Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 77-83)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً } قال ابنُ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : انطلقُوا من عند إبراهيم إلى " لُوطٍ " [ و ] بين القريتين أربعة فراسخَ ، ودخلوا عليه على صورة غلمان مرد حسان الوجوه . قوله : { سِيۤءَ بِهِمْ } فعلٌ مبنيٌّ للمفعول ، والقائمُ مقامَ الفاعل ضمير " لُوطٍ " من قولك : " سَاءَنِي كَذا " أي : حصل لي سُوءٌ ، و " بِهِمْ " متعلقٌ به ، أي : بسببهم ، يقال : سؤته فسيء كما يقال : سَرَرْتُه فَسُرَّ ، ومعناهُ : سَاءَهُ مَجِيئُهم وسَاءَ يَسُوءُ فعل لازم . قال الزجاجُ : " أصله " سُوىءَ بِهِمْ " إلاَّ أنَّ الواو أسكنت ونقلت كسرتها إلى السين " . و " ذَرْعاً " نصبٌ على التَّمييز ، وهو في الأصل مصدر ذرع البعير يذرع بيديه في سيره إذا سار على قدر خطوه ، اشتقاقاً من الذِّراع ، تُوسِّع فيه فوضع موضع الطَّاقة والجهد . فقيل : ضاقَ ذَرْعُه ، أي طاقته ؛ قال : [ البسيط ] @ 2999 - … فاقْدِرْ بِذرْعِكَ وانْظُرْ أيْنَ تَنْسَلِكُ @@ وقد يقعُ الذِّراعُ موقعهُ ؛ قال : [ الوافر ] @ 3000 - إذَا التَّيَّازُ ذُو العضلاتِ قُلْنَا إلَيْكَ إلَيْكَ ضَاقَ بِهَا ذِرَاعا @@ قيل : هو كنايةٌ عن ضيق الصَّدْرِ . وقوله : " عَصِيبٌ " العَصِبُ والعَصبْصَبُ والعَصُوب : اليومُ الشَّديدُ الكثيرُ الشَّرِّ ، الملتفُّ بعضه ببعض قال : [ الوافر ] @ 3001 - وكُنْتَ لِزازَ خَصْمِكَ لَمْ أعَرِّدْ وَقَدْ سَلكُوكَ في يومٍ عَصِيبِ @@ وعن أبي عبيدة : " سُمِّي عصيباً ؛ لأنَّه يعصبُ النَّاسَ بالشَّرِّ " . كأنَّه عصب به الشَّر والبلاء أي : حشدوا والعِصَابةُ : الجماعةُ من النَّاس سُمُّوا بذلك لإحاطتهم إحاطة العصابة . والمعنى : أنَّ لوطاً لمَّا نظر إلى حسن وجوههم ، وطيب روائحهم ، أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشةِ ، وعلم أنَّه سيحتاجُ إلى المدافعة عنهم ، فلذلك ضاق بهم ذَرْعاً أي : قَلْباً . يقال : ضَاقَ ذَرْعُ فلان بكذا ، إذا وقع في مكروهٍ ، ولا يطيقُ الخُروج منه . قوله : { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ } " يُهْرَعُونَ " في محلِّ نصب على الحال . والعامَّةُ على " يُهْرَعُونَ " مبنياً للمفعول . وقرأت فرقة بفتح الياء مبنيّاً للفاعل من لغة " هَرَع " والإهراعُ : الإسْراعُ . ويقالُ : هو المَشْيُ بين الهرولة والجمز . وقال الهرويُّ : هَرَعَ وأهرع : استحث . وقيل : " الإهراعُ : هو الإسْرَاع مع الرّعدة " . قيل : هذا من باب ما جاء بصيغةِ الفاعلِ على لفظِ المفعولِ ، ولا يعرف له فاعل نحو : أولع فلان ، وأرْعِدَ زَيْدٌ ، وزُهي عمرٌو من الزهو . وقيل : لا يجوزُ ورود الفاعل على لفظ المفعول ، وهذه الأفعالُ عرف فاعلوها . فتأويلُ أولع فلانٌ أي : أولعهُ حبُّه ، وأرْعدَ زيدٌ أي : أرعده غضبه ، وزُهي عَمْرٌو أي : جعله ما لهُ زاهياً ، وأهرع فلانٌ أي : أهرعه خوفه ، أو حرصه . فصل روي أنَّه لمَّا دخلت الملائكةُ دار لوط - عليه السلام - مضت امرأته فقالت لقومه : دخل دارنا قوم ما رأيت أحسن منهم وجوهاً ولا أطيب منهم رائحة فـ " جَاءَهُ قَوْمُهُ " مسرعين { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي : من قبل مجيئهم إلى لوطٍ كانوا يأتون الرِّجال في أدبارهم ، فقال لهم لوطٌ - عليه