Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 45-46)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } الآية . لمَّا وصف الكفار بقلة الإصغاء ، وترك التدبُّر ؛ أتبعه بالوعيد ، فقال : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } . " يَوْمَ " منصوب على الظرف ، وفي ناصبه أوجه : أحدها : أنَّه منصوبٌ بالفعل الذي تضمَّنه قوله : { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ } . الثاني : أنَّه منصوبٌ بـ " يتعَارَفُون " . الثالث : أنَّه منصوبٌ بمقدرٍ ، أي : اذكر يوم . وقرأ الأعمش ، وحفص عن عاصم : " يَحْشُرهُم " بياء الغيبة ، والضمير لله تعالى لتقدم اسمه في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ } [ يونس : 44 ] . قوله : { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ } تقدَّم الكلامُ على " كأن " هذه ، وهي المخفَّفة من الثَّقيلة ، والتقدير : كأنَّهُم لم يلبثُوا ؛ فخفَّفَ ، كقوله : وكأن قد ، ولكن اختلفُوا في محلِّ هذه الجملة على أوجه : أحدها : أنها في محلِّ نصبٍ صفةً للظرف ، وهو " يوم " ، قاله ابن عطية . قال أبو حيان : " لا يصحُّ ؛ لأن يوم يَحْشُرهُم معرفةٌ والجمل نكرات ، ولا تنعتُ المعرفةُ بالنَّكرة ، لا يقال : إنَّ الجمل التي يُضاف إليها أسماءُ الزَّمان نكرةٌ على الإطلاق ؛ لأنَّها إنْ كانت في التقدير تنحَلُّ إلى معرفة ، فإنَّ ما أضيف إليها يتعرَّفُ ، وإن كانت تنحَلُّ إلى نكرة ، كان ما أضيف إليها نكرةً ، تقول : " مَرَرْتُ في يوم قدم زيدٌ الماضي " ، فتصِفُ " يوم " بالمعرفة ، و " جئت ليلة قدم زيدٌ المباركة علينا " ، وأيضاً : فكأنْ لمْ يلبثُوا ، لا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى ، لأنَّ ذلك من وصف المحشورين ، لا من وصف يوم حشرهم . وقد تكلَّف بعضهم تقدير رابطٍ يربطهُ ، فقدره : " كأنْ لَمْ يلبثُوا قبله " ، فحذف " قبله " ، أي : قبل اليوم ، وحذفُ مثل هذا الرَّابط لا يجوز " . قال شهاب الدِّين : قوله : " بعضهم " ، هو مكِّي بن أبي طالب ؛ فإنَّه قال : " الكافُ وما بعدها من " كأن " صفةٌ لليوم ، وفي الكلام حذفُ ضميرٍ يعودُ على الموصوفِ ، تقديره : كأنْ لم يَلْبثُوا قبله ؛ فحذف " قبله " ، فصارت الهاءُ متَّصلةً بـ " يَلْبثُوا " ، فحذفتْ لطُولِ الاسم كما تحذفُ من الصِّلات " ، ونقل هذا التقدير أيضاً : أبو البقاء ، ولمْ يُسَمِّ قائله ، فقال : " وقيل " ، فذكره . والوجه الثاني : أن تكون الجملةُ في محلِّ نصب على الحال ، من مفعول " يَحْشُرهُم " أي : يَحْشُرهم مُشبهين بمن لم يلبث إلاَّ ساعةً ، هذا تقديرُ الزمخشري ، وممَّن جوَّز أيضاً الحاليَّة : ابنُ عطيَّة ، ومكِّيٌّ ، وأبو البقاءِ ، وجعله بعضهم هو الظَّاهر . الوجه الثالث : أن تكون الجملةُ نعتاً لمصدر محذوف ، والتقدير : يَحْشُرهم حَشْراً ، كأنْ لمْ يلبثُوا ، ذكر ذلك ابن عطيَّة ، وأبو البقاء ، ومكِّي ، وقدَّر مكِّي ، وأبو البقاء : العائد محذوفاً ، كما قدَّراه حال جعلهما الجملة صفة لليَوْمِ ، وقد تقدَّم ما في ذلك . الرابع : قال ابنُ عطيَّة : " ويَصِحُّ أن يكون قوله : { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ } كلاماً مجملاً " ولم يُبَيِّنْ الفعل الذي يتضمَّنهُ { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ } ، قال أبو حيَّان : " ولعَلَّهُ أراد ما قاله الحوفيُّ ؛ مِنْ أنَّ الكافَ في موضع نصبٍ ، بما تضمَّنتهُ من معنى الكلام ، وهو السُّرْعَة " . انتهى . قال : " فيكونُ التقدير : ويوم يَحْشُرهم يُسْرعون كأنْ لَمْ يَلْبَثُوا " ، فيكون " يسرعون " : حالاً من مفعول " يَحْشُرهُم " ، ويكون " كأن لمْ يَلْبَثُوا " : حالاً من فاعل " يُسْرعون " ، ويجُوز أن تكون " كَأنْ لَمْ " : مفسِّرة لـ " يُسْرعون " المقدَّرة . فصل قال الضحَّاك : كَأنْ لَمْ يَلْبثُوا في الدنيا ، إلاَّ ساعة من النَّهار ، وقال ابن عبَّاس : كأن لم يلبثوا في قبورهم ، إلاَّ قدر ساعة من النَّهار ، قال القاضي : الأولُ أولَى ، لوجهين : أحدهما : أنَّ حال المؤمنين كحالِ الكافرين : في أنَّهم لا يعرفون مقدار لبثهم بعد الموت إلى وقتِ الحشر ؛ فيجبُ أن يحمل ذلك على أمْر يختصُّ به الكُفار ؛ وهو أنَّهم لمَّا لم ينتفعُوا بعُمْرِهم استقلُّوه ، والمؤمِنُ لمَّا انتفع بعمره ؛ فكأنَّه لا يستقلُّه . الثاني : أنَّه قال : { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } والتَّعارف إنَّما يضاف إلى حال الحياةِ ، لا إلى حال المَوْت ، وفي سبب هذا الاستقلال وجوهٌ : الأول : قال أبو مسلم : إنَّهم لمَّا ضيَّعُوا أعمارهم في طلب الدنيا ، والحِرْص على لذَّاتها ؛ لم ينتفعُوا بعمرهم ألبتَّة ، فكان وجودُ ذلك العمر كالعدم كما تقدَّم ؛ فلهذا استقلوه ، ونظيره قوله - تعالى - : { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ } [ البقرة : 96 ] . الثاني : قال الأصمُّ : إنَّهم لمَّا شاهدُوا أهوال الآخرة وعظمها ، عظم خوفُهُم ، فنسُوا أمور الدُّنيا ، والإنسان إذا عظم خوفهُ ، نسي الأمور الظَّاهرة . الثالث : قلَّ عندهم مقامهم في الدُّنيا ، في جنب مقامهم في الآخرة . الرابع : قلَّ عندهم في الدنيا ؛ لطولِ وقوفهم في الحَشْرِ . قوله : " يتعَارفُونَ " فيه أوجهٌ : أحدها : أنَّ الجملة في محلِّ نصبٍ على الحالِ من فاعل " يَلْبَثُوا " . قال الحوفيُّ : " يتعارفُونَ " : فعلٌ مستقبلٌ في موضع الحال من الضَّمير في " يَلْبَثُوا " ، وهو العامل ، كأنَّه قال : متعارفين ، والمعنى : اجتمعوا متعارفين . والثاني : أنها حالٌ من مفعول " يَحْشُرهم " أي : يَحْشُرهم متعارفين ، والعاملُ فعلُ الحشر ، وعلى هذا فمنْ جوَّز تعدُّدَ الحالِ ، جوَّز أن تكون " كأنْ لَمْ " : حالاً أولى ، وهذه حالٌ ثانيةٌ ، ومن منع ذلك ، جعل " كأنْ لَمْ " على ما تقدم من غير الحاليَّة . قال أبُو البقاء : " وهي حالٌ مقدرة ؛ لأنَّ التعارف لا يكُونُ حال الحَشْرِ " . والثالث : أنَّها مستأنفةٌ ؛ أخبر - تعالى - عنهم بذلك . قال الزمخشري : " فإن قلت : كأنْ لمْ يلبثُوا إلاَّ ساعة " ، و " يتَعارفُونَ " كيف موقعهما ؟ قلت : أمَّا الأولى : فحالٌ منهم ، أي : يَحْشُرهم مُشبهين بمنْ لَمْ يَلْبَثْ إلاَّ ساعة . وأمَّا الثانية : فإمَّا أن تتعلَّق بالظرف - يعني فتكون حالاً - ، وإمَّا أن تكون مُبينة لقوله : { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً } ؛ لأنَّ التَّعارفَ لا يَبْقَى مع طُولِ العهدِ ، وينقلب تَنَاكُراً " . فصل في هذا التَّعارف وجوه : الأول : يعرف بعضهم بعضاً كما كانوا في الدُّنْيَا . الثاني : يعرف بعضهم بعضاً بما كانوا عليه من الخطأ والكفر ، ثم تنقطع المعرفةُ إذا عاينُوا العذابَ ، وتبرَّأ بعضهم من بعض . فإن قيل : كيف توافق هذه الآية قوله : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } [ المعارج : 10 ] . فالجواب من وجهين : أحدهما : أنَّهم يتعارفون بينهم بتوبيخ بعضهم بعضاً ؛ فيقول كل فريق للآخر : أنت أضللتني يوم كذا ، وزيَّنتَ لي الفعل القبيح الفُلاني ، فهو تعارفُ توبيخٍ ، وتباعدٍ ، وتقاطع ، لا تعارف عطفٍ ، وشفقة . وأما قوله : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } [ المعارج : 10 ] فهو سؤال رحمة ، وعطف . والثاني : أنَّ تحمل هاتين الآيتين على حالتين ؛ وهو أنَّهم يتعارفُون إذا بعثوا ثم تنقطع المعرفة ؛ فلذلك لا يسأل حميمٌ حميماً . قوله : " قَدْ خَسِرَ " فيها وجهان : أحدهما : أنَّها مستأنفةٌ ، أخبر - تعالى - بأنَّ المكذِّبينَ بلقائِهِ خاسرون لا محالة ؛ ولذلك أتى بحرفِ التَّحقيق ، ويكون هذا شهادة عليهم من الله بالخُسْرَان ، والمعنى : أنَّه من باع آخرته بدنياه ، فقد خسر ؛ لأنَّه أعطى الشَّريف الباقي ، في أخْذِ الخسيسِ الفانِي . والثاني : أن يكون في محلِّ نصبٍ بإضمار قولٍ ، أي : قائلين قد خَسِر الذين . ثُمَّ لكَ في هذا القول المقدَّر وجهان : أحدهما : أنه حالٌ من مفعول " يَحْشُرهُم " أي : يحشرهم قائلين ذلك . والثاني : أنَّه حالٌ من فاعل " يتعَارفُونَ " ، وقد ذهب إلى الاستئناف والحاليَّة من فاعل " يَتَعارفُونَ " : الزمخشريُّ ؛ فإنَّه قال : " هو استئنافٌ فيه معنى التَّعجُّب ، كأنَّه قيل : " ما أحْشرهُمْ " ، ثم قال : " قَدْ خَسِرَ " على إرادة القولِ ، أي : يَتَعَارفُونَ بينهم قائلين ذلك " ، وذهب إلى أنَّها حالٌ من مفعُول " يَحْشُرهُم " : ابنُ عطيَّة . قوله : { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } يجوزُ فيها وجهان : أحدهما : أن تكون معطوفةً على قوله : " قَدْ خَسِرَ " ، فيكون حكمه حكمَهُ . والثاني : أن تكون معطوفةً على صلةِ " الذينَ " ، وهي كالتَّوكيد للجملة التي وقعتْ صلةً ؛ لأنَّ من كذَّب بلقاء الله ، غيرُ مُهْتَدٍ ، والمراد بالخسران : خُسْران النفس ولا شيء أعظم منه . قوله : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } تقدَّم الكلامُ على " إِمَّا " هذه [ البقرة38 ] ، وقال ابن عطيَّة : " ولأجلها ، أي : لأجلِ زيادةِ " ما " ، جاز دخولُ النون الثقيلة ، ولو كانت " إِنْ " وحدها لم يَجُزْ " أي : إنَّ توكيد الفعل بالنُّونِ مشروطٌ بزيادة " ما " بعد " إنْ " ، وهو مخالفٌ لظاهرِ كلام سيبويه ، وقد جاء التَّوكيد