Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 24-24)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لمَّا ذكر الفريقين ذكر لهما مثالاً مطابقاً . { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ } مبتدأ ، و " كَٱلأَعْمَىٰ " خبره ، ثُمَّ هذه الكاف يحتمل أن تكون هي نفس الخبر ، فتقدَّر بـ " مثل " ، تقديره : مثلُ الفريقين مثل الأعمى . ويجوزُ أن تكون " مَثَلُ " بمعنى " صفة " ، ومعنى الكافِ معنى " مِثْل " ، فيقدَّر مضافٌ محذوفٌ ، أي : كمثل الأعمى . وقوله : { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ } يجوزُ أن يكون من باب تشبيه شيئين بشيئين ، فقابل العمى بالبصَرِ ، والصَّمَم بالسَّمْع ، وهو من الطِّباق ، وأن يكون من تشبيه شيءٍ واحد بوصفيه بشيءٍ واحدٍ بوصفيه ، وحينئذٍ يكون قوله : { كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ } وقوله : { وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ } من بابِ عطف الصفات ؛ كقوله : [ المتقارب ] @ 2958 - إلى المَلكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمَامِ وليْثِ الكتيبَةِ في المُزْدَحَمْ @@ وقد أحسن الزمخشريُّ في التَّعبير عن ذلك فقال : شبَّه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وفريق المؤمنين بالبصيرِ والسَّميعِ ، وهو من اللفِّ والطِّباق ، وفيه معنيان : أن يُشَبِّه الفريقين تشبيهين اثنين ، كما شبَّه امرؤُ القيس قلوبَ الطَّير بالحشفِ والعُنَّاب ، وأن يُشَبِّه بالذي جمع بين العمى والصَّمم ، والذي جمع بين البصرِ والسَّمعِ ، على أن تكون الواو في " والأصَمِّ " وفي " والسَّمِيع " لعطف الصِّفةِ على الصفة كقوله : [ السريع ] @ 2959 - … الصْـ ـصَابحِ فالغَانِمِ فالآيِبِ @@ يريد بقوله : " اللَّف " أنه لفَّ المؤمنين ، والكافرين اللَّذين هما مشبَّهان بقوله : " الفريقين " ولو فسَّرهما لقال : مثلُ الفريق المؤمن كالبصيرِ والسَّميع ، ومثلُ الكافر كالأعمى والأصم ، وهي عبارةٌ مشهورةٌ في علم البيان : لفظتان متقابلتان ، اللَّفُّ والنشرُ ، أشار لقول امرىء القيس : [ الطويل ] @ 2960 - كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْر رَطْباً ويَابِساً لَدَى وكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ البَالِي @@ أصلُ الكلامِ : كأنَّ الرَّطْبَ من قلوب الطَّيرِ : العُنَّابُ ، واليابس منها : الحَشَفُ ، فلفَّ ونشر ، وللّف والنشر في علم البيان تقسيمٌ كثير ، ليس هذا موضعه . وأشار بقوله : " الصَّابح فالغانم " إلى قوله : [ السريع ] @ 2961 - يَا وَيْحَ زيَّابةَ لِلْحَارثِ الصْـ ـصَابِحِ فالغَانمِ فالآيِبِ @@ وقد تقدَّم ذلك في أول البقرة . فإن قيل : لِمَ قدَّم تشبيه الكافر على المؤمن ؟ فالجوابُ : لأنَّ المتقدِّمَ ذكر الكفَّار ، فلذلك قدَّم تمثيلهم . فإن قيل : ما الحكمةُ في العدول عن هذا التركيب لو قيل : كالأعمى والبصير ، والأصم والسَّميع ، لتتقابل كلُّ لفظةٍ مع ضدها ، ويظهر بذلك التَّضادُّ ؟ . فالجوابُ : بأنَّه تعالى لمَّا ذكر انسدادَ العين أتبعهُ بانسدادِ الأذن ، ولمَّا ذكر انفتاح العين أتبعهُ بانفتاح الأذن ، وهذا التَّشبيهُ أحدُ الأقسام ، وهو تشبيهُ أمْرٍ معقول بأمر محسوس ، وذلك أنَّهُ شبَّه عمى البصيرة وصممها بعمى البصرِ وصمم السَّمع ، ذاك متردِّدٌ في ظُلمِ الضَّلالات ، كما أنَّ هذا مُتحير في الطُّرقاتِ . قوله : مَثَلاً " تمييز ، وهو منقولٌ من الفاعليَّة ، والأصلُ : هل يستوي مثلهما ، كقوله تعالى { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [ مريم : 4 ] وجوَّز ابنُ عطية أن يكون حالاً ، وفيه بعدٌ صناعةً ومعنى ؛ لأنَّه على معنى " مِنْ " لا على معنى " في " . ثم قال : { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } مُنَبِّهاً على أنَّهُ يمكنه علاج هذا العمى وهذا الصَّمَم ، وإذا كان العلاجُ مُمْكناً ، وجب على العاقل أن يسعى في ذلك العلاج بقدر الإمكان .