السلام - : حين قصدوا أضيافه فظنوا أنهم غلمان { يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يعني : بالتزويج . قوله : { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي } جملةٌ برأسها ، و { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } جملةٌ أخرى ، ويجُوزُ أن يكون " هؤلاءِ " مبتدأ ، و " بَنَاتِي " بدلٌ أو عطفُ بيان ، وهُنَّ مبتدأ ، و " أطْهَرُ " خبره ، والجملة خبر الأول . ويجوز أن يكون " هُنَّ " فصلاً ، و " أطْهَرُ " خبر : إمَّا لـ " هَؤلاءِ " ، وإمَّا لـ " بَنَاتِي " والجملةُ خبر الأوَّلِ . وقرأ الحسنُ وزيدُ بنُ عليّ ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ ، وعيسى بن عمر ، والسُّدي " أطْهَرَ " بالنَّصْب ، وخُرِّجَتْ على الحالِ ، فقيل : " هؤلاءِ " مبتدأ ، و " بَنَاتِي هُنَّ " جملة في محلِّ خبره ، و " أطْهَرَ " حال ، والعاملُ : إمَّا التَّنبيهُ وإمَّا الإشارةُ . وقيل : " هُنَّ " فصلٌ بين الحالِ وصاحبها ، وجعل من ذلك قولهم : " أكثر أكْلِي التفاحة هي نضيجةً " ومنعه بعضُ النحويين ، وخرج الآية على أنَّ " لَكُم " خبر " هُنَّ " فلزمه على ذلك أن تتقدَّم الحالُ على عاملها المعنويِّ ، وخرَّج المثل المذكور على أنَّ " نَضِيجَةٌ " منصوبة بـ " كَانَ " مضمرة . فصل قال قتادةُ - رحمه الله - : " المرادُ بناته لصلبه " ، وكان في ذلك الوقت تزويج المسلمة من الكافر جائزاً كما زوَّج النبي - صلوات الله البرّ الرحيم وسلامه عليه دائماً أبداً - ابنته من عُتْبة بن أبي لهبٍ ، وزوج ابنته الأخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي ، وكانا كافرين . وقال الحسنُ بن الفضل : عرض بناته عليهم بشرط الإسلام . وقال مجاهدٌ وسعيدُ بن جبير : أراد نساءهم ، وأضاف إلى نفسه ؛ لأنَّ كُلَّ نبيٍّ أبو أمته وفي قراءة أبي بن كعب " { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] وهو أب لهم " وهذا القول أولى ؛ لأنَّ إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفُجَّار أمر مستعبدٌ لا يليقُ بأهل المروءةِ ، فكيف بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ؟ وأيضاً فبناته من صلبه لا تكفي للجمع العظيم ، أمَّا بناتُ أمته ففيهن كفاية للكُلِّ ، وأيضاً : فلم يكن له إلاَّ بنتان ، وإطلاق البنات على البنتين لا يجوز ؛ لما ثبت أنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة ؛ وقال بعضهم ذكر ذلك على سبيل الدفع لا على سبيل التحقيق . فإن قيل : ظاهرُ قوله : { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يقتضي كون عملهم طاهراً ، ومعلوم أنَّهُ فاسدٌ ؛ ولأنه لا طهارة في نكاح الرَّجُل . فالجوابُ : هذا جارٍ مجرى قولنا : الله أكبرُ ، والمرادُ : أنَّهُ كبيرٌ ، وكقوله : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } [ الصافات : 62 ] ولا خير فيها ، " ولمَّا قال أبو سفيان يوم أحد اعْلُ هُبَلُ اعلُ هُبَلُ ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعلى وأجلُّ " ولا مقاربة بين الله والصنم . قوله : { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } قرأ أبُو عمرو ونافع بإثبات ياء الإضافة في " تُخْزُونِ " على الأصل والباقون بحذفها للتخفيف ودلالة الكسر عليها . والضَّيفُ في الأصل مصدرٌ كقولك : رجالٌ صومٌ ، ثم أطلق على