في الشَّرط بغير " إنْ " ؛ كقوله : [ الكامل ] @ 2904 - مَنْ نَثْقَفَنْ مِنهُمْ فليْسَ بآيبٍ أبَداً وقَتْلُ بَنِي قُتَيبةَ شَافِي @@ قال ابن خروف : أجاز سيبويه : الإتيان بـ " ما " ، وألاَّ يؤتى بها ، والإتيانُ بالنون مع " ما " ، وألاَّ يؤتى بها ، والإراءَةُ هنا بصريَّة ؛ ولذلك تعدَّى الفعلُ إلى اثنينِ بالهمزة ، أي : نجعلك رائياً بعض الموعُودين ، أو بمعنى : الذي نعدُهم من العذاب ، أو نتوفَّيَنَّكَ قبل أن نُريكَ ذلك ، فإنَّك ستراه في الآخرة . قال مجاهد : فكان البعضُ الذي رآه قتلهم ببدر ، وسائر أنواع العذاب بعد موته . قوله : { فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } مبتدأ وخبر ، وفيه وجهان : أظهرهما : أنَّه جوابٌ للشَّرطِ ، وما عُطِفَ عليه ، إذ معناه صالحٌ لذلك ، وإلى هذا ذهب الحوفيُّ ، وابنُ عطيَّة . والثاني : أنَّهُ جوابٌ لقوله : " أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ " ، وجواب الأول محذُوف . قال الزمخشري : " كأنَّه قيل : وإمَّا نُرينَّكَ بعضَ الذي نعدهُم فذاك ، أو نتوفَّينَّك قبل أن نُريك ، فنحن نُريك في الآخرة " . قال أبو حيَّان : " فجعل الزمخشريُّ في الكلام شرطين لهما جوابان ، ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف ؛ لأنَّ قوله : { فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ } صالحٌ لأن يكون جواباً للشَّرطِ ، والمعطوف عليه ، وأيضاً : فقول الزمخشريِّ : " فذاك " هو اسمٌ مفردٌ ، لا ينعقدُ منه جوابُ شرطٍ ، فكان ينبغي أن يأتي بجملة يصح منها جواب الشرط ، إذ لا يفهمُ من قوله : " فَذَاكَ " الجزء الذي حذف ، وهو الذي تحصل به فائدة الإسناد " . قال شهاب الدِّين : " قد تقرَّر : أنَّ اسم الإشارة قد يُشار به إلى شيئين فأكثر ، وهو بلفظِ الإفراد ؛ فكأنَّ ذاكَ واقعٌ موقع الجملة الواقعة جواباً ، ويجُوزُ أن يكون قد حُذف الخبرُ ؛ لدلالةِ المعنى عليه ، إذ التَّقديرُ : فذاك المرادُ ، أو المتمنَّى ، أو نحوه " . وقوله : " إذْ لا يُفْهم الجزء الذي حذف " إلى آخره ، ممنوعٌ ، بل هو مفهومٌ كما بينا ؛ وهو شيءٌ يتبادر إلى الذِّهن . قوله : { ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ } " ثم " ليست هنا للتَّرتيب الزَّماني ، بل هي لترتيب الأخبار ، لا لترتيب القصص في أنفسها ، قال أبو البقاء : " كقولك : زيدٌ عالمٌ ، ثم هو كريم " . وقال الزمخشريُّ : " فإن قلت : الله شهيدٌ على ما يفعلُون في الدَّاريْن ، فما معنى " ثم " ؟ . قلت : ذكرت الشهادة ، والمراد : مقتضاها ، ونيتجتها ، وهو العقاب ؛ كأنَّه قيل : ثم الله معاقبٌ على ما يفعلون " . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : " ثَمَّ " بفتح الثاء ، جعله ظرفاً لشهادة الله ؛ فيكون " ثَمَّ " منصوباً بـ " شَهِيدٌ " أي : اللهُ شهيدٌ عليهم في ذلك المكان ، وهو مكانُ حشرهم ، ويجوز أن يكون ظرفاً لِـ " مَرْجعُهم " أي : فإليْنَا مرْجِعُهم ، يعني : رجوعهم في ذلك المكانِ ، الذي يُثَاب فيه المُحْسِن ، ويعاقبُ فيه المُسيء .