Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 102-107)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ } الآية " ذَلِكَ " : مبتدأ و { مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ } : خبره ، و " نُوحِيهِ " : حالٌ ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً ، أو حالاً من الضمير في الخبر ، وجوز الزمخشري : أن يكون موصولاً بمعنى : الذي ، وتقدَّم نظيره ، والمعنى : ذلك الذي ذكرت من أنباء الغيب نوحيه إليك ، وما كنت يا محمَّد عند أولاد يعقوب ، { إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } أي عزموا على إلقاء يوسف في الجبِّ ، وما كنت هناك ، ذكره على وجه التَّهكُّم ، وتقدَّم الكلام على هذا اللفظ عند قوله : { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ } [ يونس : 71 ] وقوله : { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } أي : بيوسف والمقصود من هذا إخبار عن الغيب ، فيكون معجزاً ؛ لأنَّ محمداً صلوات الله وسلامه عليه لم يطالع الكتب ، ولم يتلمذْ لأحد ، ما كانت بلدته بلدة العلماء ؛ فإتيانه بهذه القصَّة الطويلة ، على وجه لم يقع فيها تحريف ، ولا غلطٌ من غير مطالعةٍ ، ولا تعلم ، كيف لا يكون معجزاً ؟ . روي أن اليهود وقريشاً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصَّة يوسف ؛ فلما أخبرهم على موافقة التَّوراة لم يسلموا ، فحزن النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فقيل : إنهم لا يؤمنون ، ولو حرصت على إيمانهم . قوله { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } : حال ، { وَلَوْ حَرَصْتَ } معترض بين " مََا " وخبرها ، وجواب " لَوْ " محذوف ؛ لدلالة ما تقَّدم عليه . قال أبو بكر الأنباري رحمه الله : " جواب " لَوْ " محذوف ؛ لأن جواب " لَوْ " لا يكون مقدَّماً عليها ، فلا يجوز أن يقال : قُمْتُ لو قمُتَ " . وقال الفراء في " المصادر " : حَرَصَ يَحْرِصُ حِرْصاً ، وفي لغة أخرى : حَرِصَ يَحْرَصُ حَرْصاً ، ومعنى الحَرْص : طلب الشيء بأقصى ما يكون من الاجتهاد ، { إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } : حالٌ . قوله { وَمَا تَسْأَلُهُمْ } على تبليغ الرِّسالة ، والدُّعاء إلى الله عزَّ وجلَّ " مِنْ أجْرٍ " جعلوا خبر " إن " هو " مَا " أي : القرآن ، " إلاَّ ذِكْرٌ " : عظة وتذكير " للْعَالمِينَ " . ثم قال : " وَكَأيِّنْ " : وكم ، " من آيةٍ " : عبرة ودلالة ، { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } : لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون . واعلم : أن دلائل التَّوحيد ، والعلم ، والقدرة ، والحكمة والرحمة لا بد وأن تكون من أمور محسوسة ، وهي : إما الأجرام الفلكيَّة ، وإما الأجرام العنصرية . أما الأجرام الفلكيَّة فهي قسمان : إما الأفلاك ، وإما الكواكب . فأما الأفلاك فقد يستدل بمقاديرها المعينة على وجود الصَّانع ، وقد يستدل بكون بعضها فوق بعضه أو تحته ، وقد يستدلُّ بحركاتها ، إمَّا بسرعة حركتها ، وإمَّا باختلاف جهة تلك الحركات . وأمَّا الأجرام الكوكبيَّة ، فتارة تدلُّ على وجود الصَّانع بمقاديرها ، وأجرامها ، وحركاتها في سرعتها وبطئها ، وتارة بألوانها وأضوائها ، وتارة بتأثيراتها في حصول الأضواء والظلال . وأما دلائل الأجرام العنصرية : فإمَّا أن تكون مأخوذة من بسائطها ، وهو البر والبحر ، وإما مأخوذة من [ المواليد ] ، وهي أقسام : أحدها : العلويَّة كالرعد ، والبرق ، والسَّحاب ، والمطر ، والثلج ، والهواء ، وقوس قُزَح . وثانيها : المعادن