Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 84-88)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } الآية لما بيَّن أنهم عرفوا نعمة الله ثمَّ أنكروها ، وذكر أن أكثرهم كافرون أتبعه بذكر الوعيد ؛ فذكر حال يوم القيامة . قوله : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ } فيه أوجه : أحدها : منصوب بإضمار " اذْكُرْ " . الثاني : بإضمار " خوفهم " . الثالث : تقديره : ويوم نبعث ، وقعوا في أمر عظيم . الرابع : أنه معطوف على ظرف محذوف ، أي : ينكرونها اليوم ويوم نبعث . والمراد بأولئك الشهداء : الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم ؛ كما قال - سبحانه وتعالى - : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] . قوله : { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى " ثُمَّ " هذه ؟ قلت : معناه : أنهم يُمْنَعُونَ بعد شهادة الأنبياء عليه السلام بما هو أطمّ منه ، وهو أنهم يمنعون الكلام ، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا [ إدلاء ] حجة " . انتهى . ومفعول الإذن محذوف ، أي : لا يؤذن لهم في الكلام ؛ كما قال - تعالى - : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 36 ] أي : في الرُّجوع إلى الدنيا . وقيل : لا يؤذنُ لهم في الكلام أصلاً ، { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي : لا تزال عتابهم وهي ما يعتبون عليها ويلامون ؛ يقال : اسْتَعْتَبْتُ فلاناً بمعنى : أعْتَبْتُه ، أي : أزلت عُتْبَاه ، و " اسْتَفْعَل " بمعنى : " أفْعَلَ " غير مستنكرٍ ، قالوا : اسْتدنَيتُ فلاناً وأدْنَيتهُ بمعنًى واحد . وقيل : السِّين على بابها من الطَّلب ، ومعناه : أنهم لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدُّنيا ، فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم . وقال الزمخشري " ولا هم يسترضون ، أي : لا يقال لهم : أرضوا ربكم ؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل " . وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله - تعالى - في سورة حم السجدة ؛ لأنه أليق لاختلاف القراء فيه . ثم إنَّه - تعالى - أكَّد هذا الوعيد فقال : { وَإِذَا رَأَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } أي : أن هؤلاء المشركين إذا رأوا العذاب ووصلوا إليه ، فعند ذلك { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } ولا يؤخِّرون ولا يمهلون ؛ لأن التوبة هناك غير موجودة . قوله : " فَلا يُخَفَّفُ " هذه الفاء وما حيِّزها جواب " إذَا " ، ولا بدَّ من إضمار مبتدأ قبل هذه الفاء ، أي : فهو لا يخفف ؛ لأن جواب " إذا " متى كان مضارعاً ، لم يحتج إلى فاء سواء كان موجباً ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ } [ الحج : 72 ] أم منفيًّا ؛ نحو : " إذَا جَاءَ زَيْدٌ لا يكرمك " . قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } وهذا من بقيَّة وعيد المشركين ، وفي الشركاء قولان : الأول : أن الله - تعالى - : يبعث الأصنام فتكذِّب المشركين ، ويشاهدونها في غاية الذُّلِّ والحقارة ، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغمِّ والحسرة في قلوبهم . والثاني : أن المراد بالشركاء : الشَّياطين الذين دعوا الكفَّار إلى الكفر ؛ قاله الحسن - رضي الله عنه - ، وإنَّما ذهب إلى هذا القول ؛ - لأنه - تعالى - حكى عن الشركاء أنَّهم كذَّبوا الكفار ، والأصنام جمادات فلا يصحُّ منهم هذا القول . وهذا بعيد ؛ لأن الله - تعالى - قادرٌ على خلق الحياة في الأصنام وعلى خلق العقل والنُّطق فيها . قوله : { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } العامة