Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 7-7)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لمَّا أثبت بالدَّليلِ المتقدم كونه عالماً بالمعلومات ، أثبت بهذا الدليل كونه قادراً على المقدورات وقد مضى تفسير { خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أول يونس . قوله : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } قال كعب الأحبار - رضي الله عنه - : خلق الله - عزَّ وجلَّ - ياقوتةً خضراء ، ثمَّ نظر إليها بالهيبة فصارت ماءً يرتعدُ ، ثمَّ خلق الرِّيح ؛ فجعل الماء على متنها ، ثمَّ وضع العرش على الماء . وقال غيره : إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - كان عرشه على الماء ، ثم خلق السموات والأرض ، وخلق القلم ؛ فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه . قالت المعتزلةُ : في الآية دلالة على وجودِ الملائكة قبل خلق السموات والأرض ، لأن خلقهما : إمَّا أن يكون لمنفعة ، أو لا لمنفعة والثاني عبث ، فينبغي أنَّهُ خلقهما لمنفعة ، وتلك المنفعة إمَّا أن تكون عائدة على الله تعالى وهو محالٌ ، لكونه متعالياً عن النفع والضر ؛ فلزم أن يكون نفعهما مختصٌّ بالغير ، فوجب كون الغير حيّاً ؛ لأنَّ غير الحيِّ لا ينتفع ، وكلُّ من قال بذلك قال كان ذلك الحي من الملائكة . فإن قيل : ما الفائدةُ في ذكر أنَّ عرشهُ كان على الماءِ قبل خلق السموات والأرض ؟ . فالجوابُ أنَّ فيه دلالةً على كمالِ القدرة من وجوه : أحدها : أنَّ العرش مع كونه أعظم من السموات والأرض كان على الماءِ ؛ فلولا أنه تعالى قادرٌ على إمساكِ الثَّقيل بغير عمدٍ لما صحَّ ذلك . وثانيها : أنَّه تعالى أمسك الماءَ لا على قرار ، وإلاَّ لزم أن يكون أجسام العالمِ غير متناهية فدل على كمال القدرة . وثالثها : أن العرش الذي هو أعظم المخلوقات قد أمسكه الله فوق سبع سموات من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه ، فدل على كمال القدرة . قوله : " لِيَبْلُوَكمْ " في هذه اللاَّم وجهان : أحدهما : أنَّها متعلقةٌ بمحذوفٍ فقيل : تقديره : أعلم ذلك ليبْلُوكمْ ، وقيل : ثمَّ جملٌ محذوفةٌ والتقدير : وكان خلقةُ لهما لمنافع يعودُ عليكم نفعها في الدُّنيا دون الآخرة ، وفعل ذلك ليبلوكم . وقيل : تقديره : وخلقكم ليبلوكم . والثاني : أنها متعلقةٌ بـ " خلقكم " . قال الزمخشريُّ : أي : خلقهُنَّ لحكمةٍ بالغةٍ وهي أن يجعلها مساكن لعباده وينعم عليهم فيها بصنوف النِّعمِ ويُكلِّفهم فعل الطَّاعاتِ واجتناب المعاصي ، فمن شكر وأطاع أثابه ، ومن كفر وعصى عاقبة ، ولمَّا أشبه ذلك اختبارَ المختبر قال " ليبلُوَكمْ " ، يريد : ليفعل بكم ما يفعل المبتلي . واعلم أنه لمَّا بين أنه إنما خلق هذا العالم لأجل ابتلاء المكلَّفين وامتحانهم وجب القطع بحصول الحشر والنشر ؛ لأنَّ الابتلاء والامتحان يوجب الرَّحمة والثَّواب للمحسن والعقاب للمسيء ، وذلك لا يتمُّ إلاَّ بالاعتراف بالمعادِ والقيامة ، فعند هذا خطاب محمداً صلى الله عليه وسلم وشرف ، وكرم ومجد وبجل ، وعظم ، وقال : { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي : إنكم تنكرونَ هذا الكلام ، وتحكمون بفساد القول بالبعث . قوله : { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ } مبتدأ وخبر في محلِّ نصبٍ بإسقاطِ الخافضِ ؛ لأنَّهُ متعلقٌ بقوله " لِيَبْلُوكُمْ " . قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف جاز تعليقُ فعل البلوى ؟ قلتُ : لما في الاختبار من معنى العلم ؛ لأنَّه طريقٌ إليه فهو ملابسٌ له كما تقولُ : انظر أيُّهم أحسنُ وجهاً ، واسمع أيُّهم أحسنُ صوتاً ؛ لأنَّ النَّظر والاستماع من طرق العلم ؛ لأنَّه طريقٌ إليه ، فهو ملابسٌ له ، وقد أخذه أبو حيَّان في تمثيله بقوله : " واسْتمِعْ " فقال : " لَمْ أعلمْ أحداً ذكر أنَّ " استمع " يعلق ، وإنما ذكروا من غير أفعال القُلُوب " سَلْ " ، و " انْظُر " وفي جواز تعليق " رَأى " البصرية خلاف " . قوله : " ولَئِن قُلْتَ " هذه لامُ التَّوطئة للقسم ، و " ليَقُولنَّ " جوابه ، وحذف جوابُ الشَّرط لدلالة جواب القسم عليه ، و " إنَّكُم " محكيٌّ بالقول ، ولذلك كُسِرَت في قراءةِ الجمهور . وقرىء بفتحها ، وفيها تأويلان ذكرهما الزمخشري : أحدهما : أنها بمعنى " لَعَلَّ " قال : من قولهم : ائت السوق أنك تشتري لحْماً ، أي : لعلَّك ، أي : ولئنْ قلت لهم : لعلكم مبعوثون بمعنى توقَّعُوا بعثَكُم وظنُّوه ، ولا تَبُثُّوا القول بإنكاره ، لقالوا . والثاني : أن تُضَمِّنَ قلت معنى : " ذكَرْتَ " يعني فتفتح الهمزة ، لأنَّها مفعولُ " ذَكَرْتَ " قوله : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ } قد تقدَّم أنَّه قُرىء " سِحْر " و " سَاحر " ، فمن قرأ " سِحْرٌ " فـ " هذا " إشارةٌ إلى البَعْثِ المدلولِ عليه بما تقدَّم ، أو إشارةٌ إلى القرآن ، لأنَّهُ ناطقٌ بالبعثِ ومن قرأ " سَاحِر " فالإشارةُ بـ " هذا " إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يُرادَ بـ " هذا " في القراءة الأولى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، ويكون جعلوه سِحْراً مبالغةً ، أو على حذف مضاف ، أي : إلاَّ ذُو سحرٍ ، ويجوز أن يراد بـ " سَاحِر " نفسُ القرآن مجازاً كقولهم : " شِعرٌ شاعرٌ " و " جَدَّ جَدُّهُ " . فإن قيل : كيف يمكن وصفُ هذا القول بأنه سِحْرٌ ؟ فالجواب : من وجوه . أحدها : قال القفال : معناه أنَّ هذا القول خديعة منكم ، وضَعْتُمُوهُ لمنع الناس من لذَّاتِ الدنيا وإحرازاً لهم إلى الانقيادِ لكُم والدُّخُول تحت طاعتكم . وثانيها : أن قولهم { نْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } معناه : أنَّ السِّحر أمرٌ باطلٌ ، قال تعالى حاكياً عن موسى - عليه الصلاة والسلام - { مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } [ يونس : 81 ] . وثالثها : أنَّ القرآن هو الحاكمُ بحصول البعثِ ، وطعنُوا في القرآن بكونه سِحْراً ، والطعن في الأصل عين الطعن في الفرع . ورابعها : قراءة حمزة والكسائي " إن هذا إلاَّ ساحرٌ " والسَّاحرُ كاذبٌ .