Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 45-48)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } الآياتِ ، لمَّا شرح أحوال أهل العقاب ، أتبعه بصفة أهل الثَّواب . وروي أنَّ سلمان الفارسيَّ رضي الله عنه لما سمع قوله تعالى : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 43 ] مَرَّ ثلاثةُ أيَّام من الخوفِ لا يعقلُ ، فَجيء به إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم فسأله ، فقال : يا رسول الله ، نزلت هذه الآية : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الحجر : 43 ] : فوالذي بعثك بالحق نبيًّا ، لقد قطعت قلبي ، فأنزل الله تعالى { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } . قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ : [ أراد ] بالمتقين : الذين اتقوا الشِّرك بالله تعالى ، والكفر به ، وبه قال جمهور الصحابة ، والتَّابعين . وهو الصحيح ؛ لأنَّ المتقي هو الآتي بالتقوى مرة واحدة ، كما أن الضَّارب هو الآتي بالضرب ، والقاتل هو الآتي بالقتل مرة واحدة ، فكما أنه ليس من شرط صدق الوصف بكونه ضارباً ، وقاتلاً ، أن يكون آتياً بجميع أنواع الضرب والقتل ، ليس من شرط صدق الوصف بكونه متَّقياً كونه آتياً بجميع أنواع التقوى ؛ لأنَّ الآتي بفردٍ واحدٍ من أفراد التقوى ، يكون آتياً بالتقوى ؛ لأنَّ كل فردٍ من أفراد الماهية ، يجب كونه مشتملاً على تلك الماهيَّة ، وبهذا التحقيق استدلُّوا على أنَّ الأمرَ لا يفيد التَّكرار . وإذا ثبت هذا فنقول : أجمعت الأمة على أنَّ التقوى عن الكفر شرط في حصول الحكم بدخول الجنة . وقال الجبائي ، وجمهور المعتزلةِ : المتقين : هم الَّذين اتَّقوا جميع المعاصي ، قالوا : لأنه اسم مدحٍ ، فلا يتناولُ إلاَّ من [ كان ] كذلك . واعلم أنَّ الجنات أربعةٌ ؛ لقوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] ثم قال : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 62 ] فيكون [ المجموع ] أربعة . قوله : " وعُيُونٍ " : قرأ ابن كثيرٍ ، والأخوان ، وأبو بكر ، وابن ذكوان : بكسر عين " عِيُونٍ " منكراً ، والعينُّ معرف حيث وقع ؛ والباقون : بالضمِّ ، وهو الأصل . فصل الجنَّاتُ : البَساتِينُ ، والعُيونُ : يحتمل أن يكون المراد بها الأنهار المذكورة في قوله تعالى : { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } [ محمد : 15 ] ، ويحتمل أن يكون المراد من هذه العيون منافع مغايرة لتلك الأنهار . قوله : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } العامة على وصل الهمزة من : دَخَلَ يَدخُل ، وقد تقدم خلاف القراء في حركة هذا التنوين ، لالتقاءِ السَّاكنين في البقرة : [ 173 ] . وقرأ يعقوب رحمه الله بفتح التنوين وكسر الخاء ، وتوجيهها : أنَّه أمرٌ من : أدْخَلَ يَدْخلُ فلما وقع بعد " عُيونِ " ألقى حركة الهمزة على التنوين ؛ لأنها همزة قطع ثمَّ حذفها ، والأمر من الله تعالى للملائكةِ ، أي : أدخلوها إيَّاهم . وقرأ الحسن ، ويعقوب أيضاً : " أُدخِلُوها " ماضياً مبنياً للمفعول ، إلا أنَّ يعقوب ضمَّ التنوين ووجهه : أنه أخذه من أدخل رباعياً ، فألقى حركة همزة القطع على التنوين كما ألقى حركة المفتوحةِ في قراءته الأولى ، والحسن كسرهُ على أصل التقاءِ الساكنين ، ووجهه : أن يكون أجرى همزة القطع مجرى همزة الوصل في