Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 101-103)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الآية . لمَّا بيَّن في الآيات السَّالفة أنَّ الإيمان لا يحصلُ إلا بتخليق الله تعالى ومشيئته ، أمر بالنَّظَرِ والاستدلال في الدَّلائل فقال : " قُلِ ٱنظُرُواْ " . قرأ عاصم وحمزةُ " قُلِ انظُرُوا " بكسر اللام لالتقاء الساكنين ، والأصل فيه الكسر ، والباقون بضمها نقلوا حركة الهمزة إلى اللاَّمِ . قوله : " مَاذَا " يجوز أن يكون " مَاذَا " كله استفهاماً مبتدأ ، و " فِي ٱلسَّمواتِ " خبرهُ أي : أيُّ شيءٍ في السَّمواتِ ؟ ويجوزُ أن تكون " ما " مبتدأ ، و " ذَا " بمعنى الذي ، و " فِي ٱلسَّمواتِ " صلته وهو خبرُ المبتدأ ، وعلى التقديرين فالمبتدأ وخبره في محلِّ نصبٍ بإسقاطِ الخافض لأنَّ الفعل قبله معلقٌ بالاستفهام ، ويجوز على ضعفٍ أن يكون " ماذا " كله موصُولاً بمعنى " الَّذي " وهو في محل نصبٍ بـ " انُظُروا " . ووجهُ ضعفه أنَّهُ لا يخلو : إمَّا أن يكون النظر بمعنى البصر فيعدَّى بـ " إلى " ، وإمَّا أن يكون قلبيّاً فيُعَدَّى بـ " في " ، وقد تقدَّم الكلامُ في " ماذا " . فصل المعنى : قل للمشركين الذين يسألونك عن الإيمانِ : { ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } واعلم أنَّه لا سبيل إلى معرفةِ الله تعالى إلاَّ بالنَّظر في الدَّلائل . قال عليه الصلاة والسلام : " تفكَّرُوا في الخَلْقِ ولا تتفَكَّرُوا في الخالِق " والدَّلائل إمَّا أن تكون من عالمِ السموات ، أو من عالم الأرض ، أمَّا الدلائل السماوية ، فهي حركات الأفلاك والكواكب ومقاديرها ، وما يختص به كل واحد منها ، وأمَّا الدلائل الأرضية ، فهي النظر في أحوال العناصر العلوية ، وفي أحوال المعادن والنبات ، وأحوال الإنسان ، وينقسم كل واحد من هذه الأجناس إلى أنواع لا نهاية لها . ولو أنَّ الإنسان أخذ يتفكرُ في كيفية حكمة الله تعالى في تخليق جناح بعوضة لانقطع عقلهُ قبل أن يصل إلى أوَّل مرتبة من مراتب تلك الفوائد . ثم لمَّا أمر بهذا التفكُّر بيَّن بعده أنَّ هذا التَّفكر والتَّدبر في هذه الآيات لا ينفعُ في حقِّ من حكم الله عليه في الأزلِ بأنَّه لا يؤمن فقال : { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } . قوله : " وَمَا تُغْنِي " يجوز في " ما " أن تكون استفهامية ، وهي واقعةٌ موقع المصدر أي : أيَّ غناءٍ تُغني الآيات ؟ ويجوزُ أن تكون نافيةً ، وهو الظَّاهرُ . وقال ابن عطية : ويحتملُ أن تكون " ما " في قوله : " وما تُغْنِي " مفعولة بقوله : " انظُرُوا " معطوفة على قوله : " مَاذَا " أي : تأمَّلُوا قدر غناء الآيات والنُّذُر عن الكُفَّار . قال أبو حيان : وفيه ضعفٌ ، وفي قوله : معطوفةٌ على " ماذا " تجوُّزٌ ، يعنى أنَّ الجملة الاستفهامية التي هي " مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ " في موضع المفعول ؛ لأنَّ " ماذا " وحدهُ منصوبٌ بـ " انظُرُوا " فتكون " مَاذَا " موصولة ، و " انظُرُوا " بصرية لما تقدَّم من أنَّه لو كانت بصرية لتعدَّت بـ " إِلَى " . و " النُّذُرُ " يجوزُ أن يكون جمع " نَذِير " ، المرادُ به المصدر فيكون التقدير : وما تُغْنِي الآياتُ والإنذارات ، وأن يكون جمع " نذير " مراداً به اسم الفاعل بمعنى منذر فيكون التقدير والمُنْذِرُونَ وهم الرُّسُلُ . وقرىء " وما يُغْنِي " بالياء . قوله : { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ } يعني : مشركي مكَّة إلاَّ مثلَ أيَّام الذين خلوا مضوا " من قَبلِهِمْ " من مُكَذِّبي الأمم . قال قتادةُ : " يعني وقائع الله في قوم نوح ، وعاد ، وثمود " والعربُ تُسمِّي العذاب والنِّعم أياماً ، كقوله : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } [ إبراهيم : 5 ] وكُلُّ ما مضى عليك من خَيْرٍ وشرٍّ فهو أيَّام ثم إنَّه تعالى أمره بأن يقول لهم { فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } . قوله : { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } قال الزمخشريُّ : هو معطوفٌ على كلامٍ محذوف يدلُّ عليه قوله : { إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ } [ يونس : 102 ] كأنَّه قيل : نُهلكُ الأمم ثم نُنَجِّي رسلنا ، معطوفٌ على حكايةِ الأحوالِ الماضية . قرأ الكسائي في رواية " نصر " نُنْجِي " خفيفة ، والباقون : مشددة ، وهما لغتان ، وكذلك في قوله " نُنْجِ المُؤمنينَ " والمعنى : ننجي رسلنا ، والذين آمنوا معهم عند نزول العذابِ . معناه : نَجَّينَا ، مستقبلٌ بمعنى الماضي ، ونجَّيْنَا وأنْجَيْنَا بمعنى واحد " كذلِكَ " كما نَجَّيْناهم " حَقًّا " واجباً { عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . قوله : " حقّاً " فيه أوجهٌ : أحدها : أن يكون منصوباً بفعل مُقَدَّر أي : حقَّ ذلك حقّاً . والثاني : أن يكون بدلاً من المحذوف النَّائب عنه الكافُ تقديره : إنجاء مثل ذلك حقّاً . والثالث : أن يكون " كذلك " و " حقًّا " منصوبين بـ " نُنْجِ " الذي بعدهما . والرابع : أن يكون " كَذلِكَ " منصوباً بـ " نُنَجي " الأولى ، و حقّاً بـ " نُنْجِ " الثَّانية . وقال الزمخشري : مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم ، ونهلك المشركين ، وحقّاً علينا اعتراضٌ ، يعني حقَّ ذلك علينا حقّاً . وقرأ الكسائيُّ وحفصٌ " نُنْجي المؤمنين " مخففاً من أنجى يقال : أنْجَى ونجَّى . كأنزل ونزَّل ، وجمهور القرَّاءِ لم ينقلوا الخلاف إلاَّ في هذا دون قوله : { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } [ يونس : 92 ] ودون قوله { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } [ يونس : 103 ] . وقد نقل أبو علي الأزهري الخلافَ فيهما أيضاً ، ورسِمَ في المصاحف بجيم دون ياء . فصل قال القاضي : قوله " حقًّا عليْنَا " المرادُ به الوجوب ؛ لأنَّ تخليصَ الرَّسُول - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه - والمؤمنين من العذاب إلى الثَّواب واجبٌ ، ولولاهُ ما حسن من الله تعالى أن يلزمهم الأفعال الشَّاقَّة ، وهذا يجري مجرى قضاء الدَّين . والجوابُ ، بأن نقُول : إنَّه حقٌّ بحسب الوعْدِ والحُكْمِ ، ولا نقُولُ إنَّهُ حقٌّ بحسب الاستحقاق لما ثبت أنَّ العبد لا يستحقُّ على خالقه شيئاً .