Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-92)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } الآية . قد تقدَّم الكلام في نظير الآية [ الأعراف : 138 ] ، وقرأ الحسن ، " وجوَّزْنَا : بتشديد الواو . قال الزمخشري : وجوَّزْنَا : من أجَازَ المكان ، وجَاوَزهُ ، وجوَّزَهُ ، وليس من " جَوَّز " الذي في بيت الأعشى : [ الكامل ] @ 2933 - وإذَا تُجَوِّزُها حِبَالُ قَبيلَةٍ أخَذَتْ مِنَ الأخْرَى إلَيْكَ حِبَالَهَا @@ لأنَّه لو كان منه لكان حقَّهُ أن يقال : وجَوَّزْنَا بني إسرائيل في البحر ؛ كما قال : [ الطويل ] @ 2934 - … كمَا جَوَّزَ السَّكِّيَّ في البَابِ فَيْتَقُ @@ يعني أنَّ فعَّل بمعنى فاعل وأفْعَل ، وليس التضعيفُ للتَّعدية ، إذ لو كان كذلك لتعدَّى بنفسه كما في البيت المشار إليه دون الباء . وقرأ الحسن : " فاتَّبَعَهُمْ " بالتَّشديد ، وقد تقدَّم الفرقُ . قال القرطبيُّ : يقالُ : تَبعَ ، وأتْبع بمعنى واحد إذا لحقهُ ، واتَّبَع - بالتَّشديد - إذا صار خلفهُ ، وقال الأصمعيُّ : يقال : أتبعه - بقطع الألف - إذا لحقه ، وأدْرَكَهُ ، واتَّبَعَه بوصل الألفِ - إذا اتَّبَع أثره وأدركهُ ، أو لم يدركهُ ، وكذلك قال أبُو زيدٍ ، وقرأ قتادة : " فاتبعهم " بوصل الألف وقيل : اتبعهُ - بوصل الألف في الأمْرِ - اقتدى به ، وأتبعه بقطع خيراً وشرّاً . هذا قولُ أبي عمرو . وقيل : بمعنى واحدٍ . قوله : " بَغْياً وَعَدْواً " يجُوزُ أن يكونا مفعولين من أجلهما أي : لأجل البغيْ والعَدْوِ ، وشروط النَّصب متوفرةٌ ، ويجُوزُ أن يكونا مصدرين في موضع الحال أي : باغين متعدِّين . وقرأ الحسنُ " وُعدواً " بضمِّ العين ، والدَّالِ المشدَّدةِ ، وقد تقدَّم ذلك في سُورة الأنعام [ الأنعام : 108 ] ، وقوله : " حَتَّىٰ إِذَآ " : غاية لاتباعه . قوله : " آمَنتُ أَنَّهُ " قرأ الأخوان بكسر " إنَّ " وفيها أوجه : أحدها : أنَّها استئنافُ إخبار ؛ فلذلك كسرت لوقوعها ابتداء كلامٍ . والثاني : أنَّه على إضمار القول أي : فقال إنَّهُ ، ويكون هذا القول مفسراً لقوله : " آمنتُ " . والثالث : أن تكون هذه الجملة بدلاً من قوله : " آمنتُ " ، وإبدالُ الجملة الاسميَّة من الفعليَّة جائزٌ ، لأنَّها في معناها ، وحينئذٍ تكون مكسورة ؛ لأنَّها محكيَّة بـ " قَالَ " هذا الظاهرُ . والرابع : أنَّ " آمنتُ " ضُمِّنَ معنى القول ؛ لأنَّه قولٌ . وقال الزمخشريُّ : " كرَّر المخذولُ المعنى الواحد ثلاث مرَّاتٍ في ثلاثِ عباراتٍ حِرْصاً على القبول " . يعني أنه قال : " آمنتُ " فهذه مرَّة ، وقال : { أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } فهذه مرة ثانية . وقال : { وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } فهذه ثالثةٌ ، والمعنى واحد . وهذا جنوحٌ منه إلى الاستئناف في " إنَّه " . وقرأ الباقون بفتحها وفيها أوجه : أحدها : أنَّها في محلِّ نصب على المفعول به أي : آمنتُ توحيد الله ؛ لأنَّه بمعنى صدَّقْتُ . الثاني : أنَّها في موضع نصب بعد إسقاط الجارِّ أي : لأنَّه . الثالث : أنَّها في محلِّ جرٍّ بذلك الجارِّ وقد تقدَّم ما فيه من الخلاف [ يونس : 2 ] . فصل لمَّا أجاب الله دعاءهما ، أمر بني إسرائيل بالخروج من مصر ، وكان فرعونُ غافلاً عن ذلك ؛ فلمَّا سمع بخروجهم " أتْبَعَهُمْ " أي : لحقهُم ، " بَغْياً وعَدْواً " أي : ظلماً واعتداءً . وقيل : بَغْياً في القولِ ، وعدواً في الفعل ، وكان البَحْرُ قد انفلق لموسى وقومه فدخلوا ، وخرجوا ، وأبقى الله تعالى ذلك الطريق يبساً ، ليطمع فرعون ، وجنودهُ في العُبُور ، فلمَّا دخل مع جمعه ، ودخل آخرهم ، وهمَّ أوَّلهم بالخروج ، انطبق عليهم البحرُ فلمَّا " أدْرَكَهُ الغرقُ " أي : غمره الماء ، وقرب هلاكه " قال آمَنْتُ " . فإن قيل : إنَّ الإنسان إذا وقع في الغرق لا يمكنه أن يتلفَّظ بهذا اللفظ ، فكيف حكى الله عنه أنَّهُ ذكر ذلك ؟ . فالجوابُ من وجهين : الأول : أنَّ الكلام الحقيقيَّ هو كلام النَّفْسِ لا كلام اللسان ، فذكر هذا الكلام بالنفس . الثاني : أن يكون المرادُ بالغرق مقدماته . فإن قيل : إنَّه آمن ثلاث مرات على ما تقدم عن الزمخشري ، فما السَّببُ في عدم القبولِ ؟ فالجواب : من وجوهٍ : أحدها : أنَّهُ إنَّمَا آمن عند نزول العذاب ، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول ، قال تعالى : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] . الثاني : إنَّما ذكر هذه الكلمة ليتوسَّل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة ، ولم يكن مقصودهُ بالكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى ، فلم يَكُنْ مُخْلِصاً . وثالثها : أنَّ ذلك الإقرار كان تقليداً ، فإنهُ قال : { لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } فكأنه اعترف بأنَّه لا يعرفُ الله ، وإنَّما سمع من بني إسرائيل أنَّ للعالم إلهاً ، فهو أقَرّ بذلك الإله الذي سمع بني إسرائيل يُقرُّونَ بوجوده ، وهذا محضُ التَّقليدِ ، وفرعون قيل إنَّهُ كان من الدَّهرية المنكرين لوجود الصَّانع ، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا يزولُ إلاَّ بالحُجَّةِ القطعيَّة ، لا بالتَّقليد المحضِ . ورابعها : أنَّ بعض بني إسرائيل لمَّا جاوزوا البحر عبدُوا العجل ، فلما قال فرعون : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } انصرف ذلك إلى العجلِ الذي آمنوا بعبادته ، فكانت هذه الكلمةُ في حقه سبباً لزيادة كُفْره . وخامسها : أنَّ أكثر اليهُودِ يقولون بالتَّشبيه والتَّجْسِيم ، ولهذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنِّهم أنَّهُ تعالى في جسد ذلك العجل ، فلمَّا قال فرعونُ : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } فكأنَّهُ آمن بالله الموصوف بالجسميَّة ، والحلول والنُّزول ، ومن اعتقد ذلك ؛ فهو كافرٌ ، فلذلك ما صحَّ إيمانُهُ . وسادسها : أنَّ الإيمان إنَّما يتمُّ بالإقرارِ بوحدانية الله ، والإقرار بنُبُوَّةِ موسى - عليه الصلاة والسلام - فلمَّا أقرَّ فرعونُ بالوحدانية ، ولمْ يقر بنبوَّةِ موسى لم يصحَّ إيمانه ؛ كما لو قال الكافر ألف مرة : أشهد أن لا إله إلاَّ الله لم يصح إيمانه حتى يقول معه : وأشهدُ أنَّ محمداً رسول الله ، فكذا ههنا . وسابعها : روى الزمخشري أنَّ جبريل - عليه السلام - أتى فرعون مُستفتياً : ما قولُ الأمير في عبدٍ نشأ من مالِ مولاهُ ونعمته ، فكفر بنعمته وجحد حقَّه ، وادَّعَى السِّيادة دونهُ ؟ فكتب فرعون يقول : أبو العباس الوليد بن مصعب : جزاء العبد الخارج على سيده ، الكافر بنعمته أن يغرق في البحر ، ثمَّ إنَّ فرعون لما غرق ؛ رفع جبريل عليه السلام فتياه إليه . قوله : " الآن " منصوبٌ بمحذوفٍ أي : آمَنْتَ الآن ، أو اتُؤمن الآن . وقوله : " وقَدْ عَصَيْتَ " جملةٌ حالية ، تقدَّم نظيرها . واختلفوا في قائل هذا الكلام ، فقيل : هو جبريلُ ، وإنَّما قال : { وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } في مقابلة قوله { وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . وقيل : القائلُ هو الله تعالى ؛ لأنَّه قال بعدهُ : { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } إلى أن قال : { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } ، وهذا ليس إلاَّ كلام الله تعالى . فإن قيل : ظاهرُ اللفظ يدلُّ على أنَّه إنَّما لم تقبل التوبة للمعصية المتقدمة ، والفساد السَّابق ، وهذا التعليلُ لا يمنعُ من قبول التوبةِ . فالجوابُ من وجهين : الأول : أنَّ قبول التَّوبةِ غير واجب عقلاً ، ويدُلُّ عليه هذه الآيةُ . الثاني : أنَّ التعليل ما وقع لمجرَّد المعصية السَّابقة ، بل بتلك مع كونه من المفسدين . فصل روي أن جبريل - عليه السلام - أخذ يملأ فمه بالطِّين لئلاَّ يتوب غضباً عليه والأقربُ أنَّ هذا لا يصحُّ ؛ لأنَّه في تلك الحالِ إمَّا أن يقال التكليف كان ثابتاً ، أو ما كان ثابتاً ، فإن كان ثابتاً لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة ، بل يجبُ عليه أن يعينه على التوبةِ ، وعلى كُلِّ الطَّاعات ، لقوله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } [ المائدة : 2 ] وأيضاً ، فلو منعه بما ذكر لكانت التَّوبة ممكنةً ؛ لأنَّ الأخرس قد يتوبُ بأن يندمَ بقلبه ويعزم على ترك معاودة القبيح ، فلا يبقى لما فعله جبريل فائدة ، وأيضاً لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر ، والرِّضا بالكفر كفر وأيضاً كيف يليق بالله تعالى أن يقول لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] ثُمَّ يأمُرُ جبريل أن يمنعهُ من الإيمان . فإن قيل : إنَّ جبريل إنَّما فعل ذلك من قبل نفسه لا بأمر الله ، فهذا يبطله قول جبريل : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } [ مريم : 64 ] وقوله تعالى في صفة الملائكة : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 27 ] . وإن قيل إنَّ التكليف كان زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت ، فلا يبقى للفعل المنسوب لجبريل فائدة أصلاً . قوله : { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } في " بِبدنِكَ " وجهان : أحدهما : أنَّها باء المصاحبةِ بمعنى مصاحباً لبدنك ، وهي الدَّرْع ، فيكونُ " بِبدنِكَ " في موضع الحالِ . قال المفسِّرُون : لمْ يُصدِّقُوا بغرقه ، وكانت لهُ دِرْعٌ تعرفُ فألقي بنجوة من الأرض ، وعليه درعهُ ليعرفوهُ ، والعربُ تطلقُ البدنَ على الدِّرع ، قال عمرو بن معد يكرب : [ الوافر ] @ 2935 - أعَاذِل شِكَّتِي بَدَنِي وسَيْفِي وكُلُّ مُقلَّصٍ سَلِسِ القِيَادِ @@ وقال آخرُ : [ الوافر ] @ 2936 - تَرَى الأبْدانَ فِيهَا مُسْبَغَاتٍ عَلى الأبْطَالِ واليَلَبَ الحَصِينَا @@ أراد بالأبدان : الدُّرُوع ، واليَلَبُ : الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود يُخْرَزُ بعضها إلى بعض ، وهو اسم جنس ، الواحد : يَلَبَةٌ . وقيل : بِبدنِكَ أيك عُرْيَان لا شيء عليه ، وقيل : بَدَناً بلا رُوحٍ . والثاني : أن تكون سببيَّة على سبيل المجاز ؛ لأنَّ بدنهُ سببٌ في تنجيته ، وذلك على قراءةِ ابن مسعود وابن السَّمَيْفَع " بِندَائِكَ " من النِّداءِ ، وهو الدُّعاء : أي : بما نادى به في قومه من كفرانه في قوله : { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } [ الزخرف : 51 ] { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 23 ، 24 ] { يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] . وقرأ يعقوب " نُنْجِيكَ " مخففاً من أنجاه . وقرأ أبو حنيفة : " بأبْدانِكَ " جمعاً : إمَّا على إرادةِ الأدْرَاع ، لأنَّهُ كان يلبسُ كثيراً منها خوفاً على نفسه ، أو جعل كُلَّ جُزءٍ من بدنه بدناً كقوله : " شَابَتْ مَفارِقُهُ " ؛ قال : [ الكامل ] @ 2937 - … شَابَ المَفارِقُ واكتَسَيْْنَ قتيرَا @@ وقرأ ابن مسعود ، وابن السَّميْفَع ، ويزيد البربريّ نُنَحِّيكَ بالحاء المهملةِ من التَّنْحِيةِ أي : نُلْقيكَ فيما يلي البحر ، قال المفسرون : رماه إلى ساحل البحرِ كالثَّور . وهل تُنَجِّيك من النجاة بمعنى نُبْعِدك عمَّا وقع فيه قومُكَ من قَعْرِ البحر ، وهو تهكُّم بهم ، أو مِنْ ألقاه على نجوة أي : رَبْوة مرتفعة ، أو من النَّجاة ، وهو التَّرْكُ أو من النَّجاءِ ، وهو العلامة ، وكلُّ هذه معانٍ لائقة بالقصَّة ، والظَّاهرُ أنَّ قولهُ : { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ } خبرٌ محض . وزعمَ بعضُهُم أنَّه على نيَّة همزةِ الاستفهامِ ، وفيه بعدٌ لحذفها من غير دليلٍ ، ولأنَّ التعليل بقوله " لِتكُون " لا يُناسِبُ الاستفهام . و " لِتَكُونَ " متعلقٌ بـ " نُنَجِّيكَ " و " آيَةً " أي : علامة وقيل : عِبْرةً وعِظَةً ، و " لِمَنْ خَلْفكَ " في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " آيَةً " لأنَّه في الأصل صفةٌ لها . وقرأ بعضهم " لِمَنْ خلقك " آية كسائر الآيات . وقرئ " لِمَن خلَفكَ " بفتح اللاَّم جعله فعلاً ماضياً ، أي : لِمَنْ خلفكَ من الجبابرة ليتَّعِظُوا بذلك . وقرىء " لِمَنْ خلقَكَ " بالقاف فعْلاً ماضياً ، وهو الله تعالى أي : ليجعلك الله آية له في عباده . فصل في كونه " لِمَنْ خلفه آيةً " وجوه : أحدها : أنَّ الذين اعتقدُوا إلاهيته لمَّا لم يُشَاهدُوا غرقه كذَّبُوا بذلك ، وزعموا أنَّ مثله لا يموت ، فأخرجه الله تعالى بصورته حتى أبصروه وزالت الشُّبْهةُ عن قلوبهم . الثاني : أنَّه تعالى أراد أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والمهانة بعد ما سمعوا منه قوله : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] ليكون ذلك زَجْراً للخَلْقِ عن مثل طريقته . الثالث : أنه تعالى لمَّا أغرقه مع جميع قومه ، ثُمَّ إنَّه تعالى ما أخرج أحداً منهم من قَعْر البَحْرِ ، بل خصَّهُ بالإخراج كان تخصيصه بهذه الحالة عجيبة دالة على قدرة الله تعالى ، وعلى صدق موسى - عليه الصلاة والسلام - في دعوة النبوَّةِ . الرابع : تقدم في قراءة من قرأ لمن خالقك بالقاف أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته . ثم قال تعالى { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } والظَّاهرُ أنَّ هذا الخطاب لأمة محمد - عليه الصلاة والسلام - زجراً لهم عن الإعراض عن الدَّلائل ، وباعثاً لهم على التأمُّلِ فيها والاعتبار بها ، كما قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ يوسف : 111 ] .