الطَّارق لميلانه إلى المُضِيف ، ولذلك يقعُ على المفردِ والمذكر وضدَّيهما بلفظٍ واحدٍ ، وقد يثنى فيقال : ضيفان ، ويجمع فيقال : أضياف وضُيُوف كأبيات وبُيُوت وضيفان كحوض وحِيضان . والضَّيف قائمٌ هنا مقام الأضياف ، كما قام الطفل مقام الأطفال في قوله : { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ } [ النور : 32 ] . فصل قال ابنُ عباسٍ : المرادُ : خافوا الله ، ولا تفضحوني في أضيافي ، يريد : أنَّهُم إذا هجمُوا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحةُ . وقيل : معناه لا تخجلوني فيهم ؛ لأنَّ مضيف الضَّيْفِ يلحقهُ الخجلُ من كُلِّ فعل قبيحٍ يتوجه إلى الضَّيف ، يقال : خزي الرجل إذا استحيا . ثم قال : { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } أي : صالح سديدٌ يقول الحق ، ويرد هؤلاء الأوباش عن أضيافي . وقال عكرمةُ : رجل يقول : لا إله إلاَّ الله . وقال ابن إسحاق : رجل يأمُرُ بالمعروفِ ، وينهى عن المنكر . { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ } يا لوطُ { مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } ، أي : لسن أزواجاً لنا فنستحقهنّ بالنكاح . وقيل : ما لنا في بناتك من حاجةٍ ، ولا شهوةٍ . وقيل : { مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان ، ونحنُ لا نجيبك إلى ذلك ، فلا يكون لنا فيهن حقٌّ . قوله : " مِنْ حقٍّ " يجوز أن يكون مبتدأ ، والجارُّ خبره ، وأن يكون فاعلاً بالجارِّ قبله لاعتماده على نفي ، و " مِنْ " مزيدةٌ على كلا القولين . قوله : " ما نُرِيدُ " يجُوزُ أن تكون " ما " مصدرية ، وأن تكون موصولة بمعنى " الَّذي " . والعلم عرفانٌ ؛ فلذلك يتعدَّى لواحدٍ أي : لتعرف إرادتنا ، أو الذي نريده . ويجوزُ أن تكون " ما " استفهامية ، وهي معلقة للعلم قبلها . والمعنى : إنك لتعلم ما نريد من إتيان الرِّجال . قوله : " لَوْ أنَّ " جوابها محذوفٌ تقديره : لفعلتُ بكم وصنعتُ كقوله : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ } [ الرعد : 31 ] قوله : " أَوْ آوِي " يجوز أن يكون معطوفاً على المعنى ، تقديره : أو أنِّي آوي ، قاله أبُو البقاءِ ويجوزُ أن يكون معطوفاً على " قُوَّةً " ؛ لأنه منصوبٌ في الأصل بإضمارِ أن فلمَّا حذفت " أنْ " رفع الفعلُ كقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ } [ الروم : 24 ] . واستضعف أبو البقاءِ هذا الوجه بعدم نصبه . وقد تقدَّم جوابه . ويدلُّ على اعتبار ذلك قراءةُ شيبة ، وأبي جعفر : " أوْ آوِيَ " بالنصب كقوله : [ الطويل ] @ 3002 - ولوْلاَ رجالٌ منْ رِزَامٍ أعِزَّةٍ وآلُ سُبَيْعٍ أو أسُوءكَ عَلْقَمَا @@ وقولها : [ الوافر ] @ 3003 - للُبْسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي أحَبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفُوفِ @@ ويجوز أن يكون عطف هذه الجملةِ الفعلية على مثلها إن قدَّرت أنَّ " أنَّ " مرفوعة بفعل مقدرٍ بعد " لَوْ " عند المبرد ، والتقدير : لو يستقر - أو يثبت - استقرار القوة أوْ آوي ، ويكون هذان الفعلان ماضيي المعنى ؛ لأنَّهما تقلب المضارع إلى المُضيِّ . وأمَّا على رأي سيبويه في كون أنَّ " أنَّ " في محلِّ الابتداء ، فيكون هذا مستأنفاً . وقيل : " أوْ " بمعنى " بل " وهذا عند الكوفيين . و " بِكُمْ " متعلق بمحذوفٍ ؛ لأنه حالٌ من " قُوَّة " ، إذ هو في الأصلِ صفةٌ للنكرة ، ولا يجوزُ أن يتعلق بـ " قُوَّةً " لأنها مصدرٌ . والرُّكْنُ بسكون الكافِ وضمها الناحية من جبلٍ وغيره ، ويجمع على أركان وأرْكُن ؛ قال : [ الرجز ] @ 3004 - وَزَحْمُ رُكْنَيْكَ شَدِيدُ الأرْكُنِ @@ فصل المعنى : لو أنَّ لي قوة البدنِ ، أو القوَّة بالأتباع ، وتسمية موجب القوة بالقوَّة جائز قال تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } [ الأنفال : 60 ] والمراد السلاح . { أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } أي : موضع حصين ، وقيل : أنضم إلى عشيرةٍ مانعةٍ . فإن قيل : كيف عطف الفعل على الاسم ؟ . فالجوابُ قد تقدَّم . قال أبُو هريرة - رضي الله عنه - : " ما بعث الله بعده نبيّاً إلاَّ في منعة من عشيرته " . " وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يَرْحَمُ اللهُ لُوطاً لقد كَانَ يَأوي إلى رُكْنٍ شديدٍ " . قال ابنُ عبَّاسٍ والمفسِّرُون - رضي الله عنهم - : أغلق لوطٌ بابه ، والملائكة معه في الدَّار وهو يناظرهم ويناشدهم من وراءِ البابِ ، وهم يُعَالجُونَ سور الجدار ، فلما رأت الملائكةُ ما يلقى لوطٌ بسببهم : { قَالُواْ يٰلُوطُ } إنَّ ركنك شديدٌ { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } بسوءٍ ومكروه فإنا نحولُ بينهم وبين ذلك ، فافتح الباب ، ودعنا وإيَّاهم ؛ ففتح الباب ودخلوا ، واستأذن جبريلُ - عليه الصلاة والسلام - ربه - عزَّو جلَّ - في عقوبتهم فأذن لهُ - فقام في الصُّورة التي يكون فيها ؛ فنشر جناحيه ، وعليه وشاح من دُرٍّ منظوم ، وهو براق الثَّنايا ، أجلى الجبين ، ورأسه مثل المرجان كأنَّه الثلج بياضاً ، وقدماه إلى الخضرة ، فضرب بجناحيه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم فصاروا لا يعرفون الطَّريق ، فانصرفوا وهم يقولون : النَّجاة النَّجاة في بيت لوطٍ أسحرُ قوم في الأرض ، سحرونا ، وجَعلوا يقولون : يا لوطُ كما أنت حتى تصبح ، وسترى ما تلقى منَّا غداً ، فقال لوطٌ للملائكةِ : متى موعد هلاكهم ؛ فقالوا : الصُّبح ، قال : أريدُ أسرع من ذلك فلو أهلكتموهم الآن ، فقالوا { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } . قوله : " فَأَسْرِ " قرأ نافعٌ وابنُ كثيرٍ : ( فٱسر بأهلك ) هنا وفي الحجر ، وفي الدخان ( فٱسر بعبادي ) ، وقوله : ( أن ٱسر ) في طه والشعراء ، جميع ذلك بهمزة الوصل تسقط درجاً وتثبتُ مكسورة ابتداء . والباقُون : " فأسْرِ " بهمزة القطع تَثْبتُ مفتوحةً درجاً وابتداء ، والقراءتان مأخوذتان من لغتي هذا الفعل فإنَّهُ يقال : سَرَى ، ومنه { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } [ الفجر : 4 ] ، وأسْرَى ، ومنه : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ } [ الإسراء : 1 ] وهل هما بمعنى واحدٍ أو بينهما فرقٌ ؟ خلافٌ فقيل : هما بمعنى واحدٍ ، وهو قولُ أبي عبيدٍ . وقيل : أسْرَى لأولِ الليل ، وسرى لآخره ، وهو قولُ اللَّيْثِ - رحمه الله - وأمَّا " سَارَ " فمختص بالنَّهار ، وليس مقلُوباً من " سَرَى " . فإن قيل " السُّرى " لا يكون إلاَّ بالليل ، فما الفائدةُ في قوله : { بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } ؟ . فالجوابُ : أنَّه لوْ لَمْ يَقُلْ " بِقِطْعٍ من اللَّيْلِ " جاز أن يكون أوَّله . قوله : " بأهْلِكَ " يجوز أن تكون الباءُ للتَّعدية ، وأن تكون للحال أي : مصاحباً لهم . وقوله : " بِقِطْعٍ " حال من " أهْلِكَ " أي : مصاحبين لقطعٍ ، على أنَّ المراد به الظلمة وقيل : الباء بمعنى " في " . والقِطْع : نصفُ اللَّيْل ؛ لأنَّهُ قطعةٌ منه مساويةٌ لباقيه ؛ وأنشد : [ الوافر ] @ 3005 - ونَائِحَةٍ تَنُوحُ بقطْعِ لَيْلٍ عَلَى رَجُلٍ بقَارعةِ الصَّعيدِ @@ وقال نافعُ بنُ الأزرق لعبد الله بن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : أخبرني عن قول الله - عزَّ وجلَّ - { بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } قال : هو آخر الليل سحر وقال قتادةُ : بعد طائفة من اللَّيلِ . وتقدم في سورة يونس . ثم قال : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } في الالتفات وجهان : أحدهما : نظر الإنسان إلى ما وراءه ، فيكونُ المرادُ أنه كان لهم في البلد أموال نهوا عن الالتفات إليها . والثاني : أنَّ المراد بالالتفات الانصرافُ ؛ كقوله تعالى : { أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا } [ يونس : 78 ] أي : لتصرفنا والمراد نهيهم عن التَّخلُّفِ . قوله : { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } قرأ ابنُ كثير ، وأبو عمرو برفع " امْرأتُكَ " والباقون بنصبها . وفي هذه الآية كلامٌ كثيرٌ . أمَّا قراءةُ الرَّفع ففيها وجهان : أشهرهما - عند المعربين - أنَّه على البدل من " أحد " وهو أحسنُ من النَّصب ، لأنَّ الكلام غيرُ موجب . وهذا الوجهُ ردَّهُ أبو عبيد بأنه يلزمُ منه أنَّهُم نُهُوا عن الالتفاتِ إلاَّ المرأة ، فإنَّها لم تُنْه عنه ، وهذا لا يجُوزُ ، ولوْ كان الكلامُ " ولا يَلْتَفِت " برفع " يَلْتَفتُ " يعني على أن تكون " لا " نافيةً ، فيكون الكلامُ خبراً عنهم بأنَّهُم لم يلتفتُوا إلاَّ امرأته فإنَّها تلتفتُ لكان الاستثناء بالبدليَّة واضحاً ، لكنَّهُ لم يقرأ برفع " يَلْتَفِتُ " أحد . واستحسن ابنُ عطية هذا الإلزامَ من أبي عبيدٍ . وقال : " إنَّه واردٌ على القول باستثناءِ المرأة من " أحد " سواءً رفعت المرأة أو نصبتها " . وهذا صحيحٌ ، فإنَّ أبا عبيد لم يُرد الرفع لخصوصِ كونه رفعاً ، بل لفسادِ المعنى ، وفسادُ المعنى دائر مع الاستثناء من " أحد " ، وأبو عبيد يخرِّجُ النصب على الاستثناء من " بِأَهْلِكَ " ولكنَّهُ يلزمُ من ذلك إبطالُ قراءة الرَّفع ، ولا سبيل إلى ذلك لتواتُرها . وقد انفصل المبرِّدُ عن هذا الإشكال الذي أورده أبو عبيد بأنَّ النَّهْيَ في اللفظ لـ " أحَد " وهو في المعنى للوط - عليه الصلاة والسلام - ، إذ التقدير : لا تدعْ منهم أحداً يلتفتُ ، كقولك لخادمك : " لا يَقُمْ أحَدٌ " النَّهْيُ لـ " أحد " وهو في المعنى للخادم ، إذ المعنى : لا تدعْ أحداً يقومُ . فآل الجوابُ إلى أنَّ المعنى لا تدعْ أحداً يلتفتُ إلاَّ امرأتك فدعها تلتفتُ ، هذا مقتضى الاستثناء كقولك : " لا تدَعْ أحَداً يقوم إلاَّ زيداً معناه : فدعهُ يقوم . وفيه نظرٌ ، إذ المحذور الذي قد فرَّ منه أبو عبيد موجودٌ هو أو قريب منه هنا . والثاني : أنَّ الرفع على الاستثناءِ المنقطع . وقال أبو شامة : قراءةُ النَّصب أيضاً من الاستثناء المنقطع ، فالقراءتان عنده على حدِّ سواء ، ولنسرُدْ كلامه قال : " الذي يظهرُ أنَّ الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع ، لم يقصدْ به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ، ولا من المنهيين عن الالتفات ، ولكن استؤنف الإخبار عنها ، فالمعنى : لكن امرأتكَ يجري لها كذا وكذا ، ويؤيدُ هذا المعنى أنَّ مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجرِ ، وليس فيها استثناءٌ ألبتَّة ، قال تعالى : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } [ الحجر : 65 ] الآية . فلم تقع العنايةُ في ذلك إلاَّ بذكر من أنجاهم الله تعالى ، فجاء شرح حالِ امرأته في سورة [ هود ] تبعاً لا مقصوداً بالإخراج ممَّا تقدَّم ، وإذا اتَّضح هذا المعنى عُلم أنَّ القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع ، وفيه النصبُ والرفعُ ، فالنَّصب لغةُ أهلِ الحجاز ، وعليه الأكثر ، والرَّفعُ لغةُ تميم ، وعليه اثنان من القراء " . قال أبُو حيَّان : " هذا الذي طوَّل به لا تحقيق فيه ، فإنَّه إذا لم يقصد إخراجها من المأمُور بالإسراء بهم ، ولا من المنهيِّين عن الالتفاتِ ، وجعل اسثناءً منقطعاً ، كان من المنقطع الذي لمْ يتوجَّهْ عليه العاملُ بحالٍ ، وهذا النَّوعُ يجبُ فيه النَّصْبُ على كلتا اللغتين وإنَّما تكون اللغتان فيما جاز توجُّهُ العامل عليه ، وفي كلا النوعين يكون ما بعد " إلاَّ " من غير الجنس المستثنى ، فكونه جاز فيه اللغتان دليل على أنَّهُ يتوجَّه عليه العاملُ وهو أنه قد فرض أنه لم يقصد بالاستثناء إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيِّين عن الالتفاتِ ؛ فكان يجبُ فيه إذ ذاك النَّصْبُ قولاً واحداً . قال شهابُ الدِّين : " أمَّا قوله : " إنَّه لم يتوجَّه عليه العامل " ليس بمسلَّم ، بل يتوجَّهُ عليه في الجملة ، والذي قاله النُّحاة ممَّا لم يتوجَّه عليه العاملُ من حيثُ المعنى نحو : ما زاد إلاَّ ما نقص ، وما نفع إلاَّ ما ضرَّ ، وهذا ليس من ذاك ، فكيف يعترض به على أبي شامة ؟ " . وأمَّا النصب ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّهُ مستثنى من " بأهلكَ " ، واستشكلُوا عليه إشكالاً من حيث المعنى : وهو أنه يلزمُ ألاَّ يكون سرى بها ، لكن الفرض أنه سرى بها يدلُّ عليه أنَّها التفتت ، ولو لم تكن معهم لما حسن الإخبار عنها بالالتفات ، فالالتفاتُ يدل على كونها سرت معهم قطعاً . وقد أجيب عنه بأنه لم يَسْرِ هو بها ، ولكن لمَّا سرى هو وبنتاه تبعتهم فالتفتت ، ويؤيِّد أنَّه استثناء من الأهل ما قرأ به عبد الله وسقط من مصحفه ، " فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقطْعٍ من اللَّيْلِ إلاَّ امرأتك " ولم يذكر قوله { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } . والثاني : أنَّهُ مستثنى منْ " أحد " وإن كان الأحسنُ الرّفع إلاَّ أنَّهُ جاء كقراءة ابن عامرٍ : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } [ النساء : 66 ] ، بالنَّصْبِ مع تقدُّم النفي الصَّريح . وهناك تخريجٌ آخرُ لا يمكن هنا . والثالث : أنه مستثنى منقطعٌ على ما تقدَّم عن أبي شامة . وقال الزمخشري : " وفي إخراجها مع أهله روايتان ، روي أنَّه أخرجها معهم ، وأمر أن لا يلتفت منهم أحدٌ إلاَّ هي ، فلمَّا سمعتْ هدَّة العذاب التفتت وقالت : يا قوماه ، فأدركها حجرٌ فقتلها ، وروي أنه أمر بأن يخلِّفها مع قومها فإنَّ هواها إليهم ولم يَسْرِ بها ، واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين " . قال أبُو