكٍ مَلَكٌ ، وهذا معنى التتابع ، يقال : رَدِفَ وأَرْدَفَ ؛ إِذا اتبع ، وجاء بعد الشَّيْءِ ، ويحتمل أن يُرَادُ مُرْدِفِينَ للمؤمنين ، ويحتمل أن يُرَادَ مردفين بعضهم بَعْضَاً ، وأنشد الطبري شَاهِداً على أن أرْدَفَ بمعنى جاء تَابِعاً قَوْلَ الشاعر : [ الوافر ] @ إِذَا الجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا @@ والثرَيَّا تطلع قبل الجَوْزَاءِ . وروي في « الصحيح » : الأشهر أن المَلاَئِكَةَ قاتلت يَوْمَ بَدْرٍ . واختلف في غيره ؛ قال ابن إسحاق : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّه بن أبي بكر ؛ أنه حُدِّثَ عن ابن عباس ، أنه قال : حدثني رَجُلٌ من بني غِفَارٍ ، قال : أقبلت أنا وابن عَمٍّ لي حتى صَعَدْنَا في جَبَل يُشْرِفُ بنا على بَدْرٍ ، ونحن مشركان ننتظر الوَقْعَةَ على من تكون ، فَنَنْتَهِبُ مع من يَنْتَهِبُ . قال : فبينما نحن في الجَبَلِ ، إذ دنت منا سَحَابَةٌ ، فسمعنا فيها حَمْحَمَةَ الخَيْلِ ، فسمعت قائلاً يقول : أقدمَ حَيْزُوْم ، فأما ابن عمي ، فانكشف قِنَاعُ قَلْبِهِ ، فمات مكانه ، وأما أنا فَكِدْتُ أَهْلَكُ ، ثم تَمَاسَكْتُ . قال ابن إسحاق : وحدثني عَبْدُ اللَّه بن أبي بَكْرٍ عن بعض بني سَاعِدَةَ عن أبي سعيد مالك بن رَبِيعَةَ ، وكان شهد بَدْراً ، قال بعد أن ذهب بَصَرُهُ : لو كنت اليوم ببدر ، ومعى بَصَرِي لأريتكم الشِّعْبَ الذي خَرَجَتْ منه المَلاَئِكَةُ لا أَشَكُّ ولا أَتَمَارَى . ٱنْتَهى من « سيرة ابن هِشَامٍ » . وقوله سبحانه : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } الضمير في « جعله » عائد على الوَعْدِ ، وهذا عندي أَمْكَنُ الأقوال من جهة المَعْنَى . وقيل : عائد على المَدَدِ ، والإِمداد . وقيل : عائد على الإرداف . وقيل : عائد على الأَلْف ، وقوله : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } توقيف على أن الأَمْرَ كُلَّهُ للَّه وأن تَكَسُّبَ المَرْءِ لا يغني ، إذا لم يساعده القَدَرُ ، وإن كان مَطْلُوباً بالجِدِّ ، كما ظاهر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين درعين .