Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-21)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } [ الآية : 19 ] واعلم أنه تعالى بيَّن كيف السَّبيلُ في خلاصِ يوسف من تلك المحنةِ فقال : { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ } . قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما ـ : أي قوم يسيرون من مدْين إلى مِصْرَ فأخطئوا الطريق ، وانطلقوا يهيمون على غير طريق ، فهبطوا على أرضٍ فيها جُبُّ يوسف ، وكان الجبُّ في قَفْرٍ بعيدٍ من العمرانِ لم يكن إلاّ للرُّعاةِ . وقيل : كان ماؤه مِلْحاً ، فعذُبَ حين ألقي يوسفُ فيه ، وأرسلوا واردهم الذي يردُ الماء ليستقي للقوم قال القُرطبيُّ : " فأرسَلُواْ وَارِدهُمْ " ذكَّر على المعنى ، ولو قال : فأرسلت واردها ؛ لكان على لفظ " وجَاءَتْ " . والوَارِدُ : هو الذي يتقدَّمُ الرُّفقة إلى الماءِ فيهيىء الأرْشيةَ ، والدِّلاء ، وكان يقال له : مالكُ بنُ دعر الخُزاعِيُّ . قوله : { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } يقال : أدلَى دلوهُ ، أي : أرسلها في البِئْرِ ، ودلاَّها إذا أخرجها ملأى ؛ قال الشاعر : [ الرجز ] @ 3070ـ لا تَقْلُواهَا وادْلُواهَا دَلْوَا إنَّ مَعَ اليَومِ أخاهُ غَدْوَا @@ يقال : أدْلَى يُدْلِي إدْلاءً : إذا أرسل ، وَدلاَ يَدلُوا دَلْواً : إذا أخرج وجذبَ ، والدَّلوُ معروفةٌ ، وهي مؤنثةٌ ، فتصغَّرُ على " دُليَّةِ " ، وتجمع على دلاءٍ ، أدلٍ والأصلُ : دِلاوٌ ، فقلبت الواو همزة ، نحو " كِسَاء " ، و " أدلوٌ " ، فأعلَّ إعلال قاضٍ و " دُلُوو " بواوين ، فقلبا ياءين ، نحو " عِصِيّ " . قوله : " يَابُشْرَايَ " ههنا محذوف ، تقديره : فأظهروا يوسف ، قرأ الكوفيون بحذف ياء الإضافة ، وأمال ألف " فُعْلَى " الأخوانِ وأمالها ورشٌ بين بين على أصله ، وعن أبي عمرو الوجهان ، ولكن الأشهر عنه عدمُ الإمالةِ ، وليس ذلك من أصله عن ما قُرِّر في علم القراءاتِ ، وقرأ الباقون " يَا بُشْرَاي " مضافة إلى ياء المتكلِّم . فصل في قوله : " يابشراي " قولان : الأول : أنَّها كلمةٌ تذكَّر عند البشارةِ ، كقولهم : يا عجبا من كذا ، وقوله : { يٰأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ } [ يوسف : 84 ] وعلى هذا القول ففي تفسير النِّداء وجهان : الأول : قال الزجاج " معنى النِّداء في هذه الأشياء : تنبيه المخاطبين ، وتوكيد القصَّة ، فإذا قلت : يا عجباهُ ، فكأنك قلت : اعْجَبُوا " . الثاني : قال أبو عليٍّ : " كأنه يقول : يا أيتها البشرى هذا الوقت وقتك ، ولو كنت ممَّن يخاطب لخوطبت ، ولأمرت بالحضورِ " . واعلم أنَّ سبب البشارةِ : أنهم وجدوا غلاماً في غاية الحسن فقالوا : نَبيعهُ بثَمنٍ عظيم ، ويصيرُ ذلك سبباً للغناءِ . والقول الثاني : قال السديّ : الذي نادى كان اسمُ صاحبهِ بُشْرَى فناداه فقال : يا بُشْرَاي ، كما تقول : " يَا زيْدُ " . وعن الأعمش أنه قال : دعا امْرأةً اسمها بُشْرَى . قال أبو علي الفارسيُّ إن جعلنا البشرى اسماً للبشارة ، وهو الوجه ؛ جاز أن يكون في محلِّ الرفع ، كما قيل : " يَا رجُلُ " لاختصاصه بالنِّداء ، وجاز أن يكون موضع نصب على تقدير : أنه جعل هذا النِّداء شائعاً في جنس البشرى ، ولم يخص كما تقول : يا رجُلاً ، و { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } [ يس : 30 ] . وقرأ ورش عن نافع : " يَا بُشْرَايْ " بسكون الياء ، وهو جمع بين ساكنين على غير حدِّه في الوصل ، وهذا كما تقدم في { عَصَايَ } [ طه : 18 ] وقال الزمخشري : " وليس بالوجهِ ، لما فيه من التقاءِ السَّاكنين على غير حدِّه إلاَّ أن يقصد الوقف " . وقرأ الجحدريُّ ، وابن أبي إسحاق ، والحسن : " يَا بُشْرَيَّ " بقلب الألف ياءً وإغامها في ياء الإضافة ، وهي لغة هُذليَّةٌ ، تقدم الكلام عليها في البقرة عند قوله : { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ } [ البقرة : 38 ] . وقال الزمخشري : " وفي قراءة الحسن : " يَا بُشْرَيَّ " بالياء مكان الألف جعلت الياءُ بمنزلة الكسرة قبل ياء الإضافة ، وهي لغةٌ للعرب مشهورةٌ ، سمعت أهل السروات في دعائهم يقولون : يا سيِّديَّ ، وموليَّ " . قوله : " وأسَرُّوهُ " الظَّاهرُ أن الضمير المرفوع يعود على السَّيَّارة ، وقيل : هو ضمير إخوته ، فعلى الأول : أن الوارد ، وأصحابه أخفوا من الرفقةِ أنهم وجدوهُ في الجبّ ، وقالواك إن قلنا للسَّيَّارة التقطناه شاركونا ، وإن قلنا : اشتريناه سألونا الشّركة ، فلا يضرُّ أن نقول : إنَّ أهل الماءِ جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه بمصر . وعلى الثاني : نقل ابنُ عبَّاسٍ : رضي الله عنهما " وأسَرُّوهُ " يعني إخوة يوسف أخفوا كونه أخاهم ، بل قالوا : إنَّهُ عبدٌ لنا أبقَ منا ، ووافقهم يوسف على ذلك ؛ لأنهم توعَّدوهُ بالقتلِ بلسانِ العِبرانيَّةِ . و ( بضاعَةً ) نصب على الحال . قال الزَّجَّاج كأنه قال : " وأَسرّوه حال ما جعلُوهُ بضاعةً " ، وقيل : مفعول ثانٍ على أن يُضَمَّن " أَسَرُّوهُ " معنى صَيَّروه بالسِّرِّ . والبضاعة : هي قطعةٌ من المالِ تعدُّ للتَّجارة من بضعت ، أي : قطعت ومنه : المبضعُ لما يقطع به . ثم قال : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } والمعنى : أنَّ يوسف لما رأى الكواكبَ والشمس ، والقمر في النَّوم سجدتْ له ، وذكر ذلك ؛ حسده إخوته ، فاحتالُوا في إبطال ذلك الأمر عليه ، فأوقعوه في البلاءِ الشَّديدِ ، حتى لا يتم له ذلك المقصود ؛ فجعل الله تعالى وقوعه في ذلك البلاءِ سبباً لوصوله إلى " مِصْرَ " ، ثمَّ تتابع الأمرُ إلى أن صار ملك مصر ، وحصل ذلك الذي رآه في النَّومِ ، فكان العملُ الذي عمله إخوته دفعاً لذلك المطلوب ، صيَّره الله سبباً لحصولِ ذلك المطلوب ، ولهذا المعنى قال : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } . قوله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ } شَرَى بمعنى اشترى ، قال الشاعر : [ الطويل ] @ 3071ـ ولَوْ أنَّ هَذَا المَوْتَ يَقبَلُ فِذْيةً شَرَيْتُ أبَا زيْدٍ بمَا مَلكتْ يَدِي @@ وبمعنى : باع ؛ قال الشاعر : [ مجزوء الكامل ] @ 3072ـ وشَريْتُ بُرْداً ليْتَنِي مِنْ بعْدِ بُردٍ كُنْتُ هَامَهْ @@ فإن قلنا : المراد من الشِّراء نفس الشراءِ ، فالمعنى : أنَّ القوم اشتروه ، وكانوا فيه من الزَّاهدينَ ؛ لأنهم علموا بقرائن الأحوال أنَّ إخوة يوسف كذبُوا في قولهم : إنَّهُ عبدُ لنا ، وأيضاً عرفوا أنَّه ولدُ يعقوب ، فكرهوا أيضاً شراءه ؛ خوفاً من الله تعالى - من ظهور تلك الواقعة ، إلاَّ أنَّهُم مع ذلك اشتروه بالآخرة ؛ لأنُّهُم اشتروه بمثنٍ بخسٍ ، وطمعوا في بيعه بمثن عظيمٍ ، ويحتملُ أن يقال : إنهم اشتروه مع أنهم أظهرُوا من أنفسهم كونهم فيه من الزَّاهدين ، وغرضهم أن يتوصَّلُوا بذلك إلى تقليل الثَّمن ، ويحتمل أن يقال : إنَّ الإخوة لما قالوا : إنه عبدٌ أبق منا صار المشتري عديم الرغبة فيه . قال مجاهدُ رحمه الله كانوا يقولون : لئلا يأبق . وإن قلنا : إنَّ المراد من الشِّراء البيع ففي ذلك البائع قولان : الأول : قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما إنَّ إخوة يوسف لمَّا طرحوه في الجبّ ، ورجعوا عادوا بعد ثلاثٍ يتعرَّفُونَ خبره ، فلمَّا لم يروه في الجبّ ، ورأوا آثار السَّيارة طلبوهم ، فلمَّا رأوا يوسف قالوا : هذا عبدٌ لنا أبق منا فقالوا لهم : فبيعوه منَّا ، فباعوه منهم ، وإنَّما وجب حملُ الشِّراء على البيع ؛ لأن الضمير في قوله : " وشَرَوْهُ " وفي قوله : { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } عائدٌ إلى شيءٍ واحدٍ ، وإذا كان كذلك فهم باعوه ؛ فوجب حملُ الشراء على البيعِ . والثاني : أن بائع يوسف هم الَّذين اسْتَخْرجُوه من الجُبّ . وقال محمد بن إسحاق : وربُّك أعلمُ أإخوته باعوه ، أم السيارة ؟ . والبَخْسُ : النَّاقصُ ، وهو في الأصل مصدرٌ ، وصف به مبالغة . وقيل : هو بمعنى مفعولٍ ، و " دَراهِمَ " بدلٌ من " بِثَمَنٍ " ، و " فِيهِ " متعلق بما بعده ، واغتفر ذلك للاتِّساعِ في الظروف ، والجار ، أو بمحذوف وتقدم [ البقرة : 130 ] مثله . فصل اعلم أنه تعالى وصف ذلك الثمن بصفات ثلاثٍ : إحداها : كونه بخساً ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ : يريدُ حراماً ؛ لأنَّ ثمن الحُرَّ حرامٌ ، وقال : وكلٌّ بخس في كتابِ اللهِ نقصان إلاَّ هذا فإنهُ حرامٌ . قال الواحدي : " سمي الحرامُ بخساً ؛ لأن ناقصُ البركة " . وقال قتادة : بخس : ظلم ، والظُّلمُ نقصان ، يقال : ظلمهُ ، أي : نقصهُ وقال عكرمةُ والشعبيُّ : قليل . وقيل : ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً وقيل : كانت الدَّراهمُ زيوفاً ناقصة العيارِ . قال الواحديُّ : وعلى الأقوال كُلِّها ، فالبخسُ مصدرٌ وقع موقع الاسمِ ، والمعنى : بثمنٍ مبخُوسٍ . وثانيها : قوله : { دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } قيل : تعدُّ عدًّا ، ولا توزن إلا أنهم كانوا يزنون إذا بلغ الأوقية ، وهي أربعون ويعدُّون ما دونها . فقيل للقليل معدودٌ ، لأن الكثير لا يعدُّ لكثرته ، بل يوزن قال ابن عباسٍ ، وابنُ مسعود ، وقتادةٌ رضي الله عنهم ـ : كانت عشرين درهماً ، فاقتسموها درهمين درهمين إلا يهوذا ، فإنَّه لم يأخذ شيئاً . الثالث : أن الذين اشتروه كانوا فيه مِنَ الزَّاهدين ، وقد سبق توجيه هذه الأقوال . وقال مجاهدٌ والسديُّ : اثنين وعشرين درهماً . فإن قيل : إنَّهم لما ألقوه في الجبِّ حسداً ، فأرادوا تضييعه عن أبييه ، فلمَ باعوه ؟ . فالجواب : أنَّهم لعلَّهم خافوا أن تذكر السيارة أمره ، فيردوه إلى أبيه ، لأنَّه كان أقرب إليهم من مصر . فإن قيل : هب أنَّهم أرادوا ببيعه أيضاً تبعيده عن أبيه ؛ فلمَ أحلَّ له أخذ ثمنه ؟ . فالجوابُ : أن الذي اشترى يوسف كان كافراً ، وأخذُ مالِ الكافرِ حلالٌ . وثالثها : قوله : { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } ومعنى الزُّهد : قلَّة الرغبة ، يقال زهد فلان في كذا إذا لم يرغب فيه ، وأصله من القلَّة ، يقال : رجلٌ زهيدٌ ، إذا كان قليل الجدةِ ، وفيه وجوه : الأول : أنَّ إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام باعوه ؛ لأنهم كانوا فيه من الزَّاهدينَ , الثاني : أنَّ السيَّارة كانُوا فيه من الزَّاهدين ؛ لأنَّهم التَقطُوهُ ، والملتَقِطُ يتهاونُ ، ولا يبالي بأي شيءٍ يباعُ ، أو لأنَّهُم خافوا أن يظهر المستحق ، فينزعه من يدهم ، فلا جرم باعوه بالأوكس من الأثمان . والضمير في قوله : " فِيهِ " يحتمل أن يعود إلى يوسف ، ويحتمل أن يعود إلى الثَّمن البَخْسِ . فصل قال القرطبيُّ : " في الآية دليلٌ على شراءِ الشَّيء الخطيرِ بالثَّمنِ اليسير ، ويكونُ البيع لازماً " . قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ } [ الآية : 21 ] اعلم أنَّه ثبت أنَّ الذي اشتراه [ إما ] من الإخوة ، وما من الواردين على الماء ذهب به إلى مصر وباعه . قيل : إن الذي اشتراه هو العزيزُ ، كان اسمه " قطفير " ، وقيل : إطْفيرُ الذي يلي خزائن مصر ، والملك يومئذ : الرَّيَّان بنُ الوليدِ ، رجل من العماليق ، وقد آمن بيوسف ، ومات في حياةِ يوسف عليه الصلاة والسلام قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما دخلوا مِصْر تلقَى العزيز مالك بن دعرٍ فابتاع منه يوسف ، وهو ابنُ سبع عشرة سنة ، [ وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة ، وقيل : سبْع عشرة سَنَة ] ، واستوزره الرَّيان ، وهو ابن ثلاثين سنة ، وآتاه اللهُ العِلم ، والحُكم ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وتوفي ، وهو ابنُ مائة وعشرين سنة . وقال الذي اشتراهُ من مصر لا مرأته قيل : كان اسمها زليخا وقيل : " راعيلُ " . قال ابن كثير : " الظّاهرُ أنَّ زليخا