Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 100-100)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنَّ الكفار ، لما قالوا : لن نؤمن لك ؛ حتَّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً وطلبوا إجراء الأنهارِ ، والعيون في بلدهم لتكثر أموالهم ؛ بيَّن أنَّهم لو ملكوا خزائن رحمة الله ، لبقوا على بخلهم وشحهم ، ولا أقدموا على إيصال النفع إلى أحدٍ ، وعلى هذا التقدير : فلا فائدة في إسعافهم لما طلبوه . قوله : { لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ } : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : - وإليه ذهب الزمخشري ، والحوفي ، وابن عطيَّة ، وأبو البقاء ، ومكيٌّ - : أن المسألة من باب الاشتغال ، فـ " أنْتُمْ " مرفوع بفعلٍ مقدر يفسِّره هذا الظاهر ، لأنَّ " لَوْ " لا يليها إلا الفعل ، ظاهراً أو مضمراً ، فهي كـ " إنْ " في قوله تعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 6 ] ، وفي قوله : @ 3470 - وإنْ هُوَ لمْ يَحْمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمهَا فَليْسَ إلى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبيلُ @@ والأصل : لو تملكون ، فحذف الفعل ؛ لدلالة ما بعده عليه ، فانفصل الضمير ، وهو الواو ؛ إذ لا يمكن بقاؤه متَّصلاً بعد حذف رافعه ، ومثله : " وإنْ هو لم يحمل " : الأصل : وإن لم يحمل ، فلما حذف الفعل ، انفصل ذلك الضميرُ المستتر ، وبرز ، ومثله فيما نحنُ فيه قول الشاعر : @ 3471 - " لوْ ذَاتُ سِوارٍ لطَمتْنِي " @@ برفع " ذَاتُ " وقول المتلمِّس : @ 3472 - ولَوْ غَيْرُ أخْوالِي أرادُوا نَقِيصَتِي … @@ فـ " ذَاتُ سوارٍ " مرفوعةٌ بفعل مفسَّر بالظاهر بعده . الثاني : أنه مرفوع بـ " كَانَ " وقد كثر حذفها بعد " لو " والتقدير : لو كنتم تملكون ، فحذف " كَانَ " ، فانفصل الضمير ، و " تَمْلكُونَ " في محلِّ نصبٍ بـ " كَانَ " المحذوفةِ ، وهو قولُ ابن الصائغ ؛ وقريبٌ منه قوله : [ البسيط ] @ 3473 - أبَا خُرَاشةَ أمَّا أنْتَ ذَا نَفرٍ … @@ فإنَّ الأصل : لأن كنت ، فحذفت " كَانَ " ، فانفصل الضمير ، إلا أنَّ هنا عوِّض من " كَانَ " " ما " ، وفي [ " لَوْ " ] لم يعوَّض منها . الثالث : أنَّ " أنتم " توكيدٌ لاسم " كانَ " المقدر معها ، والأصل " لَوْ كُنتمْ أنْتُم تَمْلكُونَ " فحذفت " كَانَ " واسمها ، وبقي المؤكِّدُ ، وهو قول ابن فضالٍ المجاشعيِّ ، وفيه نظرٌ ؛ من حيث إنَّا نحذف ما في التَّوكيد ، وإن كان سيبويه يجيزه . وإنما أحوج هذين القائلين إلى ذلك : كون مذهب البصريِّين في " لَوْ " أنَّه لا يليها إلاَّ الفعل ظاهراً ، ولا يجوز عندهم أن يليها مضمراً مفسَّراً إلاَّ في ضرورة ، أو ندور ، كقوله : " لَو ذَات سوارٍ لطَمتْنِي " ، فإن قيل : هذان الوجهان أيضاً فيهما إضمار فعلٍ ، قيل : ليس هو الإضمار المعنيَّ ؛ فإنَّ الإضمار الذي أبوه هو على شريطة التفسير في غير " كان " ، وأمَّا " كان " فقد كثر حذفها بعد [ " لو " ] في مواضع كثيرة ، وقد وقع الاسم الصَّريحُ بعد " لَوْ " غير مذكور بعده فعلٌ ؛ وأنشد الفارسيُّ : [ الرمل ] @ 3474 - لَو بِغيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرقٌ كُنتُ كالغصَّانِ بالمَاءِ اعْتِصَارِي @@ إلا أنه أخرجه على أنه مرفوع بفعل مقدَّر يفسِّره الوصف من قوله " شَرِقٌ " ، وقد تقدَّم الكلام في " لَوْ " . قال أهل المعاني : إنَّ التقديم بالذكر يدل على التَّخصيص ، فقوله : { لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ } دليل على أنَّهم هم المختصُّون بهذه الحالة الخسيسة ، والشُّحِّ الكامل . واعلم أنَّ خزائن رحمة الله غير متناهية ؛ فكان المعنى أنكم لو ملكتم من النِّعم خزائن لا نهاية لها ، لتقيمنَّ على الشحِّ ، وهذه مبالغة عظيمة في وصفهم بهذه الصفة . قوله : " لأمْسَكْتُمْ " يجوز أن يكون لازماً ؛ لتضمنه معنى " بخِلتمْ " وأن يكون متعدِّياً ، ومفعوله محذوف ، أي : لأمسكتم المال ، ويجوز أن يكون كقوله { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [ البقرة : 258 ] . قوله : { خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } فيه وجهان : أظهرهما : أنه مفعول من أجله . والثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، قاله أبو البقاء ، أي : خاشين الإنفاق ، وفيه نظر ؛ إذ لا يقع المصدر المعرف موقع الحال ، إلا سماعاً ؛ نحو : " جَهْدكَ " و " طَاقَتكَ " ، وكقوله : @ 3475 - وأرْسلَهَا العِراكَ … … @@ ولا يقاس عليه ، والإنفاقُ مصدر " أنْفقَ " ، أي : أخرج المال ، وقال أبو عبيدة : " هو بمعنى الافتقار ، والإقتار " . قوله : { خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي } ، أي : نعمة ربِّي . { إِذاً لأَمْسَكْتُمْ } لبخلتم . { خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } : الفاقة . وقيل : خشية النفاق يقال : أنفق الرجل ، أي : أملق ، وذهب ماله ، ونفق الشَّرُّ ، أي : ذهب . وقيل : لأمسكتم عن الإنفاق ؛ خشية الفقر ، ومعنى " قَتُوراً " : قال قتادة : بخيلاً ممسكاً . يقال : أقْتَرَ يُقْتِرُ إقتاراً ، وقتَّر تَقْتِيراً : إذا قصَّر في الإنفاق . فإن قيل : قد حصل في الإنسان الجواد ، والكريم . فالجواب من وجوه : الأول : أن الأصل في الإنسان البخلُ ؛ لأنَّه خلق محتاجاً ، والمحتاج لا بد وأن يحبَّ ما به يدفع الحاجة ، وأن يمسكه لنفسه ، إلا أنَّه قد يجود به [ لأسبابٍ ] من خارج ، فثبت أنَّ الأصل في الإنسان البخلُ . الثاني : أنَّ الإنسان إنَّما يبذلُ ؛ لطلب الحمدِ ، وليخرج من عهدة الواجب ، ثم للتَّقرُّب إلى الله تعالى ، فهو في الحقيقة إنَّما أنفق ليأخذ العوض ، فهو بخيلٌ ، والمراد بهذا الإنسان المعهود السَّابق ، وهم الذين قالوا : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُر لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنبُوعاً } [ الإسراء : 90 ] .