Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-63)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } جَنَحَ الرَّجُلُ إِلى الأمْرِ ؛ إِذا مال إِليه ، وعاد الضميرُ في « لها » مؤنَّثاً ؛ إِذ « السَّلْم » بمعنى ٱلمسَالَمَة والهُدْنَة ، وذهب جماعةٌ من المفسِّرين إِلى أَن هذه الآية منسوخةٌ ، والضمير في « جَنَحُوا » هو للذين نُبِذَ إِليهم على سواءٍ . وقوله سبحانه : { وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ … } الآية : الضمير في قوله : « وإِن يريدوا » عائدٌ على الكفَّار الذين قال فيهم : { وَإِن جَنَحُواْ } ، أي : { وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ } ، بأنْ يُظْهِروا السَّلْم ، ويُبْطِنُوا الغَدْر والخيانة ، { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } ، أي : كافيك ومعطيك نَصْرَه ، و { أَيَّدَكَ } : معناه : قوَّاك { وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } ، يريد الأنصارَ ، بذلك تظاهَرَتْ أقوالُ المفسَّرين . وقوله : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ … } الآية : إشارةٌ إِلى العدواة التي كانَتْ بين الأوْسِ والخَزْرَجِ . قال * ع * : ولو ذَهَبَ ذاهبٌ إِلى عمومِ المؤمنين في المهاجرين والأنصارِ ، وجعل التأليف ما كَانَ بيْنَ جميعهم من التحابِّ ، لساغ ذلك ، وقال ابنُ مَسْعُود : نزلَتْ هذه الآية في المتحابِّين في اللَّه . وقال مجاهد : إِذا تَرَاءَى المتحابَّانِ في اللَّه ، وتصَافَحَا ، تَحَاتَّتْ خطاياهما ، فقال له عَبْدَةُ بنُ أبي لُبَابَةَ : إِن هذا لَيَسِيرٌ ، فقال له : لا تَقُلْ ذلك ، فإِن اللَّه تعالَى يَقُولُ : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } ، قال عَبْدَةُ : فعرفْتُ أنه أفْقَهُ مني . قال * ع * : وهذا كلُّه تمثيلٌ حَسَنٌ بالآية ، لا أنَّ الآية نزلَتْ في ذلك ، وقد رَوَى سهْلُ بن سعد ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : " المؤمن مَألَفَةٌ لاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤلَفُ " . قال * ع * : والتشابه سَبَبُ الأُلْفَة ، فمَنْ كان من أهْل الخَيْر ، أَلِفَ أشباهَهُ وأَلِفُوهُ . * ت * : وفي « صحيح البخاريِّ » : " الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فما تَعَارَفَ مِنْهَا ٱئْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا ٱخْتَلَفَ " انتهى ، وروى مالكٌ في « الموطإ » ، عن أبي هريرة قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ : أَيْنَ المُتَحَابُّونَ لَجَلاَلي ؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي " . قال أبو عمر بن عبد البَرِّ في « التمهيد » : ورُوينا عن ابنِ مسعود ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنه قال : " يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، أَتَدْرِي ، أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : الوِلاَيَةُ في اللَّهِ : الحُبُّ والبُغْضُ فِيهِ " ، ورواه البراءُ بنُ عَازِبٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أيضاً ، وعن عبد اللَّهِ في قوله تعالى : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } ، قال : نزلَتْ في المتحابِّين في اللَّه قال أبو عمر : وأما قوله : الَيْومَ أُظلُّهُمْ فِي ظِلِّي ، فإِنه أراد - واللَّه أعلم في ظلِّ عرشه ، وقد يكونُ الظِّلُّ كنايةً عن الرحْمةِ ؛ كما قال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلَـٰلٍ وَعُيُونٍ } [ المرسلات : 41 ] ، يعني : بذلك مَا هُمْ فيه مِنَ الرحمة والنعيم . انتهى .