الإسقاط . وقراءة الأمر على إضمار القول ، أي : يقال لأهل الجنَّة : ادخلوها ، أو يقال للملائكة : أدخلوها إياهم ، وعلى قراءة الإخبار يكون مستأنفاً من غير إضمارٍ ، وقوله " بِسَلامٍ " حالٌ : أي : ملتبسين بالسلامة أو مسلماً عليكم . و " آمنِينَ " حال أخرى ، وهي بدلٌ مما قبلها ، إما بدل كلُ من كلِّ وإما بدل اشتمالِ ؛ لأن الأمن مشتملٌ على التحية أو بالعكسٍ ، والمعنى : آمنين من الموت ، والخروج ، والآفات . فإن قيل : إن الله تعالى [ حكم ] قبل هذه الآية بأنهم في جنات وعيون ، وإذا كانوا فيها فكيف يقال لهم : " ادْخُلُوها " ؟ . فالجواب : أنَّهم لما ملكوا جنات كثيرة ، فكلما أرادوا أن ينتقلوا من جنة إلى أخرى قيل لهم : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } . قوله تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } الغِلُّ : الشَّحناءُ ، والعداوة الحقد الكامن في القلب ، مأخوذ من قولهم : أغلَّ في جوفه ، وتغلغل . قوله : " إخْوَاناً " يجوز أن يكون حالاً من " هُمْ " في " صُدُورهِمْ " ، وجاز ذلك ؛ لأنَّ المضاف جزءُ المضاف إليه . وقال أبو البقاءِ : والعامل فيها معنى الإلصاق ، ويجوز أن يكون حالاً من فاعل " ادْخُلوهَا " على أنها حال مقدرة ، قاله أبو البقاء . ولا حاجة إليه بل هو حال مقارنة . ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في قوله : " جَنَّاتٍ " . قوله " على سُررٍ " ، يجوز أن يتعلق بنفس " إخواناً " ، لأنه بمعنى متصافين ، أي : متصافين على سُررٍ ، قاله أبو البقاء ؛ وفيه نظر ؛ حيث تأويل جامدٍ بمشتقٍّ ، بعيد منه . و " مُتَقابِلينَ " على هذا حالٌ من الضمير في " إخْواناً " ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف ، على أنه صفة لـ " إخْواناً " ، وعلى هذا فـ " مُتقَابِلينَ " حالٌ من الضمير المستكنِّ في الجارِّ ، ويجوز أن يتعلق بـ " مُتَقَابلينَ " ، أي : متقابلين على سررٍ ، وعلى هذا فـ " مُتَقَابلينَ " من الضمير في " إخْواناً " أو صفة لـ " إخْوَاناً " . ويجوزم نصبه على المدحِ ، يعني : أنه لا يمكن أن يكون نعتاً للضمير فلذلك قطعَ . والسُّررُ : جمع سَريرٍ ، وهو معروفٌ ، ويجوز في " سُررٍ " ، ونحوه مما جمع على هذه الصيغةِ من مضاعف " فَعِيل " فتح العين ؛ تخفيفاً ؛ وهي لغة بني كلبٍ وتميم ، فيقولون : سُرَرٌ وجُدَدٌ ، وذلك في جمع سرير وجديد . قال المفضل : لأنَّهم يستثقلون الضمتين المتواليتين في حرفين من جنس واحد . فصل قال بعض أهل المعاني : السَّريرُ : مجلسٌ رفيعٌ مهيَّأ للسُّرورِ ، وهو مأخوذ منه ؛ لأنه مجلس سرورٍ . متقابلينَ : يقابل بعضهم بعضاً ، لا ينظر أحد منهم إلى قفا صاحبه ، والتَّقابلُ : التواجه ، وهو نقيضُ التَّدابر . قوله : { لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ } يجوز أن تكون هذه مستأنفة ، ويجوز أن تكون حالاً من الضمير في " مُتَقَابلينَ " . والنَّصَبُ : التَّعَبُ ، يقال منه : نَصِبَ يَنْصَبُ فهو نَصِبٌ ونَاصِبٌ ، وأنصبني كذا ، قال : [ الطويل ] @ 3278ـ تَأوَّبَنِي هَمٌّ مَعَ اللَّيْلِ مُنصِبُ … @@ وهمٌّ ناصبٌ ، أي : ذُو نصبٍ ، كلابن وتامر ؛ قال النابغة : [ الطويل ] @ 3279ـ كِلينِي لِهَمِّ يَا أمَيْمة نَاصبٍ وليْلٍ أقَاسيهِ بَطيءٍ الكَواكِبِ @@ و " مِنْهَا " متعلق " بمُخْرجين " . وهذه الآية أنصُّ آيةٍ في القرآن على الخلود .