Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 101-104)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ } الآيات . اعلم أنَّ المقصود من هذا الكلام هو الجواب عن قولهم : لن نؤمن لك ؛ حتى تأتينا بهذه المعجزات الباهرة ؛ فقال تعالى : ولقد آتينا موسى معجزات مساويات لهذه الأشياء التي طلبتموها ، بل أقوى ، وأعظم ، فلو حصل في علمنا أنَّ جعلها في زمانكم مصلحة ، لفعلناها ، كما فعلناها في حق موسى ؛ فدلَّ هذا على أنَّا إنَّما [ لم ] نفعلها في زمانكم ؛ لعلمنا بأنها لا مصلحة في فعلها . واعلم : أنَّ الله تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزاتِ موسى - عليه السلام - . واعلم : أنه [ أزال ] القعدة في لسانه . قال المفسرون : أذهب الأعجمية منه ، وبقي فصيحاً . ومنها : انقلاب العصا حيَّة . ومنها : تلقُّف الحية حبالهم وعصيَّهم ، مع كثرتها . ومنها : اليد البيضاء من غير سوء . ومنها : الطُّوفان والجراد ، والقمَّل ، والضَّفادع ، والدَّم . ومنها : شقُّ البحر . ومنها : ضربه الحجر بالعصا ، فانفجر . ومنها : إظلال الجبل . ومنها : إنزال المنِّ والسلوى عليه وعلى قومه . ومنها : قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ } [ الأعراف : 130 ] لأهل القرى ؛ فهذه آيتان . ومنها : الطَّمس على أموالهم ، فجعلها حجارة من النَّخيلِ ، والدَّقيق ، والأطعمة ، والدَّراهم والدَّنانير . روي أن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب ، عن قوله : { تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ } ، فذكر محمد بن كعب في جملة التسعة ؛ حلَّ عقدة اللِّسان ، والطَّمس ، فقال عمر بن العزيز : هكذا يجبُ أن يكون الفقيهُ ، ثم قال : يا غلامُ ، أخرج ذلك الجراب ، فأخرجه ، فإذا فيه بيضٌ مكسورٌ ؛ نصفين ، وجوز مكسور ، وفول ، وحمص ، وعدس ، كلها حجارة . وإذا كان كذلك ، فإنه تعالى ذكر في القرآن أنَّ هذه المعجزات لموسى صلى الله عليه وسلم وقال في هذه الآية : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ } وتخصيص التسعة بالذِّكر لا يقدح فيه ثبوت الزائد عليه ؛ لأنَّه ثبت في أصول الفقه أنَّ تخصيص العدد بالذكر لا يدلُّ على نفي الزائد ؛ وهذه الآية دليل على هذه المسألة . واعلم : أن هذه التسعة قد اتَّفقوا على سبعة منها ؛ وهي : العصا ، واليد ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وبقي اثنتان اختلفت أقوال المفسرين فيهما ، ولمَّا لم تكن تلك الأقوال مستندة إلى حجَّة ظنيَّة ؛ فضلاً عن حجة يقينيَّة ، لا جرم تركت تلك الروايات . فصل في أجود ما قيل في تفسير التسع آيات في تفسير قوله : { تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ } قول هو أجود ما قيل ، وهو ما روي عن صفوان بن عسَّالٍ المراديِّ : أن يهوديًّا قال لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله عن تسع الآيات ، فقال الآخر : لا تقل : نبي ؛ فإنه لو سمع ، لصارت له أربعة أعين فأتياه ، فسألاه عن هذه الآية { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ } . فقال : هِيَ ألاَّ تشركوا بالله شيئاً ، ولا تقتلوا النَّفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحقِّ ، ولا تَزنُوا ، ولا تَأكلُوا الرِّبا ، ولا تَسْحرُوا ، ولا تمشُوا بالبريءِ للسلطان ؛ ليقتله ، ولا تسرقوا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تَفرُّوا من الزَّحف ، وعليكم - خاصة اليهود - ألاَّ تعدوا في السَّبت ، فقام اليهوديَّان يقبِّلان يده ، ويقولون : نشهدُ أنَّك نبيٌّ ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟ قال اليهودي : إنَّ داود دعا ربَّهُ ألاَّ يزال في ذُريَّته نبيٌّ ، وإنَّا نخافُ إن اتَّبعنَاكَ أن تقْتُلنَا يهُودُ . قوله تعالى : { تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ } : [ يجوز في " بَيِّنات " ] النصب صفة للعدد ، والجر صفة للمعدود . قوله : " إذْ جَاءهُمْ " فيه أوجهٌ : أحدها : أن يكون معمولاً لـ " آتيْنا " ويكون قوله " فاسْألْ بَنِي إسْرائيلَ " اعتراضاً ، وتقديره : ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيِّناتٍ ؛ إذ جاء بني إسرائيل ، فسألهم ، وعلى هذا التقدير : فليس المطلوبُ من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم ، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود بقول علمائهم صدق ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد . والثاني : أنه منصوب بإضمار اذكر . والثالث : أنه منصوبٌ بـ " يُخْبرُونكَ " مقدراً . الرابع : أنه منصوب بقولٍ مضمرٍ ؛ إذ التقدير : فقلنا له : سل بني إسرائيل حين جاءهم ، ذكر هذه الأوجه الزمخشري مرتبة على مقدمة ذكرها قبلُ [ قال : ] فاسْأَلْ بنِي إسْرائِيلَ ، أي : فقلنا له : اسأل بني إسرائيل ، أي : اسْألهُم عن فرعون ، وقل له : أرسل معي بني إسرائيل ، أو اسألهم عن إيمانهم ، وحال دينهم ، أو اسألهم أن يعاضدوك . ويدل عليه قراءة رسول الله " فَسَألَ " على لفظ الماضي ، بغير همزٍ ، وهي لغة قريشٍ . وقيل : فَسلْ ، يا رسول الله ، المُؤمنَ من بني إسرائيل ؛ كعبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات ؛ ليزدادوا يقيناً وطمأنينة ؛ كقوله : { وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] [ ثم قال : ] فإن قيل بم تعلق " إذْ جَاءهُمْ " ؟ فالجواب : أمَّا على الوجه الأول : فبالقول المحذوف ، [ أي ] : فقلنا له ، سلهم حين جاءهم ، أو بـ " سَالَ " في القراءة الثانية ، وأمَّا على الآخر فبـ " آتَيْنَا " أو بإضمار " اذكر " أو بـ " يُخْبرونَكَ " ومعنى " إذْ جَاءهُمْ " " إذ جاء آباءهم " ، انتهى . قال أبو حيان : " ولا يتأتَّى تعلقه بـ " اذْكُر " ولا بـ " يُخْبرُونَكَ " ؛ لأنه ظرف ماضٍ " . قال شهاب الدين : إذا جعله معمولاً لـ " اذْكُر " ، أو لـ " يُخْبرُونكَ " لم يجعله ظرفاً ، بل مفعولاً به ، كما تقرَّر مراراً . الوجه الخامس : أنه مفعول به ، والعامل فيه " فَسلْ " . قال أبو البقاء : " فيه وجهان : أحدهما : هو مفعول به بـ " اسْألْ " على المعنى إذ التقدير : اذكر لبني إسرائيل ؛ إذ جاءهم ، وقيل : التقدير : اذكر إذا جاءهم وهي غير " اذكُر " الذي قدَّرت به " اسْأل " " ، يعني : أن " اذكر " المقدرة غير " اذكُر " التي فسَّرت " اسألْ " بها ؛ وهذا يؤيِّد ما تقدَّم من أنهم ، إذا قدروا " اذكُر " جعلوا " إدْ " مفعولاً به ، لا ظرفاً . إلا أنَّ أبا البقاء ذكر [ حال ] كونه ظرفاً ، ما يقتضي أن يعمل فيه فعلٌ مستقبل ، فقال : " والثاني : أن يكون ظرفاً ، وفي العامل وجوه : أحدها : " آتَيْنا " . والثاني : " قلنا " مضمرة . والثالث : [ " قُل " ] ، تقديره : قل لخصمك : سل ؛ والمراد به فرعون ، أي : قل ، يا موسى ، وكان الوجه أن يقال : إذ جئتهم بالفتح ، فخرج من الخطاب ، إلى الغيبة " . فظاهر الوجه الثالث : أن العامل فيه " قُلْ " وهو ظرف ماض ، على أنَّ هذا المعنى الذي نحا إليه ليس بشيء ؛ إذ يرجع إلى : يا