Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 50-52)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً } الآية . هذا جواب ثانٍ عن قولهم : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } [ يونس : 48 ] وقد تقدَّم الكلام على " أرَأيْتَ " هذه ، وأنَّها تتضمَّن معنى : أخبرني ، فتتعدَّى إلى اثنين ، ثانيهما غالباً جملةٌ استفهاميَّة ، فينعقد منها مع ما قبلها مبتدأٌ وخبرٌ ، كقولهم : " أرأيتكَ زيداً ما صنع " وتقدَّم مذاهبُ النَّاسِ فيها في " عذاب " ، والمسألةُ من إعمال الثاني ؛ إذ هو المختار عند البصريِّين ، ولمَّا أَعمله أضمر في الأول وحذفه ؛ لأنَّ إبقاءه مخصوصٌ بالضَّرورة ، أو جائزُ الذِّكْرِ على قلَّةٍ عند آخرين ، ولو أعمل الأول ، لأضمر في الثاني إذ الحذف منهُ لا يكونُ إلاَّ في ضرورة ، أو في قليلٍ من الكلام . ومعنى الكلام : قل لهم يا محمد : أخبروني عن عذاب الله ، إن أتاكم أيُّ شيءٍ تستعجلون منه ، وليس شيءٌ من العذاب يستعجل به ؛ لمرارته ، وشدَّة إصابته ، فهو مُقْتَضٍ لنُفُورِ الطبع منه . قال الزمخشري : " فإن قلت : بم يتعلَّق الاستفهامُ ، وأين جوابُ الشَّرط ؟ قلت : تعلَّق بـ " أرَأيْتُمْ " لأنَّ المعنى : أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون ، وجوابُ الشَّرط محذوفٌ ، وهو : تندمُوا على الاستعجَال ، أو تعرفُوا الخطأ فيه " . قال أبو حيَّان : " وما قدَّره غيرُ سائغ ؛ لأنَّه لا يقدَّر الجوابُ إلاَّ ممَّا تقدَّمه لفظاً أو تقديراً ، تقول : " أنت ظالمٌ إن فعلت " التقدير : إن فعلت ، فأنت ظالمٌ ، وكذلك { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [ البقرة : 70 ] التقدير : إن شاء الله نَهْتَدِ ، فالذي يُسَوِّغ أن يقدر : إن أتاكم عذابه ، فأخبروني ماذا يستعجلُ منهُ المجرمُونَ . وقال الزمخشريُّ أيضاً : " ويجوز أن يكون { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } جواباً للشرط كقولك : إن أتيتُك ما تُطْعمني ؟ ثم تتعلَّق الجملةُ بـ " أرأيْتُمْ " ، وأن يكون " أثمَّ إذا ما وقع آمنتُم به " جواباً للشَّرْطِ ، و { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } اعتراضاً ، والمعنى : إن أتاكم عذابه ، آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان . قال أبو حيَّان : " وأمَّا تجويزهُ أن يكون " مَاذَا " جواباً للشَّرط فلا يصحُّ ؛ لأنَّ جواب الشَّرط إذا كان استفهاماً ، فلا بُدَّ فيه من الفاءِ تقول : إنْ زارنا فلانٌ ، فأيُّ رجلٍ هو ، وإن زارنا فلانٌ ، فأيُّ يدٍ لهُ بذلك ، ولا يجوزُ حذفها إلاَّ إن كان في ضرورةٍ ، والمثالُ الذي ذكره وهو " إنْ أتَيْتُكَ ما تُطعمني ؟ " هو من تمثيله ، لا من كلام العرب . وأمَّا قوله : ثُمَّ تتعلَّق الجملةُ بـ " أرَأيْتُم " إن عنى بالجملة " مَاذَا يَسْتعجِلُ " فلا يصح ذلك ؛ لأنَّه قد جعلها جواباً للشَّرْطِ ، وإن عنى بالجملةِ جملة الشَّرطِ ، فقد فسَّر هو " أرَأيْتُمْ " بمعنى : أخبرُوني ، و " أخبرني " يطلب متعلِّقاً مفعولاً ، ولا تقع جملةُ الشَّرطِ موقع مفعول " أخبرني " ، وأمَّا تجويزه أن يكون : " أثُمَّ إذا ما وقعَ آمنتُم بِهِ " جواباً للشَّرطِ ، و { مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } اعتراضاً ، فلا يصحُّ أيضاً لما ذكرناه : من أن جملة الاستفهام لا تقع جواباً للشَّرط إلاَّ ومعها فاءُ الجواب ، وأيضاً : فـ " ثُمَّ " هنا حرف عطفٍ تعطفُ الجملة