Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 18-21)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } لمَّا بيَّن أنَّ الاشتغال بعبادة غير الله باطلٌ ، بيَّن ههنا أنَّ العبد لا يمكنه الإتيانُ بعبادة الله ، وشكر نعمه على سبيل التَّمامِ ، والكمال ، بل العبد وإن أتعب نفسه في القيام بالطاعاتِ ، والعبادات ، وبالغ في شُكْرِ نعم الله ؛ فإنه يكون مقصِّراً ؛ لأنَّ الاشتغال بشكر النِّعم مشترطٌ بعلمه بتلك النعم على سبيل التفصيل ، فإنَّ من لا يكون متصوراً ، ولا مفهوماً يمتنع الاشتغال بشكره ، والعلم بنعمة الله على سبيل التفصيل غير حاصل للعبد ؛ لأنَّ نعم الله كثيرة ، وأقسامها عظيمة ، وعقول الخلق قاصرة عن الإحاطة بمبادئها فضلاً عن غايتها ، لكنَّ الطريق إلى ذلك أن يشكر الله على جميع نعمه مفصَّلها ، ومجملها . ثم قال - جلَّ ذكره - : { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، " لَغَفُورٌ " لتقصيركم في شكر نعمه ، " رَحِيمٌ " بكم حيث لم يقطع نعمه عنكم لتقصيركم . قال بعضهم : إنَّه ليس لله على [ الكافر ] نعمةٌ . وقال الأكثرون : لله على الكافر والمؤمن نعمٌ كثيرةٌ ؛ لأنَّ الإنعامَ بخلق السمواتِ ، والأرض ، وخلق الإنسان من نطفةٍ ، والإنعام بخلق الخيلِ ، والبغال والحمير ، وجميع المخلوقات المذكورة للإنعام يشترك فيها المؤمن ، والكافر . قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } قرأ العامة " تُسِرُّونَ " و " تُعْلِنُونَ " بتاء الخطاب ، وأبو جعفرٍ ، وشيبة بالياء من تحت ، وقرأ عاصم وحده : " يَدْعُونَ " بالياء ، والباقون بالتاء من فوق ، وقراءة " يُدْعَونَ " مبنيًّا للمفعول ، وهن واضحات ، والمعنى : أنَّ الكفار كانوا مع اشتغالهم بعبادة غير الله يسرُّون ضروباً من المكر بمكايد الرسول ؛ فذكر هذا زجراً لهم عنها . قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } تكريرٌ ؛ لأن قوله تعالى : { أَفَمَن يَخْلُقُ } يدلُّ على أنَّ الأصنام لا تخلق شيئاً . فالجواب : أنَّ الأول أنَّهم لا يخلقون شيئاً ، وههنا أنَّهم لا يخلقون شيئاً ، وأنهم مخلوقون كغيرهم ؛ فكان هذا زيادة في المعنى . قوله " أمْوات " يجوز أن يكون خبراً ثانياً ، أي : وهم يخلقون وهم أمواتٌ ، ويجوز أن يكون " يُخْلَقُونَ " ، و " أمْواتٌ " كلاهما خبر من باب : هذا حُلْوٌ حَامِضٌ ذكره أبو البقاء رحمه الله تعالى ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هم أمواتٌ . قوله : { غَيْرُ أَحْيَآءٍ } يجوز فيه ما تقدم ويكون تأكيداً . وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون قصد بها أنهم في الحال غير أحياء ؛ ليدفع به توهُّم أنَّ قوله تعالى : { أَمْوَاتٌ } فيما بعد ، إذ قال تعالى : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] . قال شهابُ الدِّين : " وهذا لا يخرجه عن التأكيد الذي ذكره قبل ذلك " . فصل في وصف الأصنام اعلم أنه - تعالى - وصف الأصنام بصفات : أولها : أنها لا تخلق شيئاً . وثانيها : أنها مخلوقة . وثالثها : أنهم أموات غير أحياءٍ ، أي : أنها لو كانت آلهة حقيقية ؛ لكانت أحياء غير أموات ، أي : لا يجوز عليها الموت ، كالحيِّ الذي لا يموت - سبحانه - وهذه الأصنام بالعكسِ . فإن قيل : لما قال " أمْواتٌ " علم أنَّها " غَيْرُ أحياءٍ " ، فما فائدة قوله تعالى : { غَيْرُ أَحْيَاءٍ } ؟ . والجواب : أنَّ الإله هو الحيُّ الذي لا يحصل عقيب حياته موتٌ ، وهذه الأصنام أموات لا يحصل عقيب موتها حياة ، وأيضاً : فهذا الكلام مع عبدة الأوثان ، وهم في نهاية الجهالة ، ومن تكلَّم مع الجاهل الغرِّ الغبي ، فقد يعبر عن المعنى الواحد ، بعباراتٍ كثيرة ، وغرضه الإعلام بأنَّ ذلك المخاطب في غاية الغباوة ، وإنما يعيد تلك الكلمات ؛ لأنَّ ذلك السامع في نهاية الجهالة ، وأنه لا يفهم المعنى المقصود بالعبارة الواحدة . ورابعها : قوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } والضمير في قوله : " يَشْعرُونَ " عائد على الأصنام ، وفي الضمير في قوله : " يُبْعَثُونَ " قولان : أحدهما : أنه عائد إلى العابد للأصنام ، أي : ما يدري الكفار عبدةُ الأصنام متى يبعثون . الثاني : أنه يعود إلى الأصنام ، أي : الأصنام لا يشعرون متى يبعثها الله تعالى . قال ابن عباس - رضي الله عنه : إنَّ الله - تعالى - يبعث الأصنام لها أرواحٌ ، ومعها شياطينها ، فتتبرَّأ من عابديها ، فيؤمرُ بالكلِّ إلى النَّارِ . فصل هل توصف الأصنام بموت أو حياة الأصنام جمادات ، والجمادات لا توصف بأنها أمواتٌ ، ولا توصف بأنها لا تشعر بكذا وكذا . فالجواب من وجوه : الأول : أنَّ الجماد قد يوصف بكونه ميتاً ؛ قال تعالى : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } [ الأنعام : 95 ] . الثاني : أنهم لما وصفوا بالإلهيَّة قيل لهم : ليس الأمر كذلك ؛ بل هي أمواتٌ ، لا يعرفون شيئاً ، فخوطبوا على وفق معتقدهم . الثالث : أنَّ المراد بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ الملائكة ] وكان أناسٌ من الكفَّار يعبدونهم ؛ فقال الله تعالى : إنهم " أمْواتٌ " أي : لا بدَّ لهم من الموت " غَيْرُ أحْيَاءٍ " أي : غير باقيةٍ حياتهم ، { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي لا علم لهم بوقت بعثهم . انتهى . قوله تعالى : " أيَّانَ " منصوب بما بعده لا بما قبله ؛ لأنَّه استفهام ، وهو معلق لـ " مَا يَشْعرُونَ " فجملته في محل نصب على إسقاطِ الخافض ، هذا هو الظاهر . وقيل : إن " أيَّانَ " ظرف لقوله { إِلَٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ } [ النحل : 22 ] يعني : أنَّ الإله واحدٌ يوم القيامة ، ولم يدَّع أحد [ تعدُّد ] الآلهةِ في ذلك اليوم ، بخلاف أيَّام الدنيا ، فإنه قد وجد فيها من ادَّعى ذلك ، وعلى هذا فقد تم الكلام على قوله " يَشْعُرونَ " إلاَّ أنَّ هذا القول مخرجٌ لـ " أيَّانَ " عن [ موضوعها ] ، وهو إمَّا الشرط ، وإمَّا الاستفهام إلى محضِ الظرفية ، بمعنى وقت مضاف للجملة بعده ؛ كقولك " وقْتَ يَذهَبُ عَمرٌو مُنْطلِقٌ " فـ " وَقْتَ " : منصوبٌ بـ " مُنْطَلِقٌ " مضاف لـ " يَذْهَبُ " .