على اختلاف طبائعها وصفاتها ، وكيفياتها . وثالثها : النَّبات وخاصيَّة الخشب والورق بخصوصه . ورابعها : اختلاف حال الحيوانات في أشكالها ، وطبائعها ، وأصواتها ، وخلقها . وخامسها : تشريح أبدان الناس ، وتشريح القوى الإنسانية ، وبيان المنافع الحاصلة منها ، ومن هذا الباب أيضاً قصص الأوَّلين والملوك الذين استولوا على الأرض ، وقهروا العباد ، وخربوا البلاد . ماتوا ولم يبق لهم في الدنيا خبر ، ثم بقي الوزرُ والعقاب عليهم ، قال ابن الخطيب : فلهذا ضبط أنواع هذه الدَّلائل . فصل الجمهور على جر الأرض عطفاً على السموات ، والضمير في " عَلَيْهَا " للآية ، فيكون " يمُرُّون " صفة للآية ، وحالاً لتخصُّصها بالوصف بالجر . وقيل : يعود الضمير في " عَليْهَا " للأرض فيكون " يمُرُّون عليها " حالاً منها . وقال أبو البقاء : وقيل : منها ومن السَّموات ، أي : يكون الحال من الشيئين جميعاً ، وهذا لا يجوز ؛ إذا كان يجب أن يقال : عليهما ، وأيضاً : فإنهم لا يمرُّون في السَّماوات إلا أن يراد : يمرُّون على آياتها ، فيعود المعنى على عود الضمير للآية ، وقد يجاب عن الأول بأنه من باب الحذف ؛ كقوله تعالى ـ : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] . وقرأ السديُّ : " والأرْضَ " بالنَّصب ، ووجهه أنه من باب الاشتغال ، ويفسَّر الفعل بما يوافقه معنى ، أي : يطوفون الأرض ، أو يسلكون الأرض . " يمُرُّون علَيْهَا " كقولك : زَيْداً مررتُ بِهِ ، وقرأ عكرمة ، وعمرو بن فايد : " والأرْضُ " على الابتداء ، وخبره الجملة بعده ، والضمير في هاتين القراءتين يعود على الأرض فقط . قوله { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } والمعنى : أنَّهم كانوا مقرِّين بوجود الإله ، قال تعالى ـ : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزمر : 38 ] إلا أنَّهم كانوا [ يُثْبِتُون ] له شريكاً في العبودية . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت في تلبية المشركين من العرب ، كانوا يقولون : " لَبِّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيْكَ ، لبَّيْكَ لا شريكَ لَكَ إلاَّ شرِيكاً هو لَكَ تمْلِكهُ ومَا مَلَك " . وعن عطاء رضي الله عنه هذا في الدعاء ، وذلك أن الكفار نسُوا ربَّهم في الرخاء ؛ فإذا أصابهم البلاء ، أخلصوا في الدعاء ، قال تعالى : { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ يونس : 22 ] { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] . وعن ابن عبَّاس : إن أهل مكة قالوا : الله ربَّنا لا شريك له ، والملائكة بناتُه ، فلم يوحِّدوا بل أشركوا ، وقالت اليهود : ربُّنا الله وحده ، وعزيزٌ ابن الله ، وقالت النصارى : الله وحده ، والمسيح ابن الله . واحتجت الكرامية بهذه الآية على أن الإيمان : عبارة عن الإقرار باللسان فقط ؛ لأنه تعالى حكم بكونهم مؤمنين مع أنَّهم مشركون ، وذلك يدلُّ على أن الإيمان عبارةٌ عن مجرَّد الإقرار ، وجوابه معلُوم . قوله تعالى : { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } : عقوبة تغشاهم ، وتنبسط عليهم ، وتغمرهم . { أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } . قرأ أبو حفص ، ومبشر بن عبد الله : { أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } بالياء من تحت ؛ لأنه مؤنَّث مجازي ؛ وللفصل أيضاً ، و " بَغْتَةً " : نصب على الحال ، يقال : بغَتهُمُ الأمْرُ بغتاً وبَغْتَةً ، إذا فاجأهم من حيث لم يتوقَّعوا . وقوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } الناصب لقوله : " بغْتَةً " .