على فتح السين واللام . وقرأ أبو عمرو في رواية بسكون اللام ، ومجاهد بضمِّ السين واللام ، وكأنَّه جمع سلام ؛ نحو : قُذال وقُذُل ، والسَّلامُ والسَّلَمُ واحد ، وقد تقدَّم الكلام عليهما في سورة النساء . فصل والمعنى : أن المشركين إذا رأوا تلك الشُّركاء ، { قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ } ، وفائدة هذا القول من وجهين : الأول : قال أبو مسلم - رحمه الله - : " مقصود المشركين إحالةُ الذَّنب على الأصنام ؛ ظنًّا منهم أن ذلك ينجيهم من عذاب الله ، أو ينقص من عذابهم ، عند هذا تكذِّبهم تلك الأصنام " . قال القاضي : " هذا بعيدٌ ؛ لأن الكفار يعلمون علماً ضروريًّا في الآخرة أنَّ العذاب ينزل بهم ، ولا ينفعهم فدية ولا شفاعة " . والثاني : أن المشركين يقولون هذا الكلام تعجُّباً من حضور تلك الأصنام ، مع أنه لا ذنب لها ، واعترافاً بأنَّهم كانوا مخطئين في عبادتها . ثم حكى - تعالى - أنَّ الأصنام يكذبونهم ، فقال : { فَأَلْقَوْاْ إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } ، والمعنى : أنه - تعالى - يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام فيلقوا إليهم ، أي : يقولون لهم : " إنَّكُم لكَاذِبُونَ " . فإن قيل : إن المشركين لم يقولوا ، بل أشاروا إلى الأصنام ، فقالوا : هؤلاء شركاؤنا الذين كنَّا ندعو من دونك ، وقد كانوا صادقين في كلِّ ذلك ، فكيف قالت الأصنام " إنَّكم لكَاذبُونَ " ؟ . فالجواب من وجوه : أصحها : أن المراد من قولهم : " هؤلاء شُركاؤنَا " ، أي : أنَّ هؤلاء هم الَّذين كنَّا نقول : إنهم شركاء الله في المعبودية ، فالأصنام كذَّبوهم في إثبات هذه الشركة . وقيل : المراد : إنَّهم لكاذبون في قولهم : إنَّا نستحقُّ العذاب بدليل قوله - تعالى - { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } [ مريم : 82 ] . ثم قال : { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } قال الكلبي : استسلم العابد والمعبود ، وأقرُّوا لله بالرُّبوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد . وقيل : استسلم المشركون يومئذ إلى الله تعالى وإنفاذ الحكمة فيهم ولم تغنِ عنهم آلهتهم شيئاً ، { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } : زال عنهم ما كانوا يفترون من أنَّها تشفع لهم عند الله ، وقيل : ذهب ما زيَّن لهم الشيطان من أن لله صاحبة وشريكاً . وقوله : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر " زِدنَاهُم " وهو واضح ، وجوَّز ابن عطية أن يكون " الَّذينَ كَفروا " بدلاً من فاعل " يَفْترُونَ " ، ويكون " زِدْناهُم " مستأنفاً . ويجوز أن يكون " الَّذينَ كَفرُوا " نصباً على الذَّمِّ أو رفعاً عليه ، فيضمر النَّاصب والمبتدأ وجوباً . فصل لما ذكر وعيد الذين كفروا ، أتبعه بـ " وعيد " من ضمَّ إلى كفره صدَّ الغير عن سبيل الله ، وهو منعهم عن طريق الحقِّ . وقيل : صدهم عن المسجد الحرام ، { زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } ؛ لأنهم زادوا على كفرهم صَدَّ الغير عن الإيمان . قال - عليه الصلاة والسلام - : " مَنْ سَنَّ سُنَّة سَيِّئةً فعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ من عَمِلَ بِهَا " . قال ابن عباس - رضي الله عنه - [ ومقاتل ] : " المراد بتلك الزيادة خمسة أنهار من صفر مذابٍ ؛ تسيل من تحت العرش ، يعذَّبون بها ثلاثة بالليل واثنان بالنَّهار " . وقال سعيد بن جبير : زدناهم عذاباً بحيّات كالبخت ، وعقارب كالبغال تلسعهم ، وقيل : يخرجون من حرِّ النار إلى زمهرير . وقيل : يضعَّف لهم العذاب بما كانوا يفسدون ، أي : بذلك الصَّد .