Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 4-4)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر إنعامه على بني إسرائيل بإنزالِ التوراة ، وبأنه جعل التوراة هدًى لهم ، بيَّن أنهم ما اهتدوا بهداه ، بل وقعوا في الفساد ، فقال : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ } والقضاء في اللغة عبارةٌ عن وضع الأشياء عن إحكام ، ومنه قوله : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَاتٍ } [ فصلت : 12 ] . وقول الشاعر : [ الكامل ] @ 3375 - وعَليْهِمَا مَسْرُودَتانِ قَضاهُمَا … @@ ويكون أمراً ؛ كقوله تعالى : { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] . ويكون حكماً ؛ كقوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ } [ يونس : 93 ] ويكون خلقاً ؛ كقوله : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } ومعناه [ في ] الآية : أعْلَمنَاهُم ، وأخْبرنَاهُم فيما آتَيْناهُم مِنَ الكُتبِ أنه سَيُفسِدُونَ . وقال ابن عباس وقتادة : " وقَضَيْنَا عليهم " . و " إلى " بمعنى " على " والمراد بالكتاب اللَّوح المحفوظ . و " قَضَى " يتعدَّى بنفسه : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } [ الأحزاب : 37 ] { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } [ القصص : 29 ] ، وإنما تعدَّى هنا بـ " إلى " لتضمُّنه معنى : أنْفَذْنَا وأوْحَينَا ، أي : وأنفذنا إليهم بالقضاء المحتومِ . ومتعلق القضاء محذوفٌ ، أي : بفسادهم . وقوله " لتُفْسِدُنَّ " جواب قسمٍ محذوف تقديره : والله لتُفسدُنَّ في الأرْضِ مَرَّتينِ وهذا القسم مؤكدٌ لمتعلق القضاء . ويجوز أن يكون " لتُفْسِدُنَّ " جواباً لقوله : " وقَضيْنَا " ، لأنه ضمِّن معنى القسم ، ومنه قولهم : " قضَاءُ الله لأفعلنَّ " فيجرُون القضاء والنَّذرَ مجرى القسمِ ، فيُتلقَّيان بما يُتَلقَّى به القسمُ . والعامة على توحيد " الكِتابِ " مراداً به الجنس ، وابن جبيرٍ وأبو العالية " في الكُتُب " جمعاً ، جَاءُوا به نصًّا في الجمع . وقرأ العامة بضمِّ التاء وكسر السِّين مضارع " أفْسَدَ " ، ومفعوله محذوف تقديره : لتُفْسِدنَّ الأديان ، ويجوز ألا يقدَّر مفعولٌ ، أي : لتُوْقعُنَّ الفساد . وقرأ ابن عبَّاس ونصرُ بن عليٍّ وجابر بن زيد " لتُفْسَدُنَّ " ببنائه للمفعولِ ، أي : ليُفْسِدنَّكُمْ غَيرُكم : إمَّا من الإضلال أو من الغلبة . وقرأ عيسى بن عمر بفتحِ التَّاء وضمِّ السين ، أي : فَسدتُمْ بأنفسكم . قوله : " مرَّتينِ " منصوب على المصدر ، والعامل فيه " لتُفْسِدُنَّ " لأن التقدير : مرتين من الفساد . وقوله : " عُلُوًّا " العامة على ضمِّ العين واللام مصدر علا يعلو ، وقرأ زيد بن عليٍّ " عِلياً " بكسرهما والياء ، والأصل الواو ، وإنما أعِلَّ على اللغة القليلة ؛ وذلك أن فُعولاً المصدر ، الأكثر فيه التصحيح ؛ نحو : عَتَا عُتُواً ، والإعلال قليلٌ ؛ نحو { أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [ مريم : 69 ] على أحد الوجهين ؛ كما سيأتي ، وإن كان جمعاً ، فالكثير الإعلال ، نحو : " جِثِيًّا " وشذَّ : بَهْوٌ وبُهُوٌّ ، ونَجْوٌ ونُجُوٌّ ، وقاسه الفراء . فصل معنى { وَقَضَيْنَآ } : أوحينا { إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي بالمعاصي وخلاف أحكام التوراة . { فِي ٱلأَرْضِ } يعني أرض الشَّام وبيت المقدس . { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } أي : يكون استعلاؤكم على النَّاس بغير الحقِّ استعلاءاً عظيماً ؛ لأنَّه يقال لكلِّ متكبِّر متجبِّر : قد علا وتعظَّم .