Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 3-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } . العامَّة على نصب " ذريَّة " وفيها أوجه : أحدها : انها منصوبةٌ على الاختصاص ، وبه بدأ الزمخشري . الثاني : أنَّها منصوبة على البدل من " وكيلاً " ، أي : ألاَّ تتخذوا من دوني ذرية من حملنا . الثالث : أنها منصوبة على البدل من " مُوسَى " ذكره أبو البقاء ، وفيه بعدٌ . الرابع : أنها منصوبة على المفعول الأول لـ " تتخذوا " والثاني هو " وكيلاً " فقدِّم ، ويكون " وكيلاً " ممَّا وقع مفرد اللفظ ، والمعنيُّ به جمعٌ ، أي : لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح وكيلاً كقوله : { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً } [ آل عمران : 80 ] . الخامس : أنها منصوبة على النداء ، أي : يا ذرية من حملنا ، وهو قول مجاهد وخصَّ الواحديُّ هذا الوجه بقراءة الخطاب في " تتَّخذوا " وهو واضحٌ عليها ، إلا أنه لا يلزم ، وإن كان مكيٌّ قد منع منه ؛ فإنه قال : " فأمَّا من قرأ " لا يتخذوا " بالياء فـ " ذرية " مفعول لا غير ، ويبعد النداء ؛ لأن الياء للغيبة ، والنداء للخطاب ، فلا يجتمعان إلا على بعدٍ " وليس كما زعم ؛ إذ يجوز أن ينادي الإنسان شخصاً ، ويخبر عن آخر ، فيقول : " يَا زيْدُ ، يَنطلِقُ بَكْرٌ ، وفعَلتَ كذا " و " يَا زَيْدُ لِيفْعَلْ عَمرٌو كَيْتَ وكَيْتَ " . السادس : قال مكيٌّ : وقيل : نصب على إضمار " أعْني " . وقرأت فرقة " ذُريَّةُ " بالرفع ، وفيها وجهان : أحدهما : أنها خبر مبتدأ مضمرٍ تقديره : هم ذريَّة ، ذكره أبو البقاء وليس بواضحٍ . والثاني : أنها بدل من واو " تتخذوا " قال ابن عطية : " ولا يجوز ذلك في القراءة بالتاء ، لأنك لا تبدل من ضمير المخاطب ، لو قلت : " ضَربْتُكَ زيداً " على البدل ، لم يجزْ " . وردَّ عليه أبو حيَّان هذا الإطلاق ، وقال : " ينبغي التفصيل ، وهو إن كان بدل بعض أو اشتمال ، جاز ، وإن كان كلاًّ من كلٍّ ، وأفاد الإحاطة ؛ نحو : " جِئْتُم كَبِيرُكم وصَغِيركُمْ " جوَّزه الأخفش والكوفيون " . قال : " وهو الصحيح " . قال شهاب الدين : وتمثيل ابن عطيَّة بقوله " ضَربْتُكَ زيْداً " قد يدفع عنه هذا الرَّد . وقال مكيٌّ : " ويجوز الرفع في الكلام على قراءة من قرأ بالياء على البدل من المضمر في " يَتَّخذوا " ولا يحسن ذلك في قراءة التاء ؛ لأنَّ المخاطب لا يبدل منه الغائب ، ويجوز الخفض على البدل من بني إسرائيل " . قال شهاب الدِّين : أمَّا الرفع ، فقد تقدَّم أنه قرىء به ، وكأنه لم يطَّلعْ عليه ، وأمَّا الجرُّ فلم يقرأ به فيما علمت ، ويرد عليه في قوله " لأنَّ المخاطب لا يبدل منه الغائب " ما ورد على ابن عطيَّة ، بل أولى ؛ لأنه لم يذكر مثالاً يبيّن مراده ، كما فعل ابن عطيَّة . قوله : { مَنْ حَمَلْنَا } : يجوز أن تكون موصولة ، وموصوفة . قال قتادة : النَّاسُ كلُّهم ذرية نوح - عليه السلام - لأنَّه كان معه في السَّفينةِ ثلاث بنينَ : سَام وحَام ويَافث ، والناس كلُّهم من ذريَّة أولئك ، فكأن قوله : يا ذرية من حَملْنَا مَع نُوحٍ قام مقام { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [ البقرة : 21 ] . وهذا يدلُّ على أنه ذهب إلى أنه منصوبٌ على النداء ، وقد تقدَّم نقله عن مجاهدٍ أيضاً . ثم إنه تعالى أثنى على نوح ، فقال : { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } أي : كثير الشُّكرِ ، " روي أنه - عليه السلام - كان إذا أكل قال : " الحَمْدُ للهِ الَّذي أطْعَمنِي ، ولو شَاءَ لأجَاعَنِي " ، وإذَا شَرِبَ ، قَالَ " الحَمْدُ للهِ الَّذي أسْقانِي ولَوْ شَاءَ لأظْمَأنِي " ، وإذا اكتسى ، قال : " الحَمدُ للهِ الَّذي كَسانِي ، ولو شَاءَ أعْرَانِي " ، وإذا احْتَذَى ، قال : " الحَمْدُ للهِ الَّذي حَذانِي ، ولوْ شَاءَ أحْفَانِي " ، وإذَا قَضَى حاجَتهُ ، قال : " الحَمْدُ للهِ الَّذي أخْرجَ عنِّ الأذى في عَافيةٍ ، ولوْ شَاءَ حَبَسهُ " " . ورُوِيَ أنه كان إذا أراد الإفطار ، عرض طعامهُ على من آمن به فإن وجده محتاجاً ، آثرهُ به . فإن قيل : ما وجه ملائمةِ قوله : { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } بما قبله ؟ فالجواب : التقدير : كأن قيل : لا تَتَّخذُوا من دوني وكيلاً ، ولا تشركوا بي ؛ لأنَّ نوحاً - عليه السلام - كان عبداً شكوراً ، وإنما يكون شكوراً ، إذا كان موحِّداً لا يرى حصول شيءٍ من النعم إلاَّ من فضل الله ، وأنتم ذرية قومه ، فاقتدوا بنوحٍ ، كما أن آباءكم اقتدوا به .