Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 15-15)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } الآية : لا بُدَّ من الإضمار في هذه الآية في موضعين : الأول : التقدير : قالوا : لئن أكلهُ الثئب ونحن عصبةٌ إنَّا إذاً لخاسرون فأذن له ، وأرسله معهم ، ثم يتصل به قوله تعالى ـ : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } . الثاني : في جواب { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } أوجه : أحدها : أنه محذوف ، أي : عرفناه ، وأوصلنا إليه الطمأنينة ، وقدره الزمخشريُّ : " فعلوا به ما فعلوا من الأذى " وقدره غيره : عظمت فتنتهم ، وآخرون : جعلوه فيها ، وهذا أولى ؛ لدلالة الكلام عليه . الثاني : أن الجواب مثبت ، وهو قوله : { قَالُواْ يَأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا } [ يوسف : 17 ] أي : لمَّا كان كَيْتَ وكَيْتَ ، قالوا . وفيه بعد ؛ لبعد الكلام من بعضه . الثالث : أن الجواب هو قوله : " وأوْحَيْنَا " والواو فيه زائدة ، أي : فلما ذهبوا به أوحينا ، وهو رأي الكوفيين ، وجعلُوا من ذلك قوله تعالى ـ : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [ الصافات : 103 ] أي : تله ، " ونَاديْنَاهُ " ، وقوله عز وجل : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] وقول امرىء القيس : [ الطويل ] @ 3064ـ فَلَمَّا أحَزْنَا سَاحةَ الحَيِّ وانْتحَى بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ [ ذِي رُكامٍ عَقَنْقَلِ ] @@ تقدم أي فلما أجزنا انتحى وهو كثيرٌ عندهم بعد " لمَّا " . قوله : " أن يَجعلُوهُ " " مَفْعُول " " أجْمعَوا " أي : عزمُوا على أن يجعلوه ؛ لأنه يتعدَّى بنفسه ، وبـ " عَلَى " فإنه يحتمل أن يكون على حذف الحرف ، وألاّ يكون ، فعلى الأول : يحتمل موضعه النصب والجرَّ ، وعلى الثاني : يتعين النَّصب ، والجعل يجوز أن يكون بمعنى : الإلقاء ، وأن يكون بمعنى : التَّصيير فعلى الأول : يتعلَّق في " غَيَابةِ " بنفس الفعل قبله ، وعلى الثاني : بمحذُوف ، والفعل من قوله : " وأجْمَعُوا " يجوز أن يكُون معطوفاً على ما قبله ، وأن يكُون حالاً ، و " قَدْ " معه مضمرة عند بعضهم ، والضمير في " إليْهِ " الظاهر عوده على يوسف ، وقيل : يعود على يعقُوب عليه الصلاة والسلام ـ . وقرأ العامَّة : " لتُنَبئَنَّهُمْ " بتاء الخطاب ، وقرأ ابن عمر : بياء الغيبة ، أي : الله سبحانه وتعالى ـ . قال أبو حيَّان : " وكذا في بعض مصاحف البصرة " وقد تقدَّم أن النقط حادث فإن قال : مصحف حادث غير مصحف عثمان رضي الله عنه فليس الكلام في ذلك . وقرأ سلاَّم : " لنُنَبئَنَّهُمْ " بالنون ، وهذا صفة لقولهم . وقيل : بدل . وقيل : بيان . قوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } جملة حالية ، يجوز أن يكون العامل فيها " أوحينا " أي : أوحينا إليه من غير شعور إخوته بالوحي ، وأن يكون العامل فيها " لتُنَبئَنَّهُمْ " أي تخبرهم وهم لا يعرفونكم لبعد المدة وتغير الأحوال . فصل في المراد بقوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } قولان : الأول : المراد منه الوحي والنبوة والرسالة ، وهو قول أكثر المحققين ، ثم اختلف هؤلاء في أنه عليه الصلاة والسلام هل كان في ذلك الوقت بالغاً أو كان صبياً ؟ . قال بعضهم : كان بالغاً وكان ابن سبع عشرة سنة . وقال آخرون : كان صغيراً إلا أن الله - تعالى أكمل عقله وجعله صالحاً لقبول الوحي والنبوة كما في حق عيسى عليه الصلاة والسلام حين قالوا : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } [ مريم : 29 ] فأجابهم بقوله : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [ مريم : 30 ] . والقول الثاني : أن المراد بهذا الوحي : الإلهام ، كقوله { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } [ القصص : 7 ] { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } [ النحل : 68 ] . والأول أولى ؛ لأنه الظاهر من الوحي . فإن قيل : كيف يجعله نبياً في ذلك الوقت وليس هناك أحد يبلغه الرسالة ؟ . فالجواب : لا يمتنع أن يشرفه الله تعالى بالوحي ويأمره بتبليغ الرسالة بعد أوقات ويكون فائدة تقديم الوحي تأنيسه وزوال الغم والوحشة عن قلبه والفائدة في إخفاء ذلك [ الوحي ] عن إخوته : أنهم لو عرفوه فربما ازداد حسدهم فكانوا يقصدون قتله . فصل إنما حملنا كقوله تبارك وتعالى { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بأنك يوسف ، أي : لا يعرفونك لبعد المدة وتغير الأحوال ، لأن هذا أمراً من الله تعالى ليوسف في أن يستر نفسه عن أبيه [ وأن لا يخبره بأحوال نفسه ، فلهذا السبب كتم أخبار نفسه عن أبيه ] طول تلك المدة مع علمه بوجد أبيه عليه خوفاً من مخالفة أمر الله تعالى ، فصبر على تجرع تلك المرارة ، وكان الله سبحانه قد قضى على يعقوب أن يوصل إليه تلك الغموم الشديدة والهموم العظيمة ليوصله إلى الدرجات العالية التي لا يمكن الوصل إليها إلا بتحصيل المحن الشديدة .