حيَّان : " وهذا وهمٌ فاحشٌ ، إذْ بَنَى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنَّه سرى بها أو لم يسر بها وهذا تكاذبٌ في الإخبار ، يستحيلُ أن تكون القراءتان - وهما من كلام الله تعالى - يترتبان على التَّكاذُبِ " . قال شهابُ الدِّين : " وحاش لله أن تترتب القراءتان على التَّكاذُبِ ، ولكن ما قاله الزمخشري صحيحٌ ، الفرض أنَّهُ قد جاء القولان في التفسير ، ولا يلزم من ذلك التَّكاذبُ ؛ لأنَّ من قال إنَّه سرى بها يعني أنَّها سرتْ هي بنفسها مصاحبةً لهم في أوائل الأمر ، ثمَّ أخذها العذابُ فانقطع سُراها ، ومن قال إنَّه لم يسر بها ، أي : لَمْ يأمرها ، ولم يأخذها ، وأنَّهُ لم يدُم سراها معهم بل انقطع فصحَّ أن يقال : إنَّهُ سرى بها ولم يَسْرِ بها ، وقد أجاب النَّاسُ بهذا ، وهو حسنٌ " . وقال أبو شامة : " ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاةُ معنى حسنٌ ، وذلك أن يكون في الكلام اختصار نبَّه عليه اختلاف القراءتين فكأنَّهُ قيل : فأسر بأهلك إلاَّ امرأتك ، وكذا روى أبو عبيد وغيره أنها في مصحف عبد الله هكذا ، وليس فيها : " ولا يلتفتْ منكمْ أحَدٌ " فهذا دليلٌ على استثنائها من السُّرَى بهم ثم كأنه سبحانه وتعالى قال : فإن خرجتْ معكم وتَبعتْكُم - غير أن تكون أنت سريتَ بها - فانْهَ أهلك عن الالتفات غيرها ، فإنَّها ستلتفت فيصيبها ما أصاب قومها ، فكانت قراءة النَّصب دالَّة على المعنى المتقدم ، وقراءةُ الرَّفعِ دالَّةٌ على المعنى المتأخر ، ومجموعهما دالٌّ على جملة المعنى المشروح " . وهو كلامٌ حسنٌ شاهدٌ لما ذكرته . قوله : { إِنَّهُ مُصِيبُهَا } الضَّميرُ ضمير الشَّأنِ ، " مُصِيبُهَا " خبرٌ مقدَّم ، و " مَا أصَابَهُمْ " مبتدأ مؤخَّر وهو موصولٌ بمعنى " الذي " ، والجملة خبرُ " إنَّ " ؛ لأنَّ ضمير الشَّأنِ يُفسَّر بجملةٍ مصرَّحٍ بجزأيها . وأعرب أبو حيان : " مُصِيبُهَا " مبتدأ ، و " مَا أصَابهُمْ " الخبر وفيه نظرٌ من حيثُ الصَّناعة : فإنَّ الموصول معرفة ، فينبغي أن يكون المبتدأ : " مُصِيبُهَا " نكرةً ؛ لأنه عاملٌ تقديراً فإضافتهُ غير محضةٍ ، ومن حيث المعنى : إنَّ المراد الإخبار عن الذي أصابهم أنه مُصيبها من غير عكس ويجوز عند الكوفيين أن يكون " مُصِيبُهَا " مبتدأ ، و " ما " الموصولةُ فاعلٌ لأنَّهم يجيزون أن يفسَّر ضميرُ الشَّأن بمفرد عاملٍ فيما بعده نحو : " إنَّهُ قائمٌ أبواك " . قوله : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ } أي : موعد إهلاكهم . وقرأ عيسى بن عمر " الصُّبُح " بضمتين فقيل : لغتان ، وقيل : بل هي إتباعٌ ، وقد تقدَّم البحثُ في ذلك [ الأنعام : 96 ] . قوله : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } قيل : المراد حقيقتهُ ، وقيل : المرادُ بالأمر العذابُ ، قال بعضهم : لا يمكن حملهُ هنا على العذاب ؛ لأن قوله : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا } ، فالجعل هو العذاب فكان الأمر شرطاً ، والعذاب الجزاءُ ، والشرط غير الجزاء ، فالأمر غير العذاب ، فدلَّ على أن الأمر هو ضدُّ النهي ؛ ويدل على ذلك قول الملائكة : { إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } [ هود : 70 ] فدل على أنَّهم أمروا بالذهاب إلى قوم لوط بإيصال العذاب إليهم . فإن قيل : لو كان كذلك ، لقال : " فلما جاء أمرنا ، جعلوا عاليها سافلها " ، لأن الفعل صدر عن المأمور . فالجواب : أن فعل العبد فعل الله تعالى ، وأيضاً : فالذي وقع إنَّما وقع بأمْر الله ، وبأقداره ، فلا يمتنع إضافته إلى الله تعالى ؛ فكما يحسُنُ إضافتهُ إلى المباشرين ، يحسنُ إضافته إلى المسَبِّب . قوله : { عَالِيَهَا سَافِلَهَا } مفعولا الجعل الذي بمعنى التَّصْيير ، و " سِجِّيلٍ " قيل : هو في الأصل مركَّب من " سنك وكل " وهو بالفارسيَّة حجر وطين فعُرِّب ، وغُيِّرت حروفهُ ، كما عرَّبُوا الدِّيباج والدِّيوان والاستبرق . وقيل : " سِجِّيل " اسمٌ للسَّماء ، وهو ضعيفٌ أو غلطٌ ، لوصفه بـ " مَنْضُودٍ " . وقيل : من أسْجَلَ ، أي : أرسل فيكون " فِعِّيلاً " ، وقيل : هو من التسجيل ، والمعنى : أنه ممَّا كتب الله وأسجل أن يُعذَّب به قوم لوط ، وينصرُ الأول تفسيرُ ابن عبَّاسٍ أنَّهُ حجرٌ وطين كالآجر المطبوخ وعن أبي عبيدة هو الحجر الصُّلب . وقيل : " سِجِّيل " موضع الحجارةِ ، وهي جبالٌ مخصوصة . قال تعالى : { مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [ النور : 43 ] . قال الحسن : كان أصل الحجر هو الطين فشددت . و " مَنضُودٍ " صفةٌ لـ " سِجِّيلٍ " . والنَّضد : جعلُ الشَّيء بعضهُ فوق بعضٍ ، ومنه { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [ الواقعة : 29 ] أي : متراكب ، والمراد وصفُ الحجارة بالكثرة . " مُسَوَّمَةً " نعتٌ لـ " حِجَارة " ، و حينئذ يلزمُ تقدُّمُ الوصف غير الصَّريح على الصَّريح لأنَّ " مِنْ سِجِّيل " صفةٌ لـ " حِجَارة " ، والأولى أن يجعل حالاً من " حِجَارة " ، وسوَّغ مجيئها من النكرة تخصُّص النكرة بالوصف . والتَّسْويم : العلامةُ . قيل : عُلِّم على كُلِّ حجرٍ اسمُ من يرمي به وتقدَّم اشتقاقُه في آل عمران [ 14 ] في قوله : { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } وقال الحسنُ والسديُّ : كان عليها أمثال الخواتيم . قال أبو صالحٍ : رأيتُ منها عند أم هانىء ، وهي حجارة فيها خطوط حمرٌ على هيئة الجَزْع . وقال ابنُ جريجٍ : كان عليها سيماء لا تشبه حجارة الأرض . و " عِنْدَ " إمَّا منصوبٌ بـ " مُسَوَّمَةً " ، وإمَّا بمحذوفٍ على أنَّها صفةٌ لـ " مُسَوَّمَةً " . وقله : " ومَا هِيَ " الظَّاهرُ عودُ هذا الضمير على القرى المهلكة . وقيل : يعودُ على الحِجَارة وهي أقربُ مذكور . وقيل : يعودُ على العُقوبةِ المفهومة من السِّياقِ ، ولَمْ يُؤنِّثْ " بِبَعيدٍ " إمَّا لأنَّهُ في الأصل نعتٌ لمكانٍ محذوف تقديره : وما هي بمكانٍ بعيدٍ بل هو قريبٌ ، والمرادُ به السَّماء أو القُرَى المهلكة ، أي : وما تلك القرى المهلكة من كفَّار مكة - ببعيدٍ ؛ لأنَّ تلك القرى في الشَّام ، وهي قريب من مكَّة ، وإمَّا لأنَّ العقوبة والعقاب واحدٌ ، وإمَّا لتأويل الحجارة بعذابٍ أو بشيءٍ بعيدٍ ، والمراد بالآية كفار مكة ، أي أنه تعالى يرميهم بهذه الحجارة . " قال أنس بن مالك سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن هذا فقال : " مَا مِنْ ظالمٍ إلاَّ وهو بمعرض حجرِ يسقطُ عليه من ساعةٍ إلى ساعةٍ " . وقال قتادةُ وعكرمةُ : يعنى ظالمي هذه الأمة ، والله ما أجار اللهُ منها ظالماً . روي : أنَّ الحجر اتَّبع شُذَّاذهم ومسافريهم أين كانوا في البلادِ ، ودخل رجلٌ منهم الحرم ، فكان الحجرُ معلقاً بين السَّماء والأرض أربعين يوماً حتى خرج ؛ فأصابه فأهلكه .