Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 47-49)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } الآية . لمَّا بيَّن حال محمد - عليه الصلاة والسلام - في قومه ، بيَّن أنَّ حال كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مع أقوامهم كذلك . والآية تدلُّ على أنَّ كلَّ جماعة ممَّن تقدَّم ، قد بعث الله إليهم رسُولاً ، ولم يهمل أمَّة من الأمم ويؤيِّدهُ قوله - تعالى - : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] . فإن قيل : كيف يصحُّ هذا مع ما يعلمُه من أحْوالِ الفترة ؟ . فالجواب : أنَّ الدَّليل الذي ذكرناه ، لا يوجب أن يكون الرَّسُول حاضراً مع القوم ؛ لأنَّ تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسُولاً إليهم ، كما لا يمنع تقدُّم رسولنا ، من كونه مبعوثاً إلينا إلى آخر الأبد . وفي الكلام إضمار تقديره : فإذا جاء رسُولهُم وبلَّغ ، وكذَّبه قوم وصدقه آخرون ، قُضِيَ بَيْنَهُم ، أي : حُكِمَ وفُصِلَ . والمراد من الآية : إمَّا بيان : أنَّ الرسول إذا بعث إلى كلِّ أمَّة ، فإنَّه بالتبليغ ، وإقامةِ الحُجَّةِ يزيح عللهم ، ولم يبق لهم عُذْر ؛ فيكون ما يُعَذَّبُونَ به في الآخرة عدلاً لا ظُلْماً ، ويدُلُّ عليه قوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] ، وقوله : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [ النساء : 165 ] . وإمَّا أن يكون المرادُ : أنَّ القوم إذا اجتمعوا في الآخرة ، جمع الله بينهم وبين رسلهم وقت المحاسبة ، وبيان الفصل بين المُطِيعِ والعَاصِي ؛ ليشهد عليهم بما شاهد منهم ؛ وليقع منهم الاعتراف بأنَّه بلغ رسالات ربِّه ، ويدل عليه قوله - تعالى - : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [ البقرة : 143 ] . قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الآية . هذه شبهة خامسة من شبهات مُنْكِري النبوة ؛ فإنَّه - عليه الصلاة والسلام - كُلَّما هدَّدهُم بنُزُول العذاب ، ومرَّ زمان ولم يظهر ذلك العذاب ، قالوا : متى هذا الوعد ، فاحتجُّوا بعدم ظهوره ، على القدح في نُبُوته ، واعلم : أنَّهم قالوا ذلك على وجه التَّكذيبِ للرَّسُولِ - عليه الصلاة والسلام - لمَّا أخبرهم بنُزُول العذاب على الأعداء ، وبنُصْرَة الأولياء - أو على وجه الاستبعاد ، وتدلُّ الآية على أنَّ كلَّ أمَّة قالت لرسُولها مثل ذلك القول ؛ بدليل قوله - تعالى - { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } لأنَّه جمع ، وهو موافقٌ لقوله : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ } . ثم إنَّه - تعالى - أمره بأن يجيبَ عن هذه الشُّبهةِ بجواب يحسم المادَّة ، وهو قوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } والمعنى : أنَّ إنزال العذاب على الأعداء ، وإظهار النُّصرة للأولياء لا يقدر عليه إلاَّ الله - سبحانه - ، وأنَّه - تعالى - ما عيَّن لذلك وقتاً معيناً ، بل تعيين الوقت مُفوَّض إلى الله - سبحانه - بحسب مشيئته . قوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } فيه وجهان : أحدهما : أنَّه استثناءٌ متَّصل ، تقديره : إلاَّ ما شاءَ الله أن أملكه ، وأقدر عليه . والثاني : أنَّهُ منقطعٌ ، قال الزمخشري : " هو استثناءٌ منقطعٌ ، أي : ولكن ما شاء اللهُ من ذلك كائن ، فكيف أملك لكم الضَّرر وجَلْبَ العذابِ ؟ " . فصل احتجَّ المعتزلة بقوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } بأن هذا الاستثناء ، يدلُّ على أنَّ العبد لا يملك لنفسه ضرّاً ولا نفعاً ، إلاَّ الطَّاعة والمعصية ، فهذا الاستثناء يدل على كون العبد مستقبلاً بهما . وأجيبوا : بأنَّ هذه الاستثناء منقطعٌ ، والتقدير : ولكن ما شاء الله من ذلك كائنٌ . قوله : { لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي : مدَّة مضروبة { إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } : وقت فناء أعمارهم ، قرأ ابن سيرين : " إذا جَاءَ آجالهم فلا يستأخِرُون ساعةً ولا يسْتقدِمُونَ " أي : لا يتأخَّرُون ، ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدلُّ على أنَّ أحداً لا يموت إلا بانقضاء أجله . فصل قوله : { إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } شرط ، وقوله : { فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } أي : لا يتأخَّرون ولا يتقدمون ، وهذه الآية تدل على جزاء ، و " الفاء " حرف الجزاء ؛ فوجب إدخاله على الجزاء ، فدلَّت الآيةُ على أنَّ الجزاء يحصل مع حُصُول الشَّرطِ لا يتأخَّر عنه ، وأنَّ حرف الفاء لا يدلُّ على التَّراخي ؛ وإنَّما يدلُّ على كونه جزاء . وإذا ثبت هذا ، فنقولُ : إذا قال الرجُل لامرأة أجنبيَّة : إن تزوجتك ، فأنت طالقٌ ؛ قال بعضهم : لا يصح هذا التعليق ؛ لأنَّ هذه الآية دلَّت على أنَّ الجزاءَ إنَّما يحصل بحُصُول الشَّرط ، فلو صحَّ هذا التعليق ، لوجب أن يحصل الطلاق مقارناً للنِّكاح ، لما ثبت أنَّ الجزاء يجبُ حصولهُ مع حصول الشرط ، وذلك يوجبُ الجمع بين الضِّدَّين ، ولمَّا بطل هذا اللاَّزم ، وجب ألاَّ يصحَّ التعليق ، وقال أبو حنيفة : يَصِحُّ .