Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 13-17)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ } الآية . لما حكى عنهم أنَّهم كانوا يقولون : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [ الأنفال : 32 ] الآية . وأجاب بأن ذكر أنَّهُ : لا صلاح في إجابة دعائهم ، ثم بيَّن أنَّهم كانوا كاذبين في هذا الطلب ؛ لأنَّه لو نزلت بهم آفةٌ ، تضرَّعُوا إلى الله تعالى في إزالتها ، بيَّن ههنا ما يجري مجرى التهديد : وهو أنَّه تعالى قد أنزل بهم عذاب الاستئصال ولا يزيله عنهم ؛ ليكون ذلك رَادعاً لهم عن قولهم : { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] ؛ لأنَّهم متى سمعُوا أنَّ الله قد يجيبُ دعاءهم ، وينزل بهم عذاب الاستئصال ، ثم سمعوا من اليهُود والنَّصارى ، أنَّ ذلك قد وقع مراراً كثيرة ، صار ذلك رَادِعاً عن ذكر هذا الكلام . قوله : " مِن قَبْلِكُمْ " متعلقٌ بـ " أهْلَكْنَا " ، ولا يجوز أن يكون حالاً من " القُرُون " ؛ لأنَّه ظرف زمانٍ ، فلا يقعُ حالاً عن الجثَّة ، كما لا يقع خبراً عنها ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا أوَّل البقرة [ البقرة : 21 ] ، وتقدم الكلامُ على " لمَّا " [ البقرة : 17 ] ، قال الزمخشري : " لما " ظرف لـ " أهْلَكْنَا " ، و " وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم " يجوز أن يكون معطوفاً على " ظَلَمُوا " ، فلا محلَّ له عند سيبويه ، ومحلُّه الجر عند غيره ؛ لأنَّه عطف على ما هو في محلِّ جرِّ بإضافة الظرف إليه ، ويجوز أن يكون في محلِّ نصب على الحال ، أي : ظلمُوا بالتَّكذيب ، وقد جاءتهُم رُسُلُهم بالحُجَجِ والشَّوَاهدِ على صدقهم . و " بالبَيِّنَاتِ " يجوز أن يتعلَّق بـ " جَاءتْهُم " ، ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ ، على أنَّه حالٌ من " رُسلهُمْ " ، أي : جاءُوا مُلتبسِين بالبيِّناتِ ، مُصاحبين لها . قوله : { وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } يجوز عطفه على " ظَلَمُوا " ، وهو الظَّاهرُ ، وجوَّز الزمخشري أن يكون اعتراضاً قال : واللامُ لتأكيد نفي إيمانهم ، ويعني بالاعتراض : كونه وقع بين الفعل ، ومصدره التشبيهي في قوله : " كذلِكَ نَجْزِي " والضميرُ في " كانُوا " عائد على " القُرُون " ، وجوَّز مقاتلٌ : أن يكون ضمير أهل مكة ، وعلى هذا يكونُ التفاتاً ، إذ فيه خُرُوجٌ من ضمير الخطابِ في قوله : " قَبْلِكُمْ " ، إلى الغيبة ، والمعنى : وما كنتم لتُؤمِنُوا . و " كذلِكَ " نعتٌ لمصدرٍ محذوف ، أي : مثل ذلك الجزاء نجزي . وقرىء " يَجْزِي " بياء الغيبة ؛ وهو التفاتٌ من التكلُّم في قوله : " أهْلَكْنَا " ، إلى الغيبةِ . قوله : " ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ " أي : خلفاء { فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } أي : من بعد القرون التي أهلكناهم ، وهذا خطابٌ للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم . قوله : " لِنَنظُرَ " متعلق بالجعل ، وقرأ يحيى الذماري بنون واحدة ، وتشديد الظَّاء ، وقال يحيى : " هكذا رأيتُه في مصحف عثمان " ، يعني : أنَّه رآها بنُون واحدة ، ولا يعني أنَّهُ رآها مشددة ؛ لأنَّ هذا الشَّكل الخاصَّ إنَّما حدث بعد عثمان ، وخرجوها على إدغامِ النُّونِ الثانية في الظَّاء ، وهو رَدِيءٌ جداً ، وأحسنُ ما يقال هنا : إنَّه بالغ في إخفاءِ غُنَّة النُّون السَّاكنة ، فظنَّه السَّامع إدغاماً ، ورؤيته له بنُونٍ واحدةٍ ، لا يدلُّ على قراءته إيَّاه مشددة الظَّاءِ ، ولا مُخَفَّفها . قال أبو حيان : " ولا يدلُّ على حذف النُّون من اللفظِ " وفيه نظرٌ ؛ لأنه كيف يقرأ ما لم يكن مكتوباً في المصحف الذي رآه ؟ وقوله : " كَيْفَ " منصوبٌ بـ " تَعْملُون " على المصدر ، أي : أيَّ عملٍ تعملُون ، وهي معلِّقة للنَّظر . فإن قيل : كيف جاز النَّظرُ إلى الله تعالى وفيه معنى المقابلة ؟ فالجواب : أنَّه استعير لفظُ النظرِ للعلم الحقيقيِّ ، الذي لا يتطرَّقُ إليه الشَّكُّ ، وشبه هذا العلم بنظرِ النظر ، وعيان العاين . فإن قيل : قوله : " لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " مُشْعرٌ بأنَّ الله - تعالى - ما كان عالماً بأحوالهم قبل وجودهم . فالجواب : أنَّه - تعالى - يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ؛ ليُجازيهُم بجنسه ، كقوله : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [ هود : 7 ] ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " إنَّ الدُّنْيَا خضرةٌ حُلوةٌ وإنَّ الله مُستخْلفُكُمْ فيهَا فنَاظِرٌ كيف تعمَلُون " ، قال الزجاج : " موضع " كيف " نصب بقوله : " تَعْمَلُون " ؛ لأنَّها حرف استفهام ، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله " . قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } الآية . روي عن ابن عبَّاس : أن خمسة من الكفار كانوا يستهزءون بالرَّسول - عليه الصلاة والسلام - وبالقرآن : الوليدُ بن المغيرة المخزومي ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن حنظلة ، فقتل الله - تعالى - كل واحدٍ منهم بطريقٍ ، كما قال : { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } [ الحجر : 95 ] . وقال مقاتل : هم خمسة : عبد الله بن أميَّة المخزومي ، والوليد بن المغيرة ، ومكرز بن حفص ، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري ، والعاص بن عامر بن هشام ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد أن نؤمن بك ، فأتِ بقرآنٍ ليس فيه تركُ عبادة اللاَّتِ ، والعُزَّى ، ومناة ، وليسَ فيه عيبها ، وإنْ لَمْ يُنْزلهُ الله ، فقُلْ أنت من عند نفسك ، أو بدله ، فاجعل مكان آيةٍ عذابٍ آية رحمة ، ومكان حرامٍ حلالاً ، وحلال حراماً . فإن قيل : إذا بدَّل هذا القرآن فقد أتى بغير هذا القرآن ، وإذا كان كذلك ، كان كلُّ واحدٍ من هذين الأمرين هو نفس الآخر ، وممَّا يدلُّ على أنَّ كلَّ واحدٍ منهما عين الآخر : أنَّه - عليه الصلاة والسلام - اقتصر على الجواب بنفي أحدهما ، فقال : { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } ، فيكون التَّرديد فيه والتخيير باطلاً . فالجواب : أنَّ أحد الأمرين غيرُ الآخر ، فالإتيان بكتاب آخر ، لا على ترتيب هذا القرآن ولا على نظمه ، يكون إتياناً بقرآن آخر ، وأمَّا إذا أتى بهذا القرآن ، إلاَّ أنَّه وضع مكان ذمِّ بعض الأشياء مدحها ، ومكان آية رحمةٍ آية عذابٍ ، كان هذا تبديلاً ، أو تقول : الإتيان بقُرآن غير هذا ، هو أن يأتيهم بكتاب آخر سوى هذا الكتاب ، والتبديل : هو أن يُغيِّر هذا الكتاب ، مع بقاء هذا الكتاب . وقوله : إنَّه اكتفى في الجواب بنفي أحد القسمين : قلنا : إنَّ الجواب المذكُور عن أحد القسمين ، هو عينُ الجواب عن القسم الثاني ، فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر ؛ لأنَّهُ - عليه الصلاة والسلام - بيَّن ، أنَّه لا يجُوز أن يُبدِّله من تلقاءِ نفسه ؛ لأنَّه واردٌ من الله - تعالى - ، ولا يقدر على مثله ، كما لا يقدر على مثله سائر العرب ؛ لأنَّ ذلك كان مُتقرراً عندهم ، لمَّا تحدَّاهُم بالإتيانِ بمثله . واعلم : أنَّ التماسهُم لهذا يحتمل أن يكون سُخْريةً واستهزاءً ، ويحتمل أن يكوّن ذلك على سبيل الجدِّ ، ويكون غرضهم : أنه إن فعل ذلك ، علمُوا كذبه في قوله : إنَّ هذا القرآن منزَّلٌ عليه من عند الله ، ويحتمل أن يكون التماسهم كتاباً آخر ؛ لأن هذا القرآن مشتملٌ على ذم آلهتهم ، والطَّعن في طرائقهم ، فطلبُوا كتاباً آخر ليس فيه ذلك ، أو يكونوا قد جوَّزُوا كون القرآن من عند الله ، لكنَّهُم التمسُوا منه نسخَ هذا القرآن ، وتبديله بقرآن آخر . قوله : " تِلْقاءِ " مصدرٌ على تِفْعَال ، ولم يجيءْ مصدر بكسر التَّاء ، إلاَّ هذا والتِّبيان ، وقُرِىء شاذّاً بفتح التَّاء ، وهو قياسُ المصادر الدَّالة على التَّكرار ، كالتَّطْواف ، والتَّجوال ، وقد يستعمل التِّلقاء بمعنى قُبالتُكَ ، فينتصبُ انتصابَ الظُّرُوف المكانيَّة . قوله : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } لمَّا أمرهُ أن يقول : { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } ، أمرهُ بأن يقُول : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } فيما آمركم به ، وأنهاكم عنه ، وهذا يدلُّ على أنَّه لم يحكم قط بالاجتهاد . وتمسَّك نفاة القياس بهذه الآية ؛ لأنَّها تدلَّ على أنَّه - عليه الصلاة والسلام - ، ما حكم إلاَّ بالنَّصِّ . ثم قال : { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } قالت المعتزلة : هذا مشروطٌ بعدم التوبة . قوله تعالى : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } الآية . لمَّا اتَّهمُوه بأنَّه أتى بهذا الكتاب من عند نفسه ، احتجَّ عليهم بهذه الآية ؛ وذلك بأنَّهم كانُوا عالمين بأحواله ، وأنَّه ما طالع كتاباً ، ولا تتلمَذ لأستاذ ، ثم بعد أربعين سنة ، أتى بهذا الكتاب العظيم المُشتَمل على نفائس علم الأصُول ، ودقائق علم الأحكام ، ولطائف علم الأخلاق ، وأسرار قصص الأوَّلين ، وعجز عن معارضته العلماء ، والفُصحاء ، والبُلغاء ، فكل من له عقلٌ سليمٌ يعرف أنَّ مثل هذا ، لا يحصُل إلاَّ بالوحْي ، والإلهام من الله - تعالى - ، والمعنى : لو شاء الله ما أنزل القرآن عليَّ . قوله : " وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ " أي ولا أعلمكم الله به ، من دَريْتُ ، أي : عَلِمْتُ . ويقال : دَرَيْتُ بكذا وأدْرَيْتُكَ بكذا ، أي : أحطت به بطريق الدِّراية ، وكذلك في " عَلِمْتُ به " ؛ فتضمَّن العلمُ معنى الإحاطة ، فتعَدَّى تعْديتَهَا . وقرأ ابن كثير - بخلاف عن البزِّيِّ - " ولأدْرَاكم " ، بلام داخلة على " أدْرَاكم " مُثبتاً ، والمعنى : ولأعْلِمكُم به من غير وساطتي : إمَّا بواسطة ملكٍ ، أو رسولٍ غيري من البشر ، ولكنَّه خَصَّنِي بهذه الفضيلةِ ، وقراءةُ الجمهور " لا " فيها مُؤكَّدَةٌ ؛ لأنَّ المعطوف على المنفيِّ منفيٌّ ، وليست " لا " هذه هي التي يُنفى بها الفعلُ ؛ لأنَّه لا يصحُّ نفي الفعل بها إذا وقع جواباً ، والمعطوفُ على الجواب جوابٌ ، ولو قلت : " لو كان كذا لا