Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 32-32)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لمَّا أمره بالأشياء الخمسة المتقدِّم ذكرها ، وحاصلها يرجع إلى شيئين : التعظيم لأمر الله تعالى ، والشَّفقة على خلق الله سبحانه - جلَّ ذكره - لا إله إلاَّ هو ، أتبعها بالنَّهي عن أشياء أخر . أولها : أنه تعالى نهى عن الزّنا . والعامة على قصره ، وهي اللغة الفاشية ، وقرىء بالمدِّ ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه لغة في المقصور . والثاني : أنه مصدر زانى يُزانِي ؛ كقاتل يقاتل قتالاً ؛ لأنه يكون بين اثنين ، وعلى المدِّ قول الفرزدق : [ الطويل ] @ 3415 - أبَا خَالدٍ من يَزْنِ يُعرَفْ زِنَاؤهُ ومَنْ يَشرَبِ الخُرطُومَ يُصبِحْ مُسَكَّرا @@ وقول الآخر : [ الكامل ] @ 3416 - كَانَتْ فَريضَةُ ما تَقُولُ كَمَا كَانَ الزِّناءُ فَريضةَ الرَّجْمِ @@ وليس ذلك على باب الضرورة ، لثبوته قراءة في الجملة . وقوله تعالى : { وَسَآءَ سَبِيلاً } . قال ابن عطيَّة : " وسبيلاً : نصبٌ على التمييز ، أي : وسَاءَ سَبِيلاً سَبِيلهُ " . وردَّ أبو حيَّان هذا : بأنَّ قوله نصبٌ على التَّمييز يقتضي أن يكون الفاعل ضميراً مفسَّراً بما بعده من التمييز ، فلا يصح تقديره : سَاءَ سبيلهُ سَبِيلاً ؛ لأنه ليس بمضمرٍ لاسم الجنسِ . فصل قال القفال : إذا قيل للإنسان : لا تقرب هذا ، فهو آكد من أن تقول : لا تفعله ، ثم علَّل هذا النَّهي بكنه { فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } . واعلم أنَّ الزِّنا اشتمل على أنواع من المفاسد . أولها : اختلاط الأنساب واشتباهها ، فلا يعرف الإنسان أنَّ الولد الذي أتت به الزانية منه أو من غيره ، فلا يقوم بتربيته ، وذلك يوجب ضياع الأولاد ، وانقطاع النَّسل ، وخراب العالم . وثانيها : أنه إذا لم يوجد سبب شرعيٌّ يوجب اختصاص هذا الرجل بهذه المرأة ، لم يبق إلاَّ التواثب والتقاتل ، وقد وجد وقوع القتل الذَّريع بسبب زنا المرأة الواحدة . وثالثها : أنَّ المرأة ، إذا زنت وتمرَّنت عليه ، يستقذرها كل ذي عقل سليمٍ ، وحينئذٍ : لا تحصل الألفة والمحبَّة ، ولا يتم السَّكن والازدواج ، وينفر طباعُ أكثر الخلق عن مقاربتها . ورابعها : أنَّه إذا انفتح باب الزِّنا ، لا يبقى لرجلٍ اختصاص بامرأةٍ ، بل كل رجل يمكنه التواثب على أيِّ امرأة أرادت ، وحينئذ : لا يبقى بين نوع الإنسان وسائر البهائم فرقٌ في هذا . وخامسها : أنه ليس المقصود من المرأة مجرَّد قضاء الشهوة ، بل أن تصير شريكة للرجل في ترتيب المنزل وإعداد مهمَّاته من المطعوم والمشروب والملبوس ، وحفظ البيت ، والقيام بأمُور الأولاد والخدم ، وهذه المهماتُ لا تتم إلاَّ إذا كانت المرأة مقصورة الهمَّة على هذا الرجل الواحد ، منقطعة الطَّمع عن سائر الرِّجال ، وذلك لا يحصل إلاَّ بتحريم الزِّنا ، وسدّ هذا الباب . وسادسها : أنَّ الوطء يوجب الذلَّ الشديد ، ويدلُّ على ذلك وجوهٌ : الأول : أن أعظم أنواع الشَّتم عند النَّاس ذكر ألفاظ الوقاع ، ولولا أن الوطء يوجبُ الذلَّ وإلاَّ لما كان الأمر كذلك . الثاني : أنَّ جميع العقلاء يستنكفُون من ذكر أزواج بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم ، ولولا أن الوطء ذلٌّ ، وإلاَّ لما كان كذلك . الثالث : أن جميع العقلاء لا يقدمون على الوطء إلا خفية في الأوقات التي لا يطَّلع عليهم أحدٌ ، ولولا أنه موجبٌ للذلِّ ، وإلا لما كان الأمر كذلك ، فلما كان الوطء ذلاًّ ، كان السَّعي في تقليله موافقاً للعقول ، فاقتصار المرأة الواحدة على الرجل الواحد سعيٌ في تقليل ذلك العمل ، وما فيه ن الذلِّ يجبر بالمنافع الحاصلة . وأمَّا الزِّنا ، فإنه فتح لباب العمل القبيح ، ولا يجبر بشيءٍ من المنافع ، فيبقى على أصل المنع . وإذا ثبت ذلك ، فنقول : إنه تعالى وصف الزِّنا بصفاتٍ ثلاثة : كونه { فَاحِشَةً وَمَقْتاً } [ النساء : 22 ] في آية أخرى { وَسَآءَ سَبِيلاً } أما كونه فاحشة ؛ فلاشتماله على الأمور المذكورة ، وأمَّا المقت فلأنَّ الزانية تصير ممقوتة مكروهة ؛ لما ذكرنا . وأما كونه ساء سبيلاً : فهو ما ذكرنا من أنَّه لا يبقى فرقٌ بين الإنسان وبين البهائم في عدم اختصاص الذكران بالإناث ، وبقاء الذلِّ والعيب والعارِ على المرأة من غير أن يجبر بشيءٍ من المنافع .