Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 89-89)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } الآية . وهذا نوع آخر من التَّهديد ، والأمة عبارة عن القرن والجماعة ، والمراد أن كلَّ نبيٍّ شاهدٌ على أمَّته ؛ لأن الأنبياء كانت تبعث إلى الأمم من أنفسهم لا من غيرهم . وقيل : المراد أن كل جمع وقرن يحصل في الدنيا ، فلا بدَّ وأن يحصل فيهم واحدٌ يكون شهيداً عليهم ، أمَّا الشَّهيد على الذين كانوا في عصر الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - فهو الرسول ؛ لقوله - تعالى - : { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [ البقرة : 143 ] وقوله : { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } . وقال الأصم : المراد بالشَّهيد هو أنَّه - تعالى - ينطق عشرة من أعضاء الإنسان تشهد عليه ، وهي : الأذنان ، والعينان ، والرجلان ، واليدان ، والجلد واللسان . قال : والدَّليل عليه أنه قال في صفة الشَّهيد أنَّه من أنفسهم ، وهذه الأعضاء لا شكَّ أنها من أنفسهم . وأجاب القاضي عنه : بأنه - تعالى - قال : { شَهِيداً عَلَيْهِم } ، أي : على الأمَّة ، فيجب أن يكون غيرهم ، وأيضاً قال : " مِنْ كل أمةٍ " فيجب أن يكون ذلك الشَّهيد من الأمَّة ، وآحاد الأعضاء لا يصح وصفها أنها من الأمة ، وأما حمل الشهداء على الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - فبعيد ؛ لأن كونهم مبعوثين إلى الخلق أمر معلوم بالضَّرورة ، فلا فائدة في حمل هذه الآية عليه . قوله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً } يجوز أن يكون " تِبْيَاناً " في موضع الحال ، ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله ، وهو مصدر ولم يجىء من المصادر على هذه الزِّنة إلا لفظتان : هذا والتِّلقاء ، وفي الأسماء كثيراً ، نحو " التِّمساح والتِّمثال " وأما المصادر فقياسها فتح الأول ؛ دلالة على التكثير كـ " التَّطوافِ " و " التَّجْوالِ " . وقال ابن عطية : إنَّ " التِّبْيَان " اسمٌ وليس بمصدر والنحويُّون على خلافه . قال شهاب الدين - رحمه الله - : وقد رَوَى الواحديُّ بإسناده ، عن الزجاج أنه قال : " التِّبيان " اسمٌ في معنى البيان . وجه تعلُّق هذا الكلام بما قبله : أنه - تعالى - قال : { وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ } أي : أنه أزاح علتهم فميا كلِّفوا ، فلا حجَّة لهم ولا معذرة . وقال نفاةُ القياس : دلَّت هذه الآية على أنَّ القرآن تبْيَانٌ لكل شيءٍ ، والعلوم إمَّا دينية ، أو غير دينية ، فالتي ليست دينية ، لا تعلُّق لها بهذه الآية ؛ لأنَّا نعلمُ بالضرورة أنه تعالى إنما مدح القرآن بكونه مشتملاً على علوم الدين ، وأمَّا غير ذلك ، فلا التفاتَ إليه ، وأما علومُ الدِّين : فإمَّا الأصول ، وإما الفروع . فأما علم الأصول : فهو بتمامه موجودٌ في القرآن . وأما علم الفروع : فالأصل براءة الذِّمَّة ، إلا ما ورد على سبيل التفصيل في هذا الكتاب ، وذلك يدلُّ على أنه لا تكليف من الله إلاَّ ما ورد في هذا القرآن ، وإذا كان كذلك ، كان القول بالقياس باطلاً ، وكان القرآن وافياً بتبيان كل الأحكام . قال الفقهاء : إنَّما كان القرآن " تِبياناً لكُلِّ شَيْءٍ " ؛ لأنه دلَّ على أنَّ الإجماع حجةٌ ، وخبر الواحد ، والقياس حجة ، فإذا ثبت حكم من الأحكام بأحد هذه الأصولِ ، كان ذلك الحكم ثابتاً بالقرآن ، وقد تقدمت هذه المسألة في سورة الأعراف . قال المفسرون : " تِبْياناً لكُلِّ شَيْءٍ " يحتاج إليه الأمرِ ، والنهيِ والحلالِ ، والحرامِ ، والحدودِ ، والأحكامِ ، " وهُدًى " من الضَّلالةِ ، " ورحْمَةً " و " بشرى " وبشارة " للمسلمين " ، قوله : " للمسلمين " متعلق بـ " بشرى " ، وهو متعلق من حيث المعنى بـ " هدى ورحمة " أيضاً . وفي جواز كون هذا من التنازع ، نظر ، من حيث لزوم الفصل بين المصدر ، ومعموله بالظرف ، حال إعمالك غير الثالث ؛ فتأمَّلهُ . وقياس من جوَّز [ التنازع ] في فعل التعجب ، والتزام إعمال الثاني ؛ لئلاَّ يلزم الفصل أن يجوز هذا على هذه الحالة .