Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 28-30)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } الآية اعلم أنَّه تعالى عاد إلى وصف الكافرين فقال عز وجل { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ } . قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما ـ : { ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } هم والله كفار قريش " بدَّلُوا " أي : غيروا " نِعْمةَ اللهِ " عليهم في محمد صلوات الله وسلامه عليه حيث ابتعثه الله منهم كفروا به : " أحَلُّوا " أنزلوا : " قَوْمهُمْ " من تابعهم على كفرهم : " دَارَ البَوارِ " الهلاك . ثم بيَّن دار البوار فقال : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } المستقر ، وقال عليٌّ : هم كفار قريش نُحروا يوم بدرٍ . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو [ مخزوم ] ، فأما بنو أمية فمُتِّعُوا إلى حين ، وأما بنو مخزوم ، [ فأهلكوا ] يوم بدر قاله على بن أبي طالب ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ـ . وعن ابن عباس وقتادة رضي الله عنهما ـ : نزلت في متنصري العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه . وقال الحسنُ رضي الله عنه ـ : هي عامَّة في جميع المشركين . قوله تعالى : { بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } فيه أوجه : أحدها : أن الأصل : بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، كقوله تعالى : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [ الواقعة : 83 ] أي شكر رزقكم ؛ وجب عليهم الشكر ؛ فوضعوا موضعه الكفر . والثاني : أنَّهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنَّهم لما كفروها سلبوها ، فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حاصلاً لهم ، قالهما الزمخشريُّ ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف مضاف ، وقد تقدَّم أن " بدَّل " يتعدى لاثنين : أولهما : من غير حرف . والثاني : بالباء ، وأن الجمهور هو المتروك والمنصوب هو الحاصل ، ويجوز حذف الحرف فيكون المجرور بالباء هنا هو " نِعْمَةٌ " ؛ لأنها المتروكة . وإذاً عرف أنَّ قول الحوفي ، وأبي البقاءِ : أن " كُفْراً " هو المفعولُ الثاني ليس بجيد ؛ لأنه هو الَّذي يصلُ إليه الفعل بنفسه لا بحرف الجر ، وما كان كذا فهو المفعول الأول . قوله : { جَهَنَّمَ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه بدلٌ من " دَارَ " . الثاني : أنه عطف بيان لها ، وعلى هذين الوجهين ؛ فالإحلال يقع في الآخرة . الثالث : أن ينتصب على الاشتغال بفعل مقدر ، وعلى هذا ، فالإحلال يقع في الدُّنيا ، لأن قوله : { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا } أي : واقع في الآخرة . ويؤيِّدُ هذا التأويل : قراءة ابن أبي عبلة " جَهَنَّمُ " بالرفع على أنها مبتدأ ، والجملة بعده الخبر . وتحتمل قراءة ابن أبي عبلة وجهاً آخر : وهو أن ترتفع على خبر [ مبتدأ ] مضمر . و " يَصْلونهَا " حال إمَّا من : " قَوْمَهُمْ " ، وإمَّا من " دَارَ " ، وإمَّا من : " جَهنَّمَ " . وهذا التوجيه أولى من حيث إنه لم يتقدم ما يرجح النصب ، ولا ما يجعله مساوياً والقراء الجماهير على النصب ، فلم يكونوا ليتركوا الأفصح ؛ إلا لأنَّ المسألة ليست من الاشتغال في شيء ، وهذا الذي ذكرناه أيضاً مرجح لنصبه على البدلية أو البيان على انتصابه على الاشتغال . و " البَوار " : الهلاكُ ؛ قال الشاعر : [ الوافر ] @ 3219ـ فَلمْ أرَ مِثْلهُم أبْطالَ حَربٍ غَداةَ الرَّوْع إذْ خِيفَ البَوارُ @@ وأصله من [ الكساد ] كما قيل : كَسَدَ حتَّى فسَدَ ، ولما كان الكَسَاد يُؤدِّي إلى الفَساد والهلاك أطلق عليه البوار . ويقال : بَارَ يَبُورُ بُوراً وبَوَاراً ، ورجُلُ جَائِرٌ بائِرٌ ، وقوله عزَّ وجلَّ ـ : { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } [ الفتح : 12 ] ويحتمل أن يكون مصدراً وصف به الجمع ، وأن يكون جمع بائرٍ في المعنى ، ومن وقوع " بُور " على الواحد قوله : [ الخفيف ] @ 3220ـ يَا رسُولَ المَلِيكِ إنَّ لِسَانِي رَاتِقٌ ما فَتقْت إذْ أنَا بُورُ @@ أي : هَالِكٌ . قوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ } والمراد بهذا الجعل : الحكم والاعتقاد ، والفعل ، والأنداد الأشباه ، والشركاء . " لِيُضلُّوا " قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا : { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ } بفتح الياءِ والباقون بضمها من أصله ، واللام هي لام الجر مضمرة : " أنْ " بعدها ، وهي لام العاقبة لما كان مآلهم إلى ذلك ويجز أن تكون لللتعليل . وقيل : هي مع فتح الياء للعاقبة فقط ، ومع ضمها محتملة للوجهين كأنَّ هذا القائل توهم أنهم لم يجعلوا الأنداد لضلالهم ، وليس كما زعم ، لأن منهم من كفر عناداً واتخذ الآلهة ليضل بنفسه . قوله تعالى : { قُلْ تَمَتَّعُواْ } عيشوا في الدنيا : { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } { إِلَى ٱلنَّارِ } خبر " إنَّ " والمصير مصدر ، و " صَارَ " التامة ، أي : فإنَّ مرجعكم كائن إلى النَّار . وأجاز الحوفيُّ أن يتعلق { إِلَى ٱلنَّارِ } بـ " مَصِيرَكُمْ " . وقد ردَّ هذا بعضهم : بأنَّه لو جعلناه مصدراً صَارَ بمعنى انتقل ، و { إِلَى ٱلنَّارِ } متعلق به ، بقيت " إنَّ " بلا خبر ، لا يقال : خبرها حينئذ محذوف ؛ لأنَّ حذفه في مثل هذا يقلُّ ، وإنَّما يكثر حذفه إذا كان الاسم نكرة ، والخبر ظرفاً أو جارًّا ، كقوله : [ المنسرح ]