موسى ، قل لفرعون : يا فرعون سل بني إسرائيل ، فيعود فرعون هو السائل لبني إسرائيل ، وليس المراد ذلك قطعاً ، وعلى التقدير الذي تقدم عن الزمخشري - وهو أن المعنى : يا موسى ، سل بني إسرائيل ، [ أي : اطلبهم من فرعون - يكون المفعول الأول للسؤال محذوفاً ، والثاني هو " بني إسْرائيلَ " ] ، والتقدير : سَلْ فرعون بني إسرائيل ، وعلى هذا : فيجوز أن تكون المسألة من التنازع ، وأعمل الثاني ؛ إذ التقدير : سل فرعون ، فقال فرعون ، فأعمل الثاني ، فرفع به الفاعل ، وحذف المفعول من الأول ، وهو المختار من المذهبين . والظاهر غير ذلك كلِّه ، وأن المأمور بالسؤال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو إسرائيل كانوا معاصريه . والضمير [ في ] " إذْ جَاءهُمْ " : إمَّا للآباء ، وإمَّا لهم على حذف مضافٍ ، أي : جاء آباءهم . فصل في معنى " واسأل بني إسرائيل " المعنى : فسَلْ ، يا محمد ، بني إسرائيل ؛ إذ جاءهم موسى ، يجوز أن يكون الخطاب معه ، والمراد غيره ، ويجوز أن يكون خاطبه - عليه الصلاة والسلام - وأمره بالسؤال ؛ ليتبيَّن كذبهم مع قومهم ، فقال له فرعون : { إِنِّي لأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } . وقوله " مَسْحُوراً " : وفيه وجهان : أظهرهما : أنه بمعناه الأصلي ، أي : إنك سحرت ، فمن ثمَّ ؛ اختل كلامك ، قال ذلك حين جاءه بما لا تهوى نفسه الخبيثة ، قاله الكلبي . وقال ابن عباس : مخدوعاً ، وقال : مصروفاً عن الحقِّ . والثاني : أنه بمعنى " فاعل " كميمون ومَشْئُوم ، أي : أنت ساحرٌ ؛ كقوله : { حِجَاباً مَّسْتُوراً } [ الإسراء : 45 ] . فوضع المفعول موضع الفاعل ، قاله الفراء ، وأبو عبيدة ، وقال ابن جرير : يعطى علم السِّحر ؛ فلذلك تأتي بالأعاجيب ، يشير لانقلابِ عصاه حيَّة ونحو ذلك . قوله : { لَقَدْ عَلِمْتَ } : قرأ الكسائي بضمِّ التاء أسند الفعل لضمير موسى - عليه السلام - أي : إنِّي متحققٌ أن ما جئتُ به هو منزَّلٌ من عند الله تعالى ، والباقون بالفتح على إسناده لضمير فرعون ، أي : أنت متحقِّقٌ أنَّ ما جئت به هو منزَّل من عند الله ، وإنَّما كفرك عنادٌ ، وعن عليّ - رضي الله عنه - أنه أنكر الفتح ، وقال : " ما عَلِمَ عدُو الله قطُّ ، وإنَّما علمَ مُوسَى " ، [ ولَو عَلِمَ ، لآمنَ ؛ ] فبلغ ذلك ابن عباس ، فاحتجَّ بقوله تعالى : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] على أنَّ فرعون وقومه علموا بصحَّة أمر موسى . فصل في الخلاف في أجود القراءتين قال الزجاج : الأجودُ في القراءة الفتحُ ؛ لأنَّ علم فرعون بأنَّها آياتٌ نازلةٌ من عند الله أوكد في الاحتجاج ، واحتجاج موسى على فرعون بعلم فرعون أوكد من الاحتجاج عليه بعلم نفسه . وأجاب من نصر قراءة عليٍّ عن دليل ابن عباس ، فقال قوله : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } يدلُّ على أنهم استيقنوا أشياء ، فأمَّا أنهم استيقنوا كون هذه الأشياء نازلة من عند الله ، فليس في الآية ما يدل عليه ؛ ويدلُّ بأنَّ فرعون قال : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] . قال موسى : " لقَدْ عَلْمتَ " . والمعنى : " اعلم أنِّي لستُ بمجنونٍ " ، ولم يثبت عن عليٍّ رفعُ التاء ؛ لأنه يروى عن رجلٍ من مرادٍ عن عليٍّ ، وذلك الرجل مجهول . واعلم : أن هذه الآيات من عند الله ، ولا تشكَّ في ذلك بسبب سفاهتك والجملة المنفيَّة في محلِّ نصبٍ ؛ لأنها معلقة للعلم قبلها وتقدير الآية : ما أنزل هؤلاء " الآيات " ؛ ونظيره قوله : [ الكامل ] @ 3476 - … والعَيْشَ بَعْدَ أولئك الأيَّام @@ أي : للأمام . قوله : " بَصائِرَ " حالٌ ، وفي عاملها قولان : أحدهما : أنه " أنْزلَ " هذا الملفوظ به ، وصاحبُ الحال " هؤلاءِ " وإليه ذهب الحوفي ، و ابن عطيَّة ، وأبو البقاء ، وهؤلاء يجيزون أن يعمل ما قبل " إلاَّ " فيما بعدها ، وإن لم يكن مستثنى ، ولا مستثنى منه ، ولا تابعاً له . والثاني : - وهو مذهب الجمهور - : أنَّ ما بعد " إلاَّ " لا يكون معمولاً لما قبله ، فيقدر لها عامل ، تقديره : أنزلها بصائر ، وقد تقدَّم نظير هذه في " هود " عند قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [ هود : 27 ] . ومعنى " بَصائِرَ " أي : حججاً بيِّنة ؛ كأنها بصائر العقول ، والمراد : الآيات التِّسع ، ثم قال موسى : { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } . قوله : " مَثبُوراً " مفعول ثانٍ ، واعترض بين المفعولين بالنِّداء ، و المَثبُورُ : المهلك ؛ يقال : ثبرهُ الله ، أي : أهلكه ، قال ابن الزبعرى : [ الخفيف ] @ 3477 - إذْ أجَارِي الشَّيطَانَ في سَننِ الغَيْـ ـيِ ومَنْ مَالَ مَيلهُ مَثْبُور @@ والثُّبورُ : الهلاكُ ؛ قال تعالى : { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً } [ الفرقان : 14 ] . وقال ابن عباس : مَثْبُوراً ، أي : ملعوناً ، وقال الفراء : مصروفاً ممنوعاً عن الخير ، والعرب تقول : ما ثبرك عن هذا ؟ أي : ما منعك عن هذا ، وما صرفك عنه ؟ . قال أبو زيدٍ : يقال ثبرت فلاناً عن الشيء ، أثبرهُ ، أي رددتُّه عنه . فصل في جواب موسى لفرعون بكونه مثبوراً واعلم أنَّ فرعون لمَّا وصف موسى - عليه السلام - بكونه مسحوراً ، أجابه موسى بأنَّك مثبورٌ ، أي : أنَّ هذه الآيات ظاهراتٌ ، ومعجزاتٌ ظاهرةٌ ؛ لا يرتاب العاقل في أنَّها من عند الله ؛ وأنه أظهرها لأجل تصديقي ، وأنت تنكرها حسداً ، وعناداً ، ومن كان كذلك ، كان عاقبته الدَّمار والهلاك . ثم قال تعالى : { فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } . أي : أراد فرعون أن يخرج موسى - عليه السلام - وبني إسرائيل من الأرض أي : أرض مصر . قال الزجاج : لا يبعد أن يكون المراد من استفزازهم إخراجهم منها بالقتل ، أو بالتنحية ، وتقدَّم الكلام على الاستفزاز ، ثم قال : { فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً } . وهو معنى ما ذكره الله في قوله : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] ، أي : إنَّ فرعون أراد إخراج موسى من أرض مصر ؛ لتخلص له تلك البلاد ، فأهلك الله فرعون ، وجعل تلك الأرض خالصة لموسى ولقومه ، وقال من بعد هلاك فرعون لبني إسرائيل : اسكنوا الأرض خالصة لكم ، خالية من عدوِّكم ، يعني : أرض مصر والشام ، { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } . يعني : القيامة { جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } من ههنا وههنا . وفي { لَفِيفاً } : وجهان : أحدهما : أنه حال ، وأن أصله مصدر لفَّ يلفُّ لفيفاً ؛ نحو : النَّذير والنَّكير ، أي : جئنا بكم منضماً بعضكم إلى بعض ، من لفَّ الشيء يلفُّه لفًّا ، والألفُّ : المتداني الفخذين ، وقيل : العظيم البطن . والثاني : أنه اسم جمع ، لا واحد له من لفظه ، والمعنى : جئنا بكم جميعاً ، فهو في قوة التَّأكيد . واللَّفيفُ : الجمع العظيم من أخلاطٍ شتَّى من الشريف ، والدنيء ، والمطيع ، والعاصي ، والقويِّ ، والضعيف ، وكل شيءٍ خلطته بشيءٍ آخر ، فقد لففته ، ومنه قيل : لففتُ الجيوش : إذا ضرب بعضها ببعض .