كان كذا " لم يجُزْ ، بل تقول " ما كَانَ كذا " ، وقرأ ابنُ عبَّاس ، والحسن ، وابن سيرين ، وأبو رجاء : " ولاَ أدْرَأكم " بهمزةٍ ساكنةٍ بعد الرَّاء ، وفي هذه القراءة تخريجان : أحدهما : أنها مبدلةٌ من ألف ، والألفُ منقلبةٌ عن ياءٍ ، لانفتاحِ ما قبلها وهي لغةٌ لعقيلٍ حكاها قطرب ، يقولون في أعطيتُك : أعطأتُك . وقال أبو حاتم : " قلب الحسنُ الياء ألفاً ، كما في لغة بني الحرث ، يقولون : علاكَ وإلاكَ ، ثمَّ همز على لغة من قال في العالم : العألم " . وقيل : أبدلتِ الهمزة من نفس الياء ، نحو : لَبَأتُ بالحجِّ ، ورثَأتُ فلاناً ، أي : لَبَّيْتُ ورَثَيْتُ . والثاني : أنَّ الهمزة أصليَّة ، وأنَّ اشتقاقه من الدَّرْء وهو الدَّفْع ، كقوله : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } [ النور : 8 ] ، ويقال : أدْرَأته ، أي : جعلته دَارئاً ، والمعنى : ولأجعلنَّكم بتلاوته خُصماء تَدْرَؤونني بالجدال ، قال أبُو البقاء : " وقيل هو غلط ؛ لأنَّ قارئها ظَنَّ أنَّها من الدَّرْءِ وهو الدَّفْعُ ؛ وقيل : ليس بغلطٍ ، والمعنى : لو شاء اللهُ لدفعكم عن الإيمان به " . وقرأ شهر بن حوشب ، والأعمش : " وَلاَأنذَرْتكُم " من الإنذار ، وكذلك هي في مصحف عبد الله . قوله : " فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً " أي : حِيناً ، وهو أربعون سنة ، " مِّن قَبْلِهِ " أي : من قبل نُزُول القرآن ، فقيل : الضَّمير في " قبلِه " يعود على النُّزول ، وقيل : على القرآن ، وقيل : على وقت النُّزُول ، و " عُمُراً " مشبَّهٌ بظرف الزَّمان ، فانتصب انتصابه ، أي : مدة متطاولة ، وقيل : هو على حذف مضافٍ ، أي : مقدار عُمُر ، وقرأ الأعمشُ : " عُمْراً " بسكون الميم ، كقولهم " عَضْد " في " عَضُد " . ثم قال : " أَفَلاَ تَعْقِلُون " أنَّهُ ليس من قبلي ، قال المفسِّرون : لبث النبيُّ صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ومجدَّ وعظَّم فيهم قبل الوحْي أربعين سنة ، ثم أوحي إليه ، فأقام بمكَّة بعد الوحْي ثلاثة عشرة سنة ، ثم هاجر إلى المدينة ، فأقام بها عشر سنين ، ثم تُوفي ، وهو ابن ثلاث وستِّين سنة . وروى أنس - رضي الله عنه - : أنه أقام بمكَّة بعد الوحي عشر سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وتُوُفِّي وهو ابن ستين سنة ، والأول أشهر وأظهر . قوله تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } الآية . قال القرطبي : " هذا استفهامٌ بمعنى الجحد ، أي : لا أحد أظلم ممَّن افترى على الله الكذب ، وبدّل وأضاف شيئاً إليه ممَّا لم ينزل " ، والمعنى : أنَّ هذا القرآن لوْ لَمْ يكُن من عند الله ، لما كان أحدٌ في الدُّنيا أظلم على نفسه منِّي ، حيث افتريتُه على الله ، ولمَّا أقمتُ الدَّليلَ على أنَّه ليس الأمر كذلك ، بل هُو وحيٌ من الله - تعالى - ، وجب أن يقال : إنَّه ليس في الدُّنيا أحد أجهل ، ولا أظلم على نفسه منكم . والمقصود : نَفْي الكذب عن نفسه . وقوله : " … أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ " فالمراد : إلحاق الوعيد الشديد بهم ؛ حيث أنكروا دلائل الله - تعالى - ، وكذَّبوا بآيات الله ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبالقرآن ، ثم قال : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي : لا يَنْجُو المشركُون ، وهذا تأكيدٌ لما سبق من هذين الكلامين .