Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 31-31)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ } الآية في تقرير النظم وجوه : الأول : أنه لما بيَّن في الآية الأولى : أنَّه المتكفِّل بأرزاق العباد ؛ حيث قال : { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } [ الإسراء : 30 ] قال عزَّ وجلَّ : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } . الثاني : أنه تعالى ، لمَّا علم كيفية البرِّ بالوالدين في الآية المتقدمة ، علم في هذه الآية كيفية البرِّ بالأولاد ، ولهذا قيل : إنَّ الأبرار إنما سمُّوا بذلك ؛ لأنهم برُّوا الآباء والأبناء ؛ فوجب برُّ الآباء مكافأة على ما صدر منهم من أنواع البرِّ ؛ ووجب برُّ الأولاد ، لأنَّهم في غاية الضعف والاحتياج ولا كافل لهم غير الوالدين . الثالث : أنَّ امتناع الأولاد من برِّ الآباء يوجب خراب العالم ؛ لأنَّ الآباء ، إذا علموا ذلك ، قلت رغبتهم في تربية الأولاد ؛ فيلزم خراب العالم ، وامتناع الآباء من البرِّ أيضاً كذلك . الرابع : أنَّ قتل الأولادِ ، إن كان لخوفِ الفقر ، فهو سوء الظنِّ بالله تعالى ، وإن كان لأجل الغيرة على البناتِ فهو سعيٌ في تخريب العالم ، فالأوَّل ضدُّ التعظيم لأمر الله تعالى ، والثاني ضدُّ الشفقةِ على خلق الله ، وكلاهما مذمومان . الخامس : أنَّ قرابة الأولاد قرابةُ الجزئيَّة والبعضيَّة ، وهي من أعظم الموجبات للمحبَّة ، فلو لم تحصل المحبَّة دلَّ ذلك على غلظٍ شديد في الرُّوح ، وقسوة في القلب ، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة ، فرغَّب الله في الإحسان إلى الأولاد ؛ إزالة لهذه الخصلة الذميمة . فصل قرأ العامة " تَقْتلُوا " بالتخفيف ، وقرأ ابن وثاب والأعمش " تُقتِّلُوا " بالتشديد و " خِشْيَة " بكسر الخاء . قال المفسِّرون : إنَّ العرب كانوا يقتلون البنات ؛ لعجز البنات عن الكسب ، وقدرة البنين عليه ؛ بسبب إقدامهم على النَّهب والغارة ، وأيضاً : كانوا يخافون أن ينفر الأكفاء عنها ، وعن الرغبة فيها ، فيحتاجون إلى إنكاحها من غير الأكفاء ، وفي ذلك عارٌ شديدٌ . واعلم أن قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ } عامٌّ في الذكور والإناث ، أي : أنَّ الموجب للشَّفقة والرحمة هو كونه ولداً ، وهذا الوصف يشترك فيه الذكور والإناث ، وأما ما يخاف من الفقر في البنات ، فقد يخاف أيضاً في العاجز من البنين ، ثم قال تعالى : { نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } أي أنَّ الأرزاق بيد الله ، فكما يفتحُ أبواب الرِّزق على الرِّجال ، فكذلك يفتح أبواب الرزق على النِّساء . قوله تعالى : { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } . قرأ ابن ذكوان : " خَطَأ " بفتح الخاء والطاء من غير مدٍّ ، وابن كثيرٍ بكسرِ الخاءِ والمدِّ ، ويلزم منه فتح الطاء ، والباقون بكسر الخاء وسكون الطاء . فأمَّا قراءة ابن ذكوان ، فخرَّجها الزجاج على وجهين : أحدهما : أن يكون اسم مصدر ؛ من أخطأ يخطىء خطأً ، أي : إخطاءً ، إذا لم يصبْ . والثاني : أن يكون مصدر خطىء يَخطأ خطأ ، إذا لم يصب أيضاً ، وأنشد : [ الكامل ] @ 3412 - والنَّاسُ يَلحَوْنَ الأميرَ إذَا هُمُ خَطِئُوا الصَّوابَ ولا يُلامُ المُرشِدُ @@ والمعنى على هذين الوجهين : أنَّ قتلهم كان غير صوابٍ ، واستبعد قوم هذه القراءة قالوا : لأنَّ الخطأ ما لم يتعمَّد ، فلا يصحُّ معناه . وخفي عنهم : أنه يكون بمعنى أخطأ ، أو أنه يقال : " خَطِىءَ " إذا لم يصب . وأمَّا قراءة ابن كثير ، فهي مصدر : خَاطَأ يُخاطِىءُ خطاءً ؛ مثل : قاتل يُقاتلُ قتالاً ، قال أبو عليٍّ : " هي مصدر خَاطَأ يُخاطِىءُ ، وإن كنَّا لم نجد " خَاطَأ " ولكن وجدنا تخاطأ ، وهو مطاوع " خَاطَأ " فدلَّنا عليه ، ومنه قول الشاعر : [ المتقارب ] @ 3413 - تَخاطَأتِ النَّبلُ أحْشاءَهُ وأخَّرَ يَومِي فَلمْ يَعْجلِ @@ وقال الآخر : [ الطويل ] @ 3414 - تَخاطَأهُ القنَّاصُ حتَّى وجَدتُهُ وخُرطُومهُ في مَنْقعِ المَاءِ رَاسِبُ @@ فكأنَّ هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحقَّ و العدل " . وقد طعن قومٌ على هذه القراءة حتَّى قال أبو جعفرٍ - رحمه الله - : " لا أعرفُ لهذه القراءة وجهاً " ولذلك جعلها أبو حاتمٍ غلطاً . قال شهاب الدين : قد عرفهُ غيرهما ، ولله الحمد . وأما قراءة الباقين فواضحة ؛ لأنَّها من قولهم : خَطِىءَ يَخطَأ خِطئاً ، كأثِمَ يَأثمُ إثماً ، إذا تعمَّد الكذب . وقرأ الحسن : " خَطَاء " بفتح الخاء والمدِّ ، وهو اسم مصدر " أخْطَأ " كالعطاءِ اسم للإعطاء . وقرأ أيضاً " خطَا " بالقصر ، وأصله " خَطَأ " كقراءةِ ابن ذكوان ، إلاَّ أنه سهَّل الهمزة بإبدالها ألفاً ، فحذفت كعصا . وأبو رجاءٍ والزهريُّ كذلك ، إلاَّ أنهما كسرا الخاء كـ " زِنَى " وكلاهما من خَطِىء في الدين ، وأخطأ في الرَّأي ، وقد يقام كلٌّ منهما مقام الآخر . وقرأ ابن عامرٍ في رواية " خَطْئاً " بالفتح والسكون والهمز ، مصدر " خَطِىء " بالكسر . قال المفسِّرون : معنى الكلِّ واحدٌ ، أي : إثماً كبيراً .