Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 13-16)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } [ أي : نقص عليك نبأهم ] على وجه الصدق . قوله : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ } شبَّان { ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } إيماناً وبصيرة . وقوله : { ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمْ } : فيه التفاتٌ من التكلم إلى الغيبة ؛ إذ لو جاء على نسقِ الكلامِ ، لقيل : إنَّهم فتيةٌ آمنوا بنا ، وقوله : " وَزِدْنَاهُم " التفات من هذه الغيبة إلى التكلم أيضاً . ومعنى قوله : " ورَبَطْنَا " وشددنا " عَلى قُلوبِهمْ " بالصَّبْر والتثبت ، وقوَّيناهم بنور الإيمان ، حتَّى صبروا على هجران ديار قومهم ، ومفارقة ما كانوا فيه من خفض العيش ، وفرُّوا بدينهم إلى الكهف ، والرَّبطُ : استعارةٌ لتقوية كلمة في ذلك المكان الدَّحض . قوله : { إِذْ قَامُواْ } : منصوب بـ " رَبَطْنَا " . وفي هذا القيام أقوالٌ : أحدها : قال مجاهدٌ : كانوا عظماء مدينتهم ، فخرجوا ، فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعادٍ ، فقال أكبرهم : إنِّي لأجد في نفسي شيئاً ، إنَّ ربِّي ربُّ السموات والأرض ، فقالوا : نحن كذلك نجد في أنفسنا ، فقاموا جميعاً ، فقالوا : { رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . والثاني : أنَّهم قاموا بين يدي ملكهم دقيانوس ، حين عاتبهم على ترك عبادة الصَّنم ، { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم ، حتَّى عصوا ذلك الجبَّار ، وأقرُّوا بربوبيَّة الله تعالى . الثالث : قال عطاءٌ ومقاتلٌ : إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النَّوم ، وهذا بعيدٌ ؛ لأنَّ الله تعالى استأنف قصَّتهم فقال : { نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم } . قوله : { لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً } . " إذن " جواب وجزاء ، أي : لقد قلنا قولاً شططاً ، إن دعونا من دونه إلهاً ، و " شططاً " في الأصل مصدر ، يقال : شطَّ شططاً وشُطُوطاً ، أي : جار وتجاوز حدَّه ، ومنه : شطَّ في السَّوم ، وأشطَّ ، أي : جاوز القدر حكاه الزجاج وغيره ، ومن قوله : " ولا تشطط " وشطَّ المنزلُ : أي بعد ، [ من ذلك ] وشطَّت الجارية شطاطاً أي : طالت ، من ذلك . فصل قال الفراء : ولم أسمع إلا " أشطَّ يُشطُّ إشطاطاً " فالشطُّ البعد عن الحقِّ . قال ابن عباس : " شَطَطاً " أي : جوراً . وقال قتادة : كذباً . وفي انتصابه ثلاثة أوجه : الأول : مذهب سيبويه النصب على الحال ، من ضمير مصدر " قُلْنَا " . الثاني : نعت لمصدر ، أي : قولاً ذا شططٍ ، أو هو الشَّططُ نفسه ؛ مبالغة . الثالث : أنه مفعول بـ " قُلنا " لتضمُّنه معنى الجملة . قوله : { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ } : يجوز في " قَوْمنَا " أن يكون بدلاً ، أو بياناً ، و " اتَّخذُوا " هو خبر " هؤلاء " ويجوز أن يكون " قَوْمُنا " هو الخبر ، و " اتَّخذوا " حالاً ، و " اتَّخذ " يجوز أن يتعدى لواحد ؛ بمعنى " عملوا " لأنهم نحتوها بأيديهم ، ويجوز أن تكون متعدية لاثنين ؛ بمعنى " صيَّروا " و " مِن دونه " هو الثاني قدِّم ، و " آلهة " هو الأول ، وعلى الوجه الأول يجوز في " من دونه " أن يتعلق بـ " اتَّخذُوا " وأن يتعلق بمحذوفٍ حالاً من " آلهة " إذ لو تأخَّر ، لجاز أن يكون صفة لـ " آلهة " . قوله : " لَوْلاَ يَأتُونَ " تحضيض فيه معنى الإنكار ، و " عَليْهِمْ " أي : على عبادتهم ، أو على اتخاذهم ، فحذف المضاف للعلم به ، ولا يجوز أن تكون هذه الجملة التحضيضية صفة لـ " آلهة " لفساده ؛ معنى وصناعة ؛ لأنها جملة طلبية . فإن قلت : أضمر قولاً ؛ كقوله : [ الرجز ] @ 3491 - جَاءُوا بمَذْقٍ هل رَأيْتَ الذِّئْبَ قَطْ @@ فالجواب لم يساعد المعنى لفساده عليه . فصل في المعني بقوله تعالى : { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا } هذا قول أصِحاب الكهف يعنون أهل بلدهم هم الذين كانوا في زمن دقيانوس ، عبدوا الأصنام { لَّوْلاَ يَأْتُونَ } هلا يأتون " عَليْهِمْ " على عبادتهم " بسُلْطَانٍ " بحجَّة بينة واضحة ، ومعنى الكلام أن عدم البينة بعدم الدَّليل لا يدلُّ على عدم المدلول ، وهذه الآية تدلُّ على صحَّة هذه الطريقة ؛ لأنَّه تعالى استدلَّ على عدم الشركاء والأضداد ؛ لعدمِ الدَّليل عليه ، ثم قال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فزعم أنَّ له شريكاً ، وولداً ، يعني أنَّ الحكم بثبوت الشيء مع عدم الدليل عليه ظلمٌ وافتراءٌ على الله وكذبٌ ، وهذا من أعظم الدلائل على فساد القول بالتَّقليد . قوله : { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } : " إذْ " منصوب بمحذوف ، أي : وقال بعضهم لبعض وقت اعتزالهم ، وجوَّز بعضهم أن تكون " إذ " للتعليل ، أي : فأووا إلى الكهف ؛ لاعتزالكم إيَّاهم ، ولا يصحُّ . قوله : " ومَا يَعبُدُونَ " يجوز في " مَا " ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أن تكون بمعنى " الذي " والعائد مقدر ، أي : واعتزلتم الذي يعبدونه وهذا واضح . و " إلاَّ الله " يجوز فيه أن يكون استثناء متصلاً ، فقد روي أنَّهم كانوا يعبدون الله ويشركون به غيره ، ومنقطعاً ؛ فقد روي أنهم كانوا يعبدون الأصنام فقط ، والمستثنى منه يجوز أن يكون الموصول ، وأن يكون عائدهُ ، والمعنى واحد . والثاني : أن تكون مصدرية ، أي : واعتزلتم عبادتهم ، أي : تركتموها ، و " إلاَّ الله " على حذف مضافٍ ، أي : إلاَّ عبادة الله ، وفي الاستثناء الوجهان المتقدمان . الثالث : أنها نافية ، وأنه من كلام الله تعالى ، وعلى هذا ، فهذه الجملة معترضة بين أثناء القصَّة ، وإليه ذهب الزمخشريُّ ، و " إلاَّ الله " استثناء مفرَّغٌ ، أخبر الله عن الفتيةِ أنهم لا يعبدون غيره ، وقال أبو البقاء : " والثالث : أنها حرف نفيٍ ، فيخرج في الاستثناء وجهان : أحدهما : هو منقطعٌ ، والثاني : هو متصل ، والمعنى : وإذ اعتزلتموهم إلا الله وما يعبدون إلا الله " . فظاهر هذا الكلام : أن الانقطاع والاتصال في الاستثناء مترتِّبان على القول يكون " ما " نافية ، وليس الأمر كذلك . فصل في كلام أهل الكهف قال المفسِّرون : إنَّ أهل الكهف قال بعضهم لبعض : { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ } يعني قومكم { وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } ، أي : اعتزلتموهم ، وجميع ما يعبدون إلا الله ، فإنَّكم لم تعتزلوا عبادته ، فإنَّهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان . وقرأ أبو مسعود : " ومَا يعبدون من دون الله ، فأووا إلى الكهف " . قال الفراء : هو جواب " إذْ " كما تقولُ : إذ فعلت كذا فافعل كذا ، والمعنى اذهبوا إليه ، واجعلوه مأواكم . { يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } أي يبسطها عليكم ، { وَيُهَيِّئْ لَكُم } يسهِّل لكم { مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } ما يعود إليه رفقكم . قوله : " مرفقاً " قرأ الجمهور بكسر الميم ، وفتح الفاءِ . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية البرجمي وأبو جعفر بالعكس ، وفيها خلاف عند أهل اللغة ؛ فقيل : هما بمعنى واحد ، وهو ما يرتفق به ، وليس بمصدر ، وقيل : هو بكسر الميم لليد ، وبفتحها للأمر ، وقد يستعمل كل واحدٍ منهما موضع الآخر ، حكاه الأزهريُّ عن ثعلب ، وأنشد الفراء جمعاً بين اللغتين في الجارحة : [ الرجز ] @ 3492 - بِتُّ أجَافِي مِرْفقاً عن مَرْفقِ @@ و [ قد ] يستعملان معاً في الأمرِ ، وفي الجارحة ، حكاه الزجاج . وحكى مكيٌّ ، عن الفرَّاء أنه قال : " لا أعرفُ في الأمر ، ولا في اليد ، ولا في كلِّ شيء إلا كسر الميم " . قلت : وتواترُ قراءة نافعٍ والشاميين يردُّ عليه ، وأنكر الكسائي كسر الميم في الجارحة ، وقال : لا أعرفُ فيه إلا الفتح ، وهو عكس قول تلميذه ، ولكن خالفه أبو حاتم ، وقال : " هو بفتح الميم : الموضع كالمسجد ، وقال أبو زيد : هو بفتح الميم مصدر جاء على مفعلٍ " وقال بعضهم : هما لغتان فيما يرتفق به ، فأمَّا الجارحةُ ، فبكسر الميم فقط ، وحكي عن الفراء أنه قال : " أهل الحجاز يقولون : " مرفقاً " بفتح الميم وكسر الفاء فيما ارتفقت به ، ويكسرون مرفق الإنسان ، والعرب بعد يكسرون الميم منهما جميعاً " وأجاز معاذٌ فتح الميم والفاء ، وهو مصدر كالمضرب والمقتل . و " مِنْ أمْرِكُم " متعلق بالفعل قبله ، و " مِنْ " لابتداء الغاية ، أو للتبعيض . وقيل : هي بمعنى بدلٍ ، قاله ابن الأنباري ، وأنشد : [ الطويل ] @ 3493 - فَليْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزمَ شَرْبةً مُبرَّدةً باتتْ على طَهيَانِ @@ أي : بدلاً . ويجوز أن يكون حالاً من " مِرْفقاً " فيتعلق بمحذوفٍ .