Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-27)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } الآية لما شرح أحوال الأشقياء ، وأحوال السعداء ذكر مثالاً للقسمين وفي " ضَرَبَ " ثلاثة أوجه : أحدها : أنه متعد لواحد بمعنى اعتمد مثلاً ووضعه ، و " كَلِمةً " على منصوبة بمضمر ، أي : جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وهو تفسير لقوله : " ضَربَ اللهُ مَثلاً " كقولك : شَرفَ الأمير زيْداً كَساهُ حُلَّةً ، وحمله على ضربين ، وبه بدأ الزمخشريُّ . قال أبو حيان رحمه الله ـ : " وفيه تكلف إضمار ، ولا ضرورة تدعو إليه " . قال شهاب الدين : " بل معناه محتاج إليه فيضطر إلى تقديره محافظة على لمح هذا المعنى الخاص " . الثاني : أنَّ " ضَرَبَ " متعدية لاثنين ؛ لأنها بمعنى " صَيَّرَ " لكن مع لفظ المثل خاصة ، وقد تقدَّم تقرير هذا أوَّل الكتاب ، فيكون " كَلمَةٌ " مفعولاً أول ، و " مَثلاً " هوالثاني مقدم . الثالث : أنَّه متعدٍّ لواحد ، وهو " مَثَلاً " ، و " كَلمَةً " بدل منه ، و " كَشجَرةٍ " خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي كشجرة طيبة وعلى الوجهين قبله يكون " كَشجَرةٍ " نعتاً لـ : " كَلِمَةً " . وقرىء " كَلِمةٌ " بالرفع ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو ، أي : المثل كلمة طيبة ، ويكون " كَشجَرة " على هذا نعتاً لـ " كَلِمَةٍ " . والثاني : أنَّها مرفوعة بالابتداء ، و " كَشجَرةٍ " خبر . وقرأ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه " ثَابِتٌ أصْلُهَا " . قال الزمخشريُّ : فإن قلت : أي فرق بين القراءتين ؟ قلت : قراءة الجماعة أقوى معنى ؛ لأنَّ قراءة أنس أجرت الصفة على الشجرة ، ولو قلت : مررتُ برجُلٍ أبُوهُ قَائِمٌ ، فهو أقوى من " رَجُل قَائِم أبوهُ " ؛ لأنَّ المخبر عنه إنَّما هو الأب ، لا " رجل " . والجملة من قوله : " أصْلُهَا ثَابتٌ " في محلِّ جرٍّ نعتاً لـ " شَجَرةٍ " . وكذلك " تُؤتِي أكلها " ويجوز فيهما أن يكونا مستأنفين ، وجوز أبو البقاء في " تُوتِي " أن يكون حالاً من معنى الجملة التي قبلها ، أي : ترتفع مؤتية أكلها ، وتقدم الخلاف في " أكُلَهَا " . فصل المعنى : ألم تعلم ، والمثل : قول سائر كتشبيه شيء بشيء : " كَلِمة طَيِّبةً " هي قول : لا إله إلا الله " كَشجَرةٍ طَيِّبةٍ " وهي النَّخلةُ يريد : كشجرة طيبة الثمر . وقال أبو ظبيان عن ابن عباسٍ رضي الله عنه ـ : هي شجرة في الجنَّة أصلها ثابت في الأرض ، وفرعها أعلاها في السماء ، كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة ، والتصديق ، فإذا تكلَّم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عزَّ وجلَّ قال تعالى : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] . ووصف الشجرة بكونها طيبة وذلك يشمل طِيبَ الصورة والشكل والمنظر ، والطعم ، والرائحة والمنفعة ويكون أصلها ثابت ، أي : راسخٌ آمن من الانقطاع ، والزوال ويكون فرعها في السماء ؛ لأن ارتفاع الأغصان يدلُّ على ثبات الأصل ، وأنَّها متى ارتفعت كانت بعيدة عن عفونات الأرض ، فكانت ثمارها نقيّة طاهرة عن جميع الشَّوائبِ ، ووصفها أيضاً بأنها : " تُؤتِي أكلها كُلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها " والحين في اللغة هو الوقت ، والمراد أنَّ ثمار هذه الشجرة تكون أبداً حاضرة دائمة في كلِّ الأوقات ولا تكون مثل الأشجار التي تكون ثمارها حاضرة في بعض الأوقات دون بعض . وقال مجاهد وعكرمة : والحين : سنة كاملة ؛ لأنَّ النخلة تثمر كلَّ سنةٍ . وقال سعيد بن جبير ، وقتادة والحسن : ستة أشهر من وقت إطلاعها إلى حين صرامها وروي ذلك عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه . وقيل : أربعة أشهر من حين ظهورها إلى إدراكها . وقال سعيد بن المسيب : شهران من حين أن يؤكل منها إلى الصرام . وقال الربيع بن أنس رضي الله عنه ـ : كل حين ، أي : كل غدوة ، وعشية ، لأن