التي بعدها على التي قبلها ، فالجملةُ الاستفهاميَّة معطوفة ، وإذا كانت معطوفة ، لم يصحَّ أن تقع جواب الشَّرط ، وأيضاً : فـ " أرَأيْتُمْ " بمعنى : " أخبروني " يحتاج إلى مفعول ، ولا تقع جملة شرطٍ موقعه " . وكون " أرأيتم " بمعنى " أخبروني " هو الظاهر المشهور ، وقال الحوفيُّ : " الرؤية من رؤية القلب التي بمعنى العلم ؛ لأنَّها داخلةٌ على الجملة من الاستفهام التي معناها : التقرير ، وجواب الشرط محذوفٌ ، وتقدير الكلام : أرأيتم ما يستعجل من العذاب المجرمون ، إن أتاكم عذابه " انتهى . فهذا ظاهرٌ في أنَّ " أرأيتم " غير مضمنةٍ معنى الإخبار ، وأنَّ الجملة الاستفهاميَّة سدَّت مسدَّ المفعولين ، ولكنَّ المشهور الأول . قوله : " مَاذَا يَسْتَعجلُ " قد تقدَّم الكلامُ على هذه الكلمة ، ومذاهب النَّاس فيها [ البقرة : 26 ] ، وجوَّز بعضهم هنا أن تكون " ما " مبتدأ ، و " ذا " خبره ، وهو موصولٌ بمعنى : " الَّذي " ، و " يَسْتَعْجِل " صلته ، وعائده محذوفٌ تقديره : أيُّ شيء الذي يستعجله منه ، أي : من العذاب ، أو من الله - تعالى - . وجوَّز مكي ، وغيره : أن يكون " مَاذَا " كلُّه مبتدأ ، أي : يجعل الاسمان بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ ، والجملة بعده خبر ، قال أبو عليٍّ : " وهو ضعيفٌ : لخلوِّ الجملة من ضمير يعُود على المبتدأ " . وقد أجاب أبو البقاء عن هذا ، فقال : " ورُدَّ هذا القول بأنَّ الهاء في " مِنْهُ " تعودُ على المبتدأ ؛ كقولك : زيدٌ أخذتُ منه درهماً " . قال شهاب الدِّين : " ومثلُ أبي علي لا يخفى عليه مثل ذلك ، إلاَّ أنَّه لا يرى عود الهاء على الموصول ؛ لأنَّ الظاهر عودها على العذاب " . قال أبو حيَّان : " والظَّاهرُ عودُ الضمير في " مِنْه " على العذاب ، وبه يحصل الرَّبْطُ لجملة الاستفهام بمفعول " أرأيتم " المحذوف الذي هو مبتدأ في الأصل " . وقال مكي : " وإن شئت جعلت " ما " ، و " ذا " بمنزلة اسمٍ واحدٍ في موضع رفع بالابتداء ، والجملة التي بعدهُ الخبر ، والهاءُ في " منهُ " تعود أيضاً على العذاب " . قال شهابُ الدِّين : " فقد ترك المبتدأ بلا رابطٍ لفظي ، حيث جعل الهاءَ عائدةً على غير المبتدأ ، فيكون العائدُ عنده محذوفاً ، لكنَّه قال بعد ذلك : " فإن جعلت الهاء في " منهُ " تعود على الله - جلَّ ذكره - ، و " ما " و " ذا " اسماً واحداً ، كانت " ما " في موضع نصبٍ بـ " يستعجل " والمعنى : أيَّ شيء يستعجلُ المجرمون من الله " فقوله هذا يؤذن بأنَّ الضمير لمَّا عاد على غير المبتدأ ، جعله مفعولاً مقدماً ، وهذا الوجه بعينه جائزٌ فيما إذا جعل الضمير عائداً على العذاب . ووجه الرَّفع على الابتداء جائزٌ ، فيما إذا جعل الضمير عائداً على الله - تعالى - ، إذ العائدُ الرَّابطُ مقدرٌ ، كما تقدم التنبيهُ عليه " . حاصل الجواب : أن يقال لأولئك الكفار الذين يطلبون نزول العذاب : بتقدير أن يحصل هذا المطلوبُ ، ما الفائدة لكم فيه ؟ فإن قلتم نؤمن عنده ، فذلك باطل ؛ لأنَّ الإيمان في ذلك الوقت لا يفيد نفعاً ألبتَّة ؛ لأنَّه إيمان في وقت انحباس النفس ؛ فثبت أنَّ الذي تطلبونه لو أتاكم ، لم يحصل منه إلاَّ العذاب في الدنيا ، ثم يحصل عقيبة يوم القيام عذابٌ آخر أشدُّ منه ، ثم يقرون ذلك العذاب بكلام يدل على الإهانةِ ، وهو قوله : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } . فالحاصل : أنَّ هذا الذي تطلبونه محضُ الضَّرر العادي من جهات النفع ، والعاقل لا يفعل ذلك . وقوله : " بَيَاتاً " أي : ليلاً يقال : بت ليلتي أفعل كذا ؛ لأنَّ الظاهر أنَّ الإنسان يكون في البيت بالليل ؛ فجعل هذا اللفظ كناية عن الليل ، والبيات : مصدر مثل التَّبييت ؛ كالوداع ، والسراح ، ويقال في النهار ظللت أفعل كذا ؛ لأنَّ الظاهر أن الإنسان يكون في النهار في الظِّلِّ ، وانتصب " بياتاً " على الظرف أي : وقت بيات . قوله : " أثُمَّ " قد تقدَّم خلافُ الزمخشري للجمهور في ذلك ، حيث يقدِّر جملة بين همزة الاستفهام ، وحرف العطف ، و " ثمَّ " : حرفُ عطف . واعلم : أنَّ دخول حرف الاستفهام على " ثُمَّ " كدخوله على " الواوِ " و " الفاء " في قوله : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } [ الأعراف : 98 ] ، { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } [ الأعراف : 97 ] وهو يفيد التَّقريع والتَّوبيخ ، وقال الطبري : " أثُمَّ " هذه بضمِّ الثاء ليست التي بمعنى : العطف ، وإنَّما هي بمعنى : " هنالك " وهذا لا يوافقُ عليه ؛ لأنَّ هذا المعنى لا يعرفُ في " ثُمَّ " بضم " الثاء " ، إلاَّ أنَّه قد قرأ طلحة بن مصرِّف : " أثَمَّ " بفتح الثاء ، وحينئذ يصحُّ تفسيرها بمعنى : هنالك . قوله : " ألآن " قد تقدَّم الكلام في { ٱلآنَ } [ البقرة : 71 ] ، وقرأ الجمهور : " ألآن " بهمزة الاستفهام داخله على " الآن " وقد تقدَّم مذاهبُ الفراء في ذلك ، و " الآن " نصب بمضمر تقديره : الآن آمنتم ، ودلَّ على هذا الفعل المقدَّر الفعلُ الذي تقدمهُ ، وهو قوله : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ } ولا يجوز أن يعمل فيه " آمنتُم " الظَّاهرُ ؛ لأنَّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده ، كما أنَّ ما بعده لا يعملُ فيما قبله ؛ لأنَّ له صدر الكلام ، وهذا الفعلُ المقدَّرُ ومعمولُه على إضمار قول ، أي : قيل لهم إذ آمنوا بعد وقوع العذابِ : آمنتُم الآن به ، وقرأ عيسى ، وطلحة : " آمنتم به الآن " بوصل الهمزة من غير استفهامٍ ، وعلى هذه القراءة فـ " الآن " منصوبٌ بـ " آمنتم " هذا الظَّاهر . قوله : { وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } " وقَدْ كُنتُم " جملةٌ حاليةٌ ، قال الزمخشري : " وقد كُنتُم به تَستعجلُون ؛ يعني : تُكذِّبُونَ ؛ لأنَّ استعجالهم كان على جهةِ التَّكذيب ، والإنكارِ " . فجعله من باب الكناية ؛ لأنَّه دلالةٌ على الشَّيء بلازمه ، نحو " هو طويلُ النَّجاد " كنيت به عن طُول قامته ؛ لأنَّ طولَ نجاده لازمٌ لطول قامته ، وهو باب بليغٌ . وقوله : { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } هذه الجملةُ على قراءة العامَّة ؛ عطفٌ على ذلك الفعل المقدَّر الناصب لـ " الآن " وعلى قراءة طلحة هو استئناف إخبار عمَّا يقال لهم يوم القيامة ، و " ذُوقُوا " و " هَلْ تُجزَونَ " كلُّه في محلِّ نصبٍ بالقول ، وقوله : " إلاَّ بِمَا " هو المفعولُ الثاني لـ " تُجْزَون " ، والأولُ قائمٌ مقام الفاعلِ ، وهو استثناءٌ مفرَّغٌ . فصل دلَّت الآية على أنَّ الجزاء يوجب العمل ، أمَّا عند الفلاسفة : فهو أثر العمل ، وأمَّا عند المعتزلة : فإنَّ العمل الصَّالح يوجب استحقاق الثَّواب على الله - تعالى - ، وأما عند أهل السنة ؛ فلأنَّ ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض . قالت المعتزلةُ : ودلَّت الآية على كون العبد مكتسباً ، وعند أهل السُّنَّة معناها : أنَّ مجموع القُدْرَة مع الدَّاعية الحاصلة يوجب الفعل .