Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-26)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ … } الآية : { ٱسْتَجِيبُواْ } بمعنى : أجيبوا وقوله : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } قال مجاهد والجمهور : المعنى للطاعة ، وما يتضمنه القرآن ، وهذا إحياء مستعار ؛ لأنه من مَوْتِ الكفر والجهل ، والطَّاعَةُ تؤدي إلى الحَيَاةِ الدائمة في الآخرة . وقوله سبحانه : { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } يحتمل وجوهاً : منها : أنه لما أمرهم سبحانه بالاستجابة في الطاعة ، حضَّهم على المبادرة والاستعجال ، وأعلمهم أنَّه يحولُ بين المرء وقَلْبه بالموت والقَبْض ، أي : فبادروا الطاعات ، ويلتئم مع هذا التأويلِ قوله : { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، أي : فبادروا الطاعات ، وتزوَّدوها ليوم الحَشْر . ومنها : أن يقصد إِعلامهم أن قُدْرة اللَّه وعلْمه وإِحاطته حائلةٌ بين المرء وقلبه ، فكأن هذا المعنَى يحضُّ على المراقبة والخَوْفِ للَّه المُطلَّع على الضمائر ؛ حُكِيَ هذا التأويلُ عن قتادة ويحتملُ أن يريد تخويفهم ؛ إِنْ لم يمتثلوا الطَّاعات ، ويستجيبوا للَّه وللرَّسول ؛ أَنْ يَحُلَّ بهم ما حل بالكفَّار الذين أرادهم بقوله : { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] ؛ لأن حَتْمهُ عليهم بأنهم لو سَمِعُوا لم ينتفعوا يقتضِي أنه كان قد حال بينهم وبَيْنَ قلوبهم . ومنها : أنْ يكون المعنَى ترجيةً لهم بأنَّ اللَّه يبدِّل الخوف الذي في قلوبهم مِنْ كثرة الَعدُوِّ ، فيجعله جراءةً وقوةً ، وبضدِّ ذلك للكفَّار ، أي : فإِن اللَّه تعالَى هو مقلِّب القلوب ؛ كما كان قسم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقيل غير هذا . قال مكِّيٌّ ، وقال الطبريُّ : هذا خبر من اللَّه عز وجلَّ ؛ أنه أَمْلَكُ بقلوبِ العباد منهم لها ، وأنه يحولُ بينهم وبينها إِذا شاء حتى لا يُدْرِك الإِنسان شيئاً من إِيمان ولا كُفْر ، ولا يعي شيئاً ، ولا يفهم شيئاً إِلا بإذنه ومشيته سبحانه ، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول في دعائه : " « يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي علَى دِينِكَ » " انتهى من « الهداية » . وروى مالكُ بن أنس والنسائي ، " أن رَسُولَ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم دَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْب وهو في الصَّلاَة ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، وأَسْرَعَ في بَقِيَّةِ صَلاَتِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ؟ قال أُبَيٌّ : لاَ جَرَمَ ، يا رَسُولَ اللَّهِ ، لاَ تَدْعُونِي أَبَدَاً إِلاَّ أَجَبْتُكَ … » " الحديث بطوله ، واختلاف ألفاظه ، وفي « البخاريِّ ومسلم » ؛ أن ذلك وقع مع أبي سَعِيدِ بن المُعَلَّىٰ ، وروي أنه وقع نحوه مع حُذَيْفَة بن اليَمَانِ في غزوة الخَنْدَق . وقوله : عزَّ وجلَّ : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } في الآية تأويلاتٌ ، أسبقها إِلى النفْسِ ، أن اللَّه سبحانه حذَّر جميع المؤمنين من فتنة إِن أصابَتْ لم تخصَّ الظلمة فقطْ ، بل تصيبُ الكُلَّ من ظالمٍ وبريءٍ ، وهذا تأويلُ الزُّبَيْر بن العَوَّام ، والحسنِ البَصْرِيِّ ، وكذلك تأويل ابن عباس ؛ فإنه قال : أمر اللَّه المؤمنين في هذه الآية ألاَّ يقروا المُنْكَرَ بين أظهرهم ، فيعمَّهم العذاب و { خَاصَّةً } : نعت لمصدرٍ محذوف ، تقديره إِصابةً خاصةً ، فهي نصب على الحال ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وغيره : « لتُصِيبَنَّ » - باللام - على جواب قسم ، والمعنَى على هذا : وعيدٌ للظلمة فقط . وقوله سبحانه : { وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ … } الآية : هذه الآية تتضمَّنِ تعديد نِعَم اللَّه على المؤمنين ، و « إذ » : ظرفٌ لمعمول ، « وَٱذْكُرُواْ » : تقديره : وٱذكروا حالَكُم الكائنةً ، أو الثابتَةَ إذْ أنتم قليل ، ولا يجوزُ أنْ تكون « إذْ » ظرفاً للذِّكْر . وإِنما يعمل الذِّكْرُ في « إذْ » لو قدَّرناها مفعولة ، واختلف في الحال المشار إِليها بهذه الآية . فقَالَتْ فرقَةٌ ؛ وهي الأكثر : هي حالُ المؤمنين بمكَّة في وقْتِ بداءةِ الإسلام ، والنَّاس الذين يُخَافُ تخطُّفُهم كُفَّار مكَّة ، والمأْوَى : المدينةُ ، والتأييدُ بالنَّصْر : وَقْعَةُ بَدْرٍ وما ٱنْجَرَّ معها في وقتها ، والطيبات : الغنائم وسائر ما فتح الله عليهم به ، وقالتْ فرقة : الحال المشارُ إليها هي حالهم في غزوة بَدْرٍ ، والناس الذين يُخَافُ تخطُّفهم ، على هذا : عسكر مكَّة وسائر القبائل المجاورة ، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتخوَّف من بعضهم ، والمأوى على هذا ، والتأييد بالنصر : هو الإِمداد بالملائكَةِ والتغليبُ على العدو ، والطَّيِّبَات : الغنيمة .