ثمرة النخل تؤكل أبداً ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاء إما تمراً رطباً أو بسراً ، كذلك عمل المؤمن يصعد أوَّل النهار وآخره ، وبركة إيمانه لا تنقطع أبداً ، بل تتصل في كلِّ وقت . والحكمةٌ في تمثيل الإيمان بالشجرة ، وهي أن الشجرة لا تكون إلا ثلاثة أشياء : عِرقٌ رَاسخٌ ، وأصلٌ قَائِمٌ ، وفَرعٌ عالٍ ، كذلك الإيمان لا يتمُّ إلا بثلاثة أشياء : تصديق بالقلب وقول باللسان ، وعمل بالأبدان . ثم قال تعالى جل ذكره { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } والمعنى : أن في ضرب الأمثال زيادة إفهام ، وتذكير وتصوير للمعاني . وقوله : { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ } قرىء بنصب " مثَل " عطفاً على : " مَثلَ " الأوَّلِ . و " اجْتُثَّتْ " " صفة لـ " شَجَرَةٍ " ، ومعنى : " اجْتُثَّتْ " قلعت جثتها ، أي : شخصها والجثة شخص الإنسان قاعداً أو قائماً ويقال : اجتث الشيء أي اقتلعه ، فهو افتعال من لفظ الجثة ، وجَثَثْتُ الشيء : قلعتهُ . قال لقيط الإيادي : [ البسيط ] @ 3217ـ هذَا الجَلاءًُ الَّذي يَجْتَثُّ أصْلَكُمُ فمَنْ رأى مِثْلَ ذَا يَوْماً ومنْ سَمِعَا @@ وقال الراغب : " جُثَّةٌ الشيء : شخصه النَّاتىء ، والمُجَثَّةُ : ما يجثُّ بِهِ والجَثِيثَةُ لما بَانَ جُثَّتهُ بعد طَبْخهِ ، والجَثْجَاثُ : نَبْتٌ " . و " مِنْ قرارٍ " يجوز أن يكون فاعلاً بالجار قبله لاعتماده على النَّفي ، وأن يكون مبتدأ ، والجملة المنفية إمَّا نعت لـ " شَجَرةٍ " وإمَّا حال من ضمير : " اجْتُثَّتْ " . فصل في المراد بالشجرة الخبيثة الكلمة الخبيثة هي الشرك : " كَشجَرةٍ خَبِيثةٍ " وهي الحنظلُ وقيل : هي الثوم . وقيل : هي الكشوث وهل العسَّة ، وهي شجرةٌ لا ورق لها ، ولا عروق في الأرض . [ قال الشاعر : ] [ البسيط ] @ 3218ـ … وهيَ كَشُوثٌ فلا أصْلٌ ولا ثَمَر @@ وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه أنَّها شجرة لم تخلق على وجهِ الأرض . " اجْتُثَّت " اقتلعت من فوق الأرض " مَا لهَا من قرارٍ " ثابت ، أي : ليس لها أصلٌ ثابتٌ في الأرض ولا فرع صاعد إلى السماء ، كذلك الكافر لا خير فيه ، ولا يصعد له قولٌ طيب ، ولا عمل صالح . فصل قوله تعالى : { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } كلمة التوحيد ، وهي قوله : لا إله إلا الله { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يعني قبل الموت ، { وَفِي ٱلآخِرَةِ } يعني في القبر هذا قول أكثر المفسرين . وقيل : { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } في القبر عند السؤال { وَفِي ٱلآخِرَةِ } عند البعث ، والأول أصح ، لما روى البراء بن عازب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المُسْلِمُ إذَا سُئِلَ في القَبْرِ يَشهَدُ أنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وأنَّ مُحمَّداً رَسُولُ اللهِ ، فذَلِكَ قولهُ سُبحانَهُ { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } قال حين يُقالُ لَهُ : مَن ربُّكَ ؟ ومَا دِينُكَ ؟ ومَنْ نَبيُّكَ ؟ فيقول : الله ربِّي ، ودينِي الإسلامُ ، ونَبِيِّي مُحمَّدٌ " واالمشهور أن هذه الآية وردت في سؤال الملكين في القبر ، فيلقّن الله المؤمن كلمة الحق في القبر عند السؤال ، ويثبته على الحق . ومعنى " الثَّابِتِ " هو أنَّ الله تعالى إنَّما يثبتهم في القبر لمواظبتهم في الحياة الدنيا على هذا القول . قوله : " بالقَوْلِ " فيه وجهان : أحدهما : تعلقه بـ " يُثَبِّتُ " . والثاني : أنه متعلق بـ " آمنُوا " . وقوله تعالى : { فِي ٱلْحَيَاةِ } متعلق بـ " يُثَبِّتُ " ويجوز أن يتعلق بـ " الثَّابتِ " . ثمَّ قال تعالى : { وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ } أي : لا يهدي المشركين للجواب بالصواب في القبر { وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } من التوفيق والخذلان والتثبيت ، وترك التثبيت .