لقبها " . قوله : " مِنْ مِصرَ " يجوز فيه أوجه : أحدها : أن يتعلَّق بنفس الفعل قبله ، أي : اشتراه من مصر ، كقوله : اشْتَريْتُ الثَّوب من بغداد ، فهي لابتداء الغايةِ ، وقول أبي البقاءِ : أي : " فيها ، أو بها " لا حاجة إليه . والثاني : أنه متعلِّقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من " الَّذي " . والثالث : أنه حالٌ من الضمير المرفوع في : " اشْتراهُ " فيتعلق بمحذوفٍ أيضاً . وفي هذين نظرٌ ؛ إذ لا طائل في هذا المعنى . و " لامْرَأتهِ " متعلقٌ بـ " قَالَ " فهي للتبليغ ، وليست متعلقة بـ " اشْتراهُ " . قوله : " أكْرمِي مَثوَاهُ " ، أي : منزله ، ومقامه عندك ، من قولك : ثويتُ بالمكان ، إذا أقمت فيه ، ومصدره الثَّواء ، والمعنى : اجعلي منزلته عندك كريماً حسناً مرضيًّا ، بدليل قوله تعالى : { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } [ يوسف : 23 ] قال المحققون : أمر العزيز امرأته بإكرام مثواهُ دون إكرام نفسه ، يدلُّ على أنه كان ينظرُ إليه على سبيل الإجلال ، والتعظيم . { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } أي : نبيعه بالرِّبح إذا أردنا بيعه ، أو يكفينا إذا بلغ بعض أمورنا { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } نَتبنَّاهُ . قال ابن مسعودٍ : " أفرْسُ النَّاس ثلاثة : العزيزُ في يوسف حيثُ قال لامرأته : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } [ يوسف : 21 ] وابنة شعيبٍ حين قالت لأبيها في موسى : { ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } [ القصص : 26 ] ، وأبو بكر في عمر حين استخلفه " . قوله : { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ } الكاف كما تقدم في نظائره حالٌ من ضمير المصدر ، أو نعتٌ له ، أي : ومثل ذلك الإنجاء من الجبّ والعطف مكَّنا له ، أي : كما أنجيناه ، وعطفنا عليه العزيز مكَّنا له في أرض مصر ، أي : صار متمكناً من الأمرِ والنهي في أرض مصر ، وجعلناه على خزائنها . قوله : { وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } وهي تعبير الرُّؤيا . واللام في " ولنُعَلِّمُه " فيها أوجه : أحدها : أن تتعلَّق بمحذوف قبله ، أي : وفعلنا ذلك لنعلمه . والثاني : أنها تتعلَّق بما بعده ، أي : ولنعلمه ، فعلنا كيت ، وكيت . [ الثالث : أن يتعلَّق بـ " مَكَّنَّا " على زيادة الواو ] . قوله : { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ } الهاء في " أمْرهِ " يجوز أن تعود على الجلالةِ أي : أنه تعالى ـ : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] لا يغلبه شيءٌ ، ولا يردُّ حكمهُ رادٌّ ، لا دافع لقضائه ، ولا مانع من حكمه في أرضه ، وسمائه . ويجوز أن تعود على يوسف ، أي : أنه يدبره ، ولا يكله إلى غيره ، فقد كادوه إخوته ، فلم يضروه بشيء { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أنَّ الأمر كله بيد الله .