Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 8-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الحسنُ : حكم الله أنه لا يعذب أحداً من هذه الأمة بعذاب الاستئصال ، وأخَّر ذلك العذاب إلى القيامة ؛ فلمَّا أخَّر عنهم ذلك العذاب قالوا على سبيل الاستهزاء : ما الذي حبسهُ عنَّا ؟ . وقيل : المرادُ بالعذاب : ما نزل بهم يوم بدرٍ . وأصل " الأمَّة " الجماعة ، قال تعالى : { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ } [ القصص : 23 ] وقوله : { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] ، أي : انقضاء أمة ، فكأنَّهُ قال : إلى انقراض أمةٍ ومجيء أخرى . وقيل : اشتقاق الأمَّةِ من الأمِّ ، وهو القصد ، كأنَّهُ يعني الوقت المقصود بإيقاع الموعود فيه . { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } أي شيء يحبسه ، يقولون ذلك ، استعجالاً للعذابِ واستهزاءً ، يعنُون أنه ليس بشيء . قوله : " لَيَقولُنَّ " هذا الفعلُ معربٌ على المشهورِ ؛ لأنَّ النُّون مفصولةٌ تقديراً ، إذ الأصل : " لَيَقُولُوننَّ " النون الأولى للرفع ، وبعدها نونٌ مشددة ، فاستثقل توالي ثلاثةِ أمثال ، فحذفت نونُ الرفع ؛ لأنَّها لا تدلُّ من المعنى على ما تدلُّ عليه نون التَّوكيد ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الواوُ التي هي ضميرُ الفاعل لالتقائهما ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك . و " مَا يَحْبِسُهُ " استفهامٌ ، فـ " ما " مبتدأ ، و " يَحْبِسُهُ " خبره ، وفاعل الفعل ضميرُ اسم الاستفهام ، والمنصوبُ يعودُ على العذابِ ، والمعنى : أيُّ شيءٍ من الأشياء يحبسُ العذاب ؟ قوله : " ألا يَوْمَ يَأتيهِمْ " " يَوْمَ " منصوبٌ بـ " مَصْرُوفاً " الذي هو خبرُ " ليس " ، وقد استدلَّ به جمهور البصريين على جواز تقديم خبر " ليس " عليهما ، ووجهُ ذلك أنَّ تقديم المعمول يُؤذن بتقديم العامل ، و " يوم " منصوب بـ " مَصْرُوفاً " وقد تقدَّم على " ليس " فليَجُزْ تقديمُ الخبر بطريق الأولى ، لأنَّه إذا تقدَّم الفرعُ فأولى أن يتقدَّم الأصلُ . وقد ردَّ بعضهم هذا الدليل بشيئين : أحدهما : أنَّ الظرف يُتوسَّعُ فيه ما لا يتوسَّع في غيره . والثاني : أنَّ هذه القاعدة مُنْخرمةٌ ، إذ لنا مواضع يتقدَّمُ فيها المعمولُ ولا يتقدم فيها العاملُ ، وأورد من ذلك نحو قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } [ الضحى : 9 ، 10 ] فـ " اليتيمَ " منصوبٌ بـ " تَقْهَرْ " ، و " السَّائِل " منصوبٌ بـ " تَنْهَرْ " وقد تقدَّما على " لا " النَّاهية ، ولا يتقدَّمُ العاملُ - وهو المجزومُ - على " لا " ، وللبحث في هذه المسألة موضعٌ أليقُ به . قال أبُو حيَّان : وقد تتبَّعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر " ليسَ " عليها ، ولا بمعموله إلاَّ ما دلَّ عليه ظاهرُ هذه الآية وقول الشاعر : [ الطويل ] @ 2945 - فَيَأبَى فما يَزْدَادُ إلاَّ لجَاجَةً وكُنْتُ أبِيّاً في الخَنَى لسْتُ أقْدِمُ @@ واسمُ " ليس " ضميرٌ عائدٌ على " العذاب " ، وكذلك فاعل " يأتيهم " ، والتقدير : ألا ليس العذاب مصرُوفاً عنهم يوم يأتيهم العذاب . وحكى أبو البقاءِ عن بعضهم أنَّ العامل في " يَوْمَ يأتيهم " محذوفٌ تقديره : أي : لا يصرفُ عنهم العذابُ يوم يأتيهم ، ودلَّ على المحذوف سياق الكلام . قال : { وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون } وذكر " حَاقَ " بلفظ الماضي مبالغة في التَّأكيد والتقرير وأنَّ خبر الله تعالى